ماذا تعرف عن «بابا أمين».. أول أفلام يوسف شاهين؟!.
خاص ـ «سينماتوغراف»
كان يوسف شاهين في الرابعة والعشرين من عمره حين أخرج أول أفلامه «بابا أمين» عام 1950، وكانت السينما في مصر قد أصبحت صناعة «كاملة» ولم يكن من قبيل المبالغة، ولا علي سبيل الدعاية القول بأن القاهرة هوليوود الشرق.
ولذلك كان من العسير أن يجد هذا المخرج صغير السن، قليل الحجم، مكانة وسط «العمالقة». حيث كانت من بين أمانيه الكبري في ذلك الوقت أن يتبادل مجرد التحية مع مخرج مثل هنري بركات.
وكان من الطبيعي في ذلك الوقت وخاصة بالنسبة لشاب مصري من الإسكندرية أن تكون السينما الأميركية هي السينما أو علي الأقل المثل الأعلي للسينما، وكان من المعتاد أن يتم إنتاج الأفلام عن الأفلام الأميركية أو عن المسرحيات والقصص والروايات التي تحولت إلي أفلام أميركية. وكان مشروع المخرج الشاب هو «ابن النيل» عن عمل أميركي، ولكن قيل له إنه من الصعب أن يبدأ به فأعد مشروعاً آخر عن عمل أميركي آخر، وكان «بابا أمين».
تدور أحداث «بابا أمين» فيلم الذي أنتج عام 1950 وعرض في نوفمبر من نفس العام في سينما متروبول. ويعكس الفيلم تقاليد شهر الصيام عند المسلمين من أول لقطة إلي آخر لقطة، وهذه الحقيقة في فيلم «بابا أمين» تعبر عن بعد أساسي في الثقافة المصرية في النصف الأول من القرن العشرين، وهو التلاحم العميق بين الأغلبية المسلمة والأقليات من الطوائف الدينية الأخري، خاصة المسيحيين، فليس من المعتاد في العالم أن يعبر مخرج سينمائي أو كاتب أو رسام عن ثقافة دين غير دينه، ولكن هذا ما حدث ويحدث في مصر.
وتدور أحداث فيلم «بابا أمين» حول أمين أفندي موظف بسيط ورب أسرة «سعيدة» مكونة من زوجته زهيره، وابنه نبيل المتفوق في دراسته، وابنته هدي التي تتبادل الحب مع علي ابن الجيران الطيب. يعرض مبروك علي أمين أن يشاركه في مشروع يدر أرباحاً كثيرة، فيدفع له أمين كل مدخراته، يتذكر أمين أنه لم يحصل علي إيصال بالمبلغ من مبروك، وفجأة يموت أمين، يلتقي أمين مع والده في العالم الآخر، ويري أمين كيف يخدع مبروك أسرته، وكيف تضطر هدي للعمل كمغنية في أحد الملاهي، ويحاول رشدي خداعها، ولكن علي يتمكن من إنقاذها، ويقوم أمين من النوم، ويدرك المشاهد أن كل ما حدث كان كابوساً، فيسترد أمواله من مبروك، ويعمل علي زواج هدي وعلي.
القصة الأدبية أخلاقية بسيطة مثل قصص أغلب الأفلام السائدة، واضطرار الفتاة إلي العمل كمغنية في ملهي ليلي، هو الحل السائد حيث نري ثلاث أغنيات في الملهي منها اثنتان تتضمنان رقصات فردية وجماعية، كما في الأفلام السائدة أيضاً. والشخصيات نمطية من الأب والأم والطفل إلي الفتي والفتاة وشرير الملهي وصديقته، والنهاية علي طريقة جريفيث للانقاذ في آخر لحظة من خلال المونتاج المتوازي بين رشدي يحاول الاعتداء علي هدي من ناحية، وإنقاذها بواسطة علي من ناحية أخري، ولكن هناك معالجة درامية جديدة، وأسلوباً سينمائياً جديداً في التعبير ولد مع فيلم «بابا أمين»: هناك عالم يوسف شاهين في مرحلته الجنينية.
كان «بابا أمين» أول فيلم مصري تدور أحداثه في عالم ما بعد الموت وهو من المحرمات الكبري في الثقافة العربية الإسلامية. وقد اخترق يوسف شاهين محرمات كثيرة في أفلامه، ولكن هذا الاختراق في الفيلم الأول لم يكن نتيجة قصد مسبق، وإنما نتيجة المناخ الثقافي العام في مصر، الذي انعكس بالضرورة علي السينما باعتبارها صورة من صور التعبير عن ثقافة المجتمع.
ولم يختر شاهين نجوم فيلمه الأول ولكنه وافق علي اختيارهم. كانوا جميعاً من النجوم الراسخة باستثناء فريد شوقي «رشدي» وصديقته التي قامت بدورها هند رستم في دور من أكبر أدوارها حتي ذلك الحين. مثلت هند رستم بعد ذلك مع يوسف شاهين في «باب الحديد» و«أنت حبيبي» حين أصبحت نجمة، وكذلك فريد شوقي، ولكن دور علي الذي مثله كمال الشناوي كان الدور الأول والأخير مع يوسف شاهين، وكذلك ماري منيب في دور الأم حتي وفاتها. أما فاتن حمامة «هدي» فهي بطلة يوسف شاهين الأثيرة في أفلامه الأولي حتي منتصف الخمسينيات.
وكان حسين رياض من كبار ممثلي المسرح والسينما والراديو، ثم التليفزيون بعد ذلك، ولكنه بحكم تكوينه وسنه لم يكن يمثل الأدوار الرئيسية إلا نادراً. ودوري حسين رياض في «بابا أمين» وهما الدورين الرئيسيين من أدواره الرئيسية النادرة، ومن أدواره الكوميدية النادرة أيضاً، وقد أجادهما إجادته لكل أدواره، خاصة أن شخصية الأب هي الشخصية الوحيدة غير النمطية في الفيلم، والتي تتطور، وتتغير من حال إلي حال. كان حسين رياض هو الأب في الأفلام المصرية، ونراه في «بابا أمين» يصل إلي الإحساس الأبوي الكامل في المشاهد التي يحزن فيها لما تعاني منه ابنته وما يعاني منه ابنه، وفي المشاهد التي يتلهف فيها علي إنقاذ هدي من رشدي.
كتب يوسف شاهين قصة الفيلم المصرية، بينما كتب السيناريو حسين حلمي، والحوار علي الزرقاني، وكان كلاهما من المواهب الجديدة آنذاك، قبل أن يصبح الزرقاني أكبر كتاب السيناريو والحوار. وفيما عدا شاهين وحلمي والزرقاني كان الفريق الفني في «بابا أمين» من الخبرات الكبيرة آنذاك في السينما المصرية ماسيمو دالمانو مدير التصوير، وشارك فوسكولو في مكساج الصوت، وكمال أبوالعلا في المونتاج. وعبدالمنعم شكري في الديكور.