محمود يس لـ «سينماتوغراف»: حصاد مشوارى شرف عظيم
شارك فى الدورة الأولى لمهرجان الاسكندرية وكرمه فى الدورة الـ31
شادية رشحتنى لأول بطولة سينمائية وفاتن تحمست لاختيارى فى الخيط الرفيع
نور الشريف كان صديق وحبيبى ورحيله أصابنى بصدمة كبيرة
خاص ـ «سينماتوغراف»: حاورته انتصار دردير
صفتان تكشفان عن كثير من ملامح شخصية الفنان الكبير محمود يس، هما المنتمى والعاشق، فهو شديد الانتماء لبلده والاعتزاز بوطنيته والامتنان للزمن الذى عاش به والمناخ الذى شهد توهجهه الفنى، وهو عاشق متيم لمدينته بورسعيد وللمسرح القومى الذى شكل حالة خاصة فى مشواره الفنى، واللغة العربية الفصحى التى يحرص على التحدث بها.
محمود يس حالة ابداعية شديدة الخصوصية، حقق فيها نجومية كبيرة على خشبة المسرح القومى الذى بدأ مشوره الفنى من خلاله، وفى التليفزيون قدم عشرات الأعمال الدرامية الناجحة، أما فى السينما فقد كان أحد فرسانها الكبار وتجاوز رصيده السينمائى 170 فيلما، قدم خلالها عشرات الأدوار الناجحة والشخصيات المتباينة والجوائز العالمية والمحلية، وشهدت فترة السبعينات والثمانينات قمة ألقه السينمائى.
قبل انطلاق الدورة الأولى لمهرجان الاسكندرية السينمائى كان الفنان محمود يس يجلس مع الكاتب الراحل الفنان كمال الملاخ ليشاركه فى اختيار الأفلام العالمية بعد أن طلب منه الملاخ ذلك لما يملكه من ثقافة سينمائية ومعرفة بصناعها، وخلال كثير من دورات المهرجان كان يشارك بأفلامه وحضوره وندواته، وهاهو يجرى تكريمه خلال الدورة الـ31 من المهرجان التى تحمل اسمه بعد مشوار طويل من التألق الفنى.
داخل صالون فيلته الذى استقبلنا به بدت حوائطه مزينة بكثير من صوره الفنية والعائلية، التى تجمعه بزوجته الفنانة المعتزلة شهيرة وابنته رانيا وابنه عمرو الذين يشكلون عائلة فنية خالصة مع زوج ابنته الفنان محمد رياض، خلاف الصور، يوجد الكثير جدا من الجوائز وشهادات التقدير التى علقت بعناية، والتى قال عنها أنها تمثل قدرا يسيرا من الشهادات والجوائز التى حصل عليها ويعتز بها غاية الاعتزاز بينما تحوى غرفة مكتبه الكثير من تلك الشهادات التى تؤكد موهبته الأصيلة.
ومن محطة تكريمه بمهرجان الاسكندرية السينمائى انطلق حوارنا
تكريمات عديدة شهدتها على مدى مشوارك الكبير، والآن يكرمك مهرجان الاسكندرية فى دورته الـ31 التى تحمل اسمك، ماذا يعنى التكريم فى هذه المرحلة من عمرك الفنى؟
– من حسن حظى أننى شهدت ميلاد الدورة الأولى لمهرجان الاسكندرية السينمائى، فقد كنت مع أستاذى الجليل الفنان كمال الملاخ رحمه الله، وهو يعد لاطلاق الدورة الأولى للمهرجان واستعان بى ليسألنى فى بعض الأمور التى لم تسعفه ذاكرته فيها وخاصة عن الأفلام العالمية ومخرجيها، وأعتبر أننى ولدت فنيا وسط مجموعة النقاد الكبار الذين أسسوا جمعية كتاب ونقاد السينما التى تقيم المهرجان، كانوا نقاد على مستوى من الابداع والثقافة والوعى والعلم، وهم أصحاب فضل على وعلى جيلى كله، ولاشك أن هذا التكريم يسعدنى، لكنه لم يكن هدفا لى، فقد كنا شبابا صغيرا، كل هدفنا هو الفن وكل أحلامنا معه وله.
متى تحديدا بدأ وعيك المبكر بالتمثيل ؟
– أنا ابن بورسعيد، المدينة الوحيدة فى العالم التى كان بها نادى للمسرح منذ قرن مضى، كان يقع فى أرقى أحياء بورسعيد، وكان يتشكل من خمس فيلات ويقع خلف حديقة المنتزه الشهيرة وقد بدأت أتردد عليه وأنا طفل صغير فى الثامنة من عمرى وسحرنى هذا العالم تماما، ولذلك تعلقت بالمسرح كثيرا وانصبت أحلامى على المسرح القومى، وكنت أشد الرحال الى القاهرة وأنا شابا صغيرا واستقطع من مصروفى لأسافر وأشاهد عروضه التى تسحرنى، وحينما جئت للقاهرة لألتحق بكلية الحقوق، عملت على تكوين أول شعبة للمسرح وعلقت اعلانا بالكلية أدعو محبى المسرح للانضمام، وكان من بين أعضائها صديقى الكاتب الراحل عصام الجمبلاطى، وحين أعلن المسرح القومى عن مسابقة لاختيار ممثلين جدد، تقدمت بكل ثقة وكنت الاول فى التصفيات الثلاث التى التى أجريت على الأداء باللغة الفصحى ثم العامية ثم فى الثقافة المسرحية، وقد كان وجودى بالقاهرة يشكل ضغطا اقتصاديا على أسرتى، لذلك كنت أبذل قصارى جهدى فى دراستى وعملى.
وهل كانت السينما فى ذلك الوقت بعيدة عن اهتمامك؟
– كان المسرح – القومى تحديدا – أحد أحلامى الكبيرة، والمسرح فن أصيل خرج من عباءته فن شديد الألق هو السينما، وقد انتبهت السينما لى من خلال نجاحى بالمسرح، وأنا انتبهت لها بعد عدة تجارب أصقلتنى فى المسرح، والسينما كانت صاحبة فضل على مثل المسرح، وأحمد الله على ماحققته، فقد أعطانى أكثر مما أستحق.
فى أول فيلم تلعب بطولته «نحن لانزرع الشوك» وقفت أمام القديرة شادية، وفى ثالث بطولاتك وقفت أمام النجمة الكبيرة فاتن حمامة «الخيط الرفيع» ، وكانت كل منهما تتربع على عرش النجومية، كيف استقبلت هذا الأمر؟
– كانت شادية فى قمة نجوميتها وتألقها كممثلة ومطربة وكان شرفا عظيما لى أن تكون أولى بطولاتى معها، وكنت قد أديت دور البطولة لنفس العمل من خلال ميكرفون الاذاعة وحقق نجاحا كبيرا دفعهم لتقديمه سينمائيا، وتوقعت أن يستعينوا بأحد نجوم السينما لهذا الدور لثقتى أن السينما لها حسابات أخرى، غير أننى فوجئت بهذه الفنانة الكبيرة ترشحنى لبطولة الفيلم أمامها، ويؤيدها المخرج العظيم حسين كمال وكاتب السيناريو الراحل أحمد صالح لأجد نفسى بطلا أمام العظيمة شادية.
أما القديرة فاتن حمامة فقد كانت عائدة لمصر بعد ست سنوات قضتها فى أوروبا، وكانت هناك أخبارا أنها ستقدم رواية لاحسان عبد القدوس، وكنت قد لعبت بطولة فيلم نحن لانزرع الشوك ثم فيلم أختى أمام نجلاء فتحى عن رواية لاحسان أيضا، لأفاجأ بأن الدور من حظى، وأن فاتن حمامة بكل نجوميتها تتحمس لهذا الاختيار، وكان الخيط الرفيع تجربة شديدة الأهمية، توافرت لها كافة عناصر النجاح من رواية أدبية رائعة لمخرج شديد التميز ونجمة قديرة، ووجدتنى بطلا أمام الكبيرة فاتن حمامة، والتى التقيتها بعد ذلك فى أفواه وأرانب لنفس المخرج الرائع هنرى بركات، لقد كان زمنا رائعا بحق.
أراك شديد الامتنان لهذا المناخ الذى شهد توهجك الفنى، والذى ساهم فى نجوميتك وكثير من أبناء جيلك
– نعم، هذا صحيح مائة فى المائة، فأنا شديد الامتنان لهذا المناخ، والذى تشكل وعيى الفنى من خلاله فقد كنا محاطين بجيل يملك من الوعى والثقافة والوطنية، والاصرار على النجاح ما يجعله يتحدى أى معوقات، كان هناك مخرجون تراوحت دراستهم للسينما بين دول غربية ومصر التى كانت قد خطت خطوة عملاقة بانشاء أكاديمية الفنون وبدأ حصاد ذلك فى مخرجى الدفعات الأولى بمعهد السينما والفنون المسرحية.
تكاد تكون أكثر ممثل ارتبط اسمه بأفلام حرب أكتوبر، والتى صور بعضها والمعارك لاتزال حامية، فهل كنت تعى ذلك الاختيار وتحرص عليه؟
– كانت هزيمة 67 قاسية على جيلى وكنا ننتظر رد الاعتبار وحين تحقق هذا النصر العظيم شعرنا جميعا أننا يجب أن نكون جنودا نقف فى مواجهة العدو، وقد صورنا فيلم الرصاصة لاتزال فى جيبى قبل أن تنتهى المعارك على الجبهة، وتم التصوير باشراف بعض كبار القادة.
لكن البعض يرى أنها أفلام غلبت عليها النزعة الانفعالية بالحدث ولم تعط هذا النصر العظيم حقه، ما رأيك؟
– أرى أن السينما المصرية كانت شديدة الاهتمام بحرب أكتوبر ونحن قدمنا أفلاما حققت صدى واسع لدى الجمهور والساسة ولاتزال هى التى يعاد عرضها مع ذكرى النصر، وقد تمت باشراف كامل من قادة الحرب الكبار والحدث كان ولايزال يستحق وجود مزيد من الأفلام التى تروى بطولات الرجال وما أكثرها، لكنها تحتاج ميزانيات ضخمة وامكانات كبيرة.
رأيتك تبكى بحرارة فى جنازة الفنان الراحل نور الشريف، فقدانك له فى هذا التوقيت ماتأثيره عليك؟
– أنا أحد الذين تأثروا لأقصى حد بوفاة نور الشريف واعترتنى صدمة لاأزال أتغلب عليها، نور كان حبيبى وصديقى وفنان كبير خسره الفن، لكنها إرادة الله، ربنا يرحمه ويصبرنا على فقده.
كنت ونور وحسين فهمى الفرسان الثلاثة الين حققوا نجومية فى وقت متقارب، وكانت بينكما مساحة للتنافس، أليس كذلك؟
– بالتأكيد، كانت بيننا مساحة من التنافس، ولكن ليس بقصد من سيسبق الآخر،لأنه كان لدينا مساحة أكبر من الوعى والاستنارة الذى يجعل كل منا يجتهد فى كل عمل يسند اليه، كان نجاح أحدنا فى عمل يدفع الآخرين ليحذو حذوه.
فى ظل رصيدك السينمائى الضخم، هل هناك أفلام تعتز بها بشكل خاص، هل من بينها ما لاتريد تذكره؟ أم تقول كلهم أبنائى؟
– أعتبر حصادى الفنى شرف عظيم، لقد أتاح لى الله أن أكون أحد الموهوبين الذين يعشقون الفن ويسعدون الناس، وكان لى شرف أن أحظى بأجمل الأفلام فى السينما وأفضل الأدوار التليفزيونية وأعظم الأعمال المسرحية، وكنت شغوفا بالفرص التى تأتى مرة واحدة فكنا نقبض عليها بأسناننا ومشاعرنا لاحساسنا أنها لن تتكرر.
هل كانت اختياراتك الفنية نابعة من استرتيجية معينة ؟
– بالتأكيد، الفنان ليس روح مفرغة والدور الذى يقدمه ليست عباءة يرتديها، لكن اختياراتى نابعة من فكر وثقافة وايمان باهمية الفن ودوره العظيم.
فى مشوارك السينمائى تبرز أسماء من كبار المخرجين على درجة من العبقرية، من تعتبرهم أصحاب بصمة فى مشوارك؟
– هذا هو أكثر سؤال لا استطيع الاجابة عنه، لأن هناك كثيرا من المخرجين الذين أضاءوا مشوارى، وقد أنسى بعضهم سهوا فأكون قد ارتكبت جرما فى حقه سواء كان توفاه الله ،أم لا، فهذه أمانة وحق لايصح أن أغبنه.
اذا كنت قد أعدت تقديم فيلم «بين الأطلال» الذى سبق وقدمته سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، فهل تقبل أن يعيد البعض فيلم مثل «الخيط الرفيع أو الصعود الى الهاوية» الذى لازال يردد الجمهور جملتك الشهيرة فيه، هى دى مصر ياعبلة؟
– أعدنا تقديم رواية بين الأطلال فى فيلم اذكرينى لأن الرواية كانت تنطوى على ثراء درامى كبير، والخطأ أن أعيد العمل بصورته الأصلية دون تغيير فهذا يضعه فى مقارنة لن تكون فى صالحه.
لماذا اختزلت تجربتك الانتاجية فى (قشر البندق) فقط ؟
– هناك اعتباران لذلك، الأول أننى كنت أتلقى عروضا كبيرة لا أستطيع أن أرفضها، وأعطل مسيرة فنية بسببها، فقد كنت اختيار جيل واعى من المخرجين، ومن غير المعقول أن يرشحوننى لأدوار هامة فأقول لهم «معليش مش فاضى»، والاعتبار الثانى أن انتاج فيلم يحتاج الى تكثيف كل وقتك لعامين أو ثلاثة، خاصة اذا كنت حديث العهد بالانتاج.
فى السينما العالمية، يستطيع الممثل حينما يكبر ويكتسب الخبرة والنضج أن يجد من يكتب له أدوار خصيصا لاتقذف به الى الأدوار الهامشية كما يحدث فى سينمانا، هل تجد أنت ما يلائمك فيما يعرض عليك؟
– أنت تتحدثين عن السينما وكأنها الفن وكفى، فهناك مجال عبقرى اسمه المسرح القومى، وغول جماهيرى اسمه الدراما التليفزيونية، وأنا شخصيا لا أقبل عملا فى أى منها الا مايستهوينى وأجد نفسى مستمتعا بأدائه ويحمل رسالة وهدف.
كيف ترى السينما الآن وقد اتجهت فى أغلبها الى التجارية، وتصدر البطولة أسماء تفتقر للموهبة الحقيقية؟
– اسمحى لى أن أختلف مع وجهة نظرك، فالسينما كانت وستظل تجارية، وفى كل الظروف التى مرت بها، كان هناك عشاق حقيقيون لايقبلون بغير الرؤية الدقيقة الواعية للفنون، وهناك مواهب حقيقية تزخر بها مصر، هناك موهوبون فى القرى والنجوع، الله يعينهم، فهم بعيدون عن الاهتمام الاعلامى والثقافى، والقاهريون هنا يقتنصون كل مايتاح لهم من فرص.
عائلتك اتجهت كلها الى الفن، هل تنقل لهم خبراتك العريضة فى هذا المجال؟
– تركت لابنى وابنتى حرية اختيار عملهما ووجدتهما يتجهان بقوة الى الفن، لكنى لا أعيد تشكيلهما ليكونا على غرارى، بل أريدهما أن يكونا أفضل منى.
ماسر اجادتك للغة العربية الفصحى وتفضيلك للتحدث بها؟
– لأن التعليم على أيامنا كان منشغلا باللغات الحية، كنا جميعا نحرص على التفوق فى اللغة العربية، وكان لدينا أساتذة مخلصون لايقبلون بغير الفصحى فى الفصل الدراسى، والفصحى هى الأصل فى لغتنا الجميلة وأنا أعتز دائما بكل ماهو أصيل.
ولماذا تطلق لحيتك فى الفترة الأخيرة؟ هل استعدادا لعمل فنى جديد؟
– كان لدى مشروعا فنيا يتطلب اطلاق لحيتى، فأطلقتها، لكن المشروع لم يتم فتركتها.
مرور السنوات، ماذا يعنى بالنسبة لك؟
– يعنى مزيد من الوعى والنضوج الانسانى، والرضا والحمد لله على كل شئ.