ما السر وراء تطويل مدّة الفيلم على شاشة السينما؟
لوس أنجلوس ـ «سينماتوغراف»
يتزايد انتباه الجمهور والصحافيين إلى ميلٍ لدى شركات الإنتاج لتطويل مدد الأفلام التي تصدر في الفترة الأخيرة. لكن، ما هو السر وراء ذلك؟
بالتأكيد أنّ الأمر ليس عشوائياً، فمن المحتمل أن تؤثّر مدّة الفيلم على الميزانية والأرباح والسمعة، أي عن ملايين الدولارات، بحسب مجلة فارايتي الأميركية.
تطول مدّة عددٍ من أحدث الإصدارات في صالات العرض الأميركية، مثل “نو تايم تو داي” (ساعتان و43 دقيقة) و”سبايدر مان: نو واي هوم” (ساعتان و28 دقيقة) و”دون” (ساعتان و35 دقيقة).
وهذا ليس شيئاً جديداً بالضرورة، فالكثير من الأفلام الشعبية القديمة حقّقت النجاح النقدي والجماهيري، على الرغم من طول مدة عرضها، مثل “ذهب مع الريح” الصادر عام 1939 (3 ساعات و58 دقيقة) و”لورنس العرب” الصادر عام 1962 (3 ساعات و47 دقيقة).
وتدلّل هذه الأمثلة على عدم وجود رابط سلبي بين مدّة الفيلم ونجاحه.
في الحقيقة، تتراوح مدّة معظم الأفلام الأكثر ربحاً في التاريخ بين ساعتين وثلاث ساعات. الأمر نفسه ينطبق على جوائز الأوسكار، إذ يبرز فيلم وودي آلن “آني هول”، لأنّه الوحيد الذي حصد جائزة أفضل فيلم، رغم أن مدّته لم تتجاوز تسعين دقيقة.
وفي عام 2001، أثناء العروض الاختبارية، قال مخرج “هاري بوتر وحجر الفيلسوف” كريس كولومبوس إنّ شركة وارنر براذرز لم تعترض على وقت عرض الفيلم الذي بلغ ساعتين و32 دقيقة، بالرغم من صعوبة إقناع الأطفال بالجلوس مدة طويلة.
ويتذكر كولومبوس: “جميع الآباء قالوا إن الفيلم طويل جداً، فيما قال جميع الأطفال إنّه قصير جداً”، مشيراً إلى أنّ الأطفال أثناء العرض التجريبي كانوا يركضون إلى الحمام ويعودون سريعاً لأنهم لم يرغبوا في تفويت أي من أحداث القصة.
ومثل هاري بوتر، أثبتت أعمال مثل تلك التي أنتجتها شركة مارفل وسلسلة جيمس بوند أنّ الوقت لا يهم، بل يمكن القول إنّه بالنسبة للبعض: كلما طالت مدّة الفيلم، كان ذلك أفضل. قد يعني للبعض أنّه كلّما طال، كان أفضل.
في الأيام الأولى للسينما، كانت مدة الفيلم مرتبطة بتوفر شرائط الصور، ومحدودة بكلفتها العالية، لذلك، كانت أغلب أفلام العقد الأول من القرن العشرين تتراوح بين 10 إلى 15 دقيقة.
وبحلول العشرينيات من القرن الماضي، تقدمت التكنولوجيا بما يكفي لإنتاج أفلام أطول، وبحلول الخمسينيات أصبحت أوقات عرض الأعمال الملحمية، مثل “ذهب مع الريح” أو “الوصايا العشر”، مصدراً لتحقيق أرباح مهمة، إلى درجة تنافس معها التلفزيون.
يمكن للجمهور مشاهدة أي عرض قديم في المنزل، ولكن دور السينما فقط هي التي تقدم سرداً غامراً للقصص الغامرة يستحق ترك الأريكة والتخلي عن الأموال التي جُمعت بشق الأنفس.
كما سمح نشر السينما الرقمية في أواخر التسعينيات باختلاف أوقات التشغيل، لقد حرّر صانعي الأفلام من القيود المادية لبكرات الأفلام المرهقة.
كما أن النسخ الرقمية من الأفلام تعني أن شحن الأعمال التي تبلغ مدتها ثلاث ساعات لا يكلف الكثير من الشحن والتخزين.
وتقول أستاذة دراسات السينما في كلية تك للفنون بجامعة نيويورك دانا بولان، لـ”فارايتي”، إنّه “يمكن الترويج لمعظم الأفلام الطويلة باعتبارها أفلاماً مميّزة ومرموقة”، مشيرةً إلى أنّ الرأي السائد آنذاك يقول إنّ “طول الفيلم يساوي الجودة”.
لكن في شباك التذاكر تعني الأفلام الأطول أوقات عرض أقل في اليوم، ما يقلّل من مبيعات التذاكر، وهو الأمر الذي يعني صعوبة تحقيق التعادل بين عدد العروض ومبيعات التذاكر، ما يعقد مهمة جني الأرباح.
وبالنسبة لفيلم مدته ثلاث ساعات مثل “آفنجرز: إند غيم” و”ذا باتمان”، تخسر صالات العرض ساعة إضافية من يوم العرض. عند عرض “آفنجرز”، بقيت الصالات مفتوحة لمدة 72 ساعة متتالية لتلبية الإقبال الجماهيري المرتفع، لكن لا تحصل كل الأفلام الشعبية على هذا التعامل الاستثنائي.
ويمكن أن يؤثر طول الفيلم على فرصة عرضه في التلفزيون، والتي تعني مزيداً من الأرباح. لفترة من الوقت، كان 91 دقيقة هو الطول المثالي لعرض فيلمٍ على التلفزيون.
وكلّما صارت مدّة الفيلم أقصر، قلت تكلفته، ما يعني مخاطرة مالية أقل بالنسبة للمنتجين. في المقابل، كلّما كان السيناريو أطول، طال التصوير، ما يعني دفع المنتج ملايين إضافية من الدولارات.
وفي فيلم يعتمد على المؤثرات البصرية، يمكن أن يؤدّي تصوير 30 إلى 60 دقيقة إضافية إلى زيادة تصل إلى 25% من الميزانية الأساسية.
وكلّما ازادات عدد اللقطات المسجلة على الشريط، ازدادت الحاجة إلى وقت إضافي في مرحلة ما بعد الإنتاج، ما يعادل بلغة الأرقام كلفة إضافية تتراوح بين 50 و100 ألف في الأسبوع.
ولا تواجه منصات البث نفس الضغط المالي الذي تواجهه الاستوديوهات التقليدية، لذا فهي لا تخضع لنفس قواعد العرض الصارمة.
وعرضت “نتفليكس” فيلم “ذا أيرشمان” لمارتن سكورسيزي، الذي بلغت مدته ثلاث ساعات ونصف، و”آرمي أوف ذا ديد”، مدته ساعتان و28 دقيقة، وفيلم “ذا فايف بلودز”، مدته ساعتان و34 دقيقة.
في النهاية، هناك الكثير من الأفلام الطويلة التي فشلت والعكس صحيح، والأمر نفسه ينطبق على الأفلام الأقصر لناحية المدة، إذ لا تتبع السينما قواعد علمية لتحقيق النجاح، الذي يبقى رهناً بعوامل متعدّدة.