مراجعة «مدينة الكويكب» | أزمة الحيلة الجديدة لفيلم ويس أندرسون
كان (فرنسا) ـ خاص «سينماتوغراف»
فيلم «Asteroid City ـ مدينة الكويكب» هو العمل الحادي عشر في مسيرة المخرج ويس أندرسون وثالث عمل يشارك به في مهرجان كان السينمائي، ويعتبر دخوله المسابقة هذا العام للدورة الـ76 من باب التركيز عليه ولفت الانتباه إليه، حيث سيتم افتتاحه تجاريًا داخل الولايات المتحدة في 16 يونيو المقبل.
يمكن دائماً معرفة أفلام أندرسون عن غيرها، فلا يوجد مخرج أمريكي يصمم سيناريوهاته بهذا الشكل، كما أن الكاميرا لديه تتحرك بالطريقة التي يتصرف بها هو ومصوره السينمائي المعتاد روبرت يومان، حيث يتميز الفيلم الجديد بلقطات التتبع الجانبي التي لا حصر لها، والتي لطالما كانت إحدى العلامات التجارية المميزة للثنائي.
تدور 90٪ من أحداث الفيلم على الأرجح في ولاية أريزونا (رغم تصوير العمل في إسبانيا)، ومع بدء القصة، يُعلم الراوي الذي لم يذكر اسمه (بريان كرانستون) ــ تم تصويره باللونين الأبيض والأسود في نسبة أبعاد مربعة ــ المشاهدين بأن ما بصدد رؤيته مسرحية تسمى «مدينة الكويكب» كتبها المحترم كونراد إيرب (إدوارد نورتون)، وبعد ذلك، ينتقل العمل إلى المجتمع الصحراوي الصغير ذات الشاشة العريضة والألوان الزاهية، والذي يبلغ عدد سكانه 87 نسمة، وهي بلدة تشتهر بوقوعها في مكان تحطم كويكب قبل آلاف السنين مما خلف حفرة كبيرة، حيث اجتمع مجموعة من علماء الفلك الشباب الحائزين على جوائز مع آبائهم. ليتم تكريمهم، ويذكرنا الفيلم باستمرار أن مدينة الكويكب ليست سوى حيلة، على الرغم من أن مشاكل الأشخاص الذين نتابعهم تبدو حقيقية للغاية.
من بين زوار مدينة الكويكب، أوجي (جيسون شوارتزمان)، مصور حرب حزين عاطفياً ولا يملك القلب ليخبر ابنه اللامع وودرو (جيك رايان) وبناته الثلاث الصغيرات بأن والدتهن قد ماتت، لكن أبرز من وصلوا إلى المدينة ميدج (سكارليت جوهانسون)، وهي ممثلة هوليوودية ساحرة ترافق ابنتها دينا (جريس إدواردز)، راقصة النجوم الطموحة.
ثم تعرّفنا مدينة الكويكب على العديد من الشخصيات الهامشية، بما في ذلك المعلم المجتهد جون (مايا هوك)، ووالد زوجة أوجي الناقد ستانلي (توم هانكس)، وستيف كاريل مدير فندق، حيث توفر نسيجًا ممتعًا للخلفية ولما سيصبح في النهاية قصة عن حب إحداها تتعلق بأوجي وميدج الجرحى نفسياً، والثانية تشمل الأبرياء المحرجين وودرو ودينا. لكن سرعان ما يؤكد مخطط آخر نفسه بمجرد أن يتم الترحيب بهذه المدينة المهووسة بالنجوم من قبل كائنات غريبة خارج الأرض، مما يؤدى إلى إصابة المجتمع بالذعر ودفع الحكومة الأمريكية إلى وضع مدينة الكويكب تحت الحجر الصحي.
في البداية على الأقل، تبدو أزمة الحيلة السردية (مسرحية داخل فيلم) وكأنها إلهاء أكثر من كونها مغامرة مثيرة أو مساعدًا مضيئًا للأحداث في الصحراء، ولفترات طويلة، لا تُرى نيويورك أو أي مكان آخر، لذلك يميل المشاهد إلى الاستقرار في السرد الرئيسي حيث توجد دائمًا أمور كبيرة وصغيرة عن الأسرة والأبوة ومشاعر الحزن و الحب، يجب الانتباه لها.
من بين الممثلين، يعتبر شوارتزمان مسليًا للغاية بصفته مصورًا منغلقًا على زوجته ولكنه لا يستطيع التعبير عن حزنه، حتى عندما بدأ الوقوع في حب ميدج. وتضفي جوهانسون بُعدًا على تصويرها لما يمكن أن تكون عليه نجمة سينمائية معذبة بشكل بسيط. ويقدم توم هانكس نفسه باقتدار، حيث يتكيف مع أسلوب أندرسون الحواري المقطوع، رغم أن الفائز بجائزة الأوسكار يشعر بأنه غير مستخدم بالشكل الذي تعود عليه في أفلام يقوم ببطولتها.
يتم عرض فيلم أندرسون بوتيرة ثابتة، ولكنه يركز أكثر على اللمسات التي تخدم النواحي العاطفية لقصته، ويبقى السؤال هل هذا ما توقعناه من أندرسون، كان فيلميه «جزيرة الكلاب» رسومًا متحركة مضحكة؛ و«ديسباتش الفرنسية» جذاب وسريع الخطى في عالم الصحافة وكلاهما نجح، والمقارنة ليست في صالح «مدينة الكويكب»، لذلك يبقى فيلم «فندق جراند بودابست» هو الأفضل حتى الآن في مسيرة المخرج الأميركي الذي لا يزال لديه القدرة على إحداث المفاجأة.