محمد كامل القليوبي.. رحلتا السينما والإنسان
القاهرة ـ «سينماتوغراف»
لم يكن فقط ذلك المخرج والسيناريست الذي رأينا اسمه على أفيشات خمسة أفلام فحسب منذ عام 1993، ولكن إسهاماته السينمائية تتخطي ذلك بكثير، تتخطاه لدرجة تصحيح مسار عملية التأريخ السينمائي المصري من الأساس.
محمد كامل القليوبي في تاريخه رحلتان مهمتان للغاية، الأولى قضاها في الفترة من عام 1986 وحتى عام 1988، يبحث فيها عن أصول السينما المصرية، كيف ومتى وأين بدأت، ليخرج للنور أعمال المخرج الرائد للسينما في مصر “محمد بيومي”، ليكون القليوبي صاحب أول بحث “أركيولوجي” في تاريخ السينما المصرية، والذي توج باكتشاف أفلام محمد بيومي المجهولة في الفترة من عام 1923 وحتى عام 1932، وبذلك أعيد التأريخ للسينما المصرية بشكل صحيح.
وتتويجا لهذا البحث قدم القليوبي فيلمه الوثائقي المهم “محمد بيومي.. وقائع الزمن الضائع” الذي عرض فيه كل ما توصل له من معلومات عن رائد السينما المصرية الأول “محمد بيومي”، سواء كانت معلومات فنية أو شخصية ليصبح الفيلم مرجعا ثريا لكل من يريدالتعرف على هذا الرائد.
رحلة القليوبي الثانية، وهي الرحلة الأطول دائما وابدا، كانت رحلته في عالم السينما، بخماسية سينمائية بدأها في ثلاثة على الطريق عام 1993، وانتهت بفيلم خريف آدم عام 2002، وتخللها عملان للتليفزيون فقط وهما “الابن الضال” عام 1999، و”بعد الطوفان” 2003.
البداية عام 1993، حين طرح نفسه كسيناريست ومخرج في فيلمه “ثلاثة على الطريق”، من الوهلة الأولى نعرف انه متأثر بحالة سينما الثمانينات مع اختلاف التعامل البصري وتركيبات الشخصية، ليكون الشبه هنا هو انحياز القليوبي للمهمشين للغاية، حيث سائق سيارة نقل وطفل وحبيبه.
تركيبة بسيطة وشخصيات أبسط عشنا معها في فيلمه ثلاثة على الطريق، لنجد نفسنا امام كاتب سيناريو ومخرج فذ، في انتظار تجربته الثانية، والتي لم تتأخر كثيرا، ليدخل القليوبي مجددا عالم المهمشين والبسطاء من خلال السؤال الأكثر وجودية: البحر بيضحك ليه؟
الفيلم الأكثر إنسانية في مسيرة القليوبي، واحد أكثر الأفلام إنسانية في تاريخ السينما المصرية، أعاد تقديم نجاح الموجي بشكل مختلف جدا في شخصية سيد بص، في رحلة حسين “محمود عبد العزيز” وبحثه عن الإنسانية المفقودة والإنسان، من خلال تحوله من عالمه الروتيني الخانق لعالم الشارع الموحش والذي يجعله حسين عالم أكثر براءة وإنسانية.
في البحر بيضحك ليه، يؤكد القليوبي أن الخط الرئيسي الذي وضعه لنفسه كمخرج وسيناريست، أوله في يد محمد خان وعاطف الطيب وداود عبد السيد وخيري بشارة، خط البسطاء والطبقات التي لا تتحدث عنها السينما: لاعب كرة الشارع، سائق التاكسي، لاعب الملاكمة في الساحات الشعبية، عالم الصعاليك، وعالم الحرافيش.
وفي “أحلام مسروقة” لم يأخذ القليوبي خطوة للأمام، ولكنه أيضا لم يعد للخلف، ولكن فيلمه الرابع “اتفرج يا سلام” عام 2001 هو الذي أعاده للخلف مؤقتا، في محاولة لمجاراة الأفلام التي كانت تقدم في السينما وقتها، قدم القليوبي فيلما كوميديا مبطنا برسالة سياسية، لتثبت النتيجة أنه لا يصلح سوى للخط الذي بدأه وان توقفه المباغت وخروجه عن هذا المسار كان انحرافا مؤقتا.
وعاد القليوبي لسابق عهده في الفيلم الخامس، الذي يعد واحدا من أهم أفلام الألفية الجديدة.. في عام 2002، قدم فيلمه الأخير “خريف آدم” ليعود لنفس المسار الذي بدأه، في محاولته المستمرة لتعريف الإنسان والإنسانية.
محمد كامل القليوبي من مواليد 4 مايو عام 1943، حصل على بكالوريوس الهندسة عام 1969 من جامعة عين شمس، وحصل على دبلوم الدراسات العليا قسم الإخراج والسيناريو من المعهد العالي للسينما عام 1972، وحصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة الفن من معهد السينما الاتحادي “فيجيك” بموسكو عام 1986، ليعود بعدها ليتولى رئاسة قسم السيناريو بالمعهد العالي للسينما في الفترة من عام 1987 وحتى عام 2006، كما شغل منصب رئيس قسم السينما بالمعهد العالي للنقد الفني في الفترة من 2003 وحتى عام 2005.
ترأس القليوبي أيضا المركز القومي للسينما في الفترة من عام 1999، وحتى عام 2001، وعمل رئيسا لمهرجان الإسكندرية الدولي لدول البحر الأبيض المتوسط في دورة عام 2003، وفي عام 2008 أسس مؤسسة نون للثقافة والفنون التي تنظم مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية الذي كان قد بدأ في الأقصر.