مشاهدات: سينما اليوم تدمن القيم الخطيرة !
كريم منسي
غالباً ما نجري ونلهث وتستهلكنا الدوامات العنيفة من متطلبات الحياة اليومية، ولا يتبقى لنا من جهد او أعصاب أو فضول لكي ننظر حولنا أو تحت أقدامنا لنرى ونكتشف أننا بالفعل نسينا أنفسنا، والأهم، نسينا القيم والأخلاق والتقاليد التي دفنت تحت العجلات السريعة لعصرنا المدفوع كالحصان الجامح الذي أخفى مع ايقاعه المجنون البراءة والتلقائية اللتين تغسلان همومنا بعد يوم مرهق، حيث نعود الى منازلنا، ليقذف ابناؤنا بأنفسهم داخل احضاننا لنعطيهم الدفء والحب والأمان، فهل بالمشاعر فقط نستطيع ان نحمي هذا الجيل من العنف والقتل والدمار والدم والمخدرات بأشكالها وأنواعها؟!.
عندما ظهرت السينما للوجود عام 1886 على يد الأخوين لوميير وقدمت تجاربها الاولى مثلت بالتأكيد وقتها بداية عصر جديد للون فريد من الفنون، وما هي الا سنوات واستطاعت الشاشة الفضية الكبيرة ان تجسد احلام الانسانية الصغيرة والكبيرة ـ نقصد الفردية والجماعية. وقدمت السينما في الثلاثينيات سواء في أميركا او أوروبا الأعمال الروائية الكبرى لعمالقة الأدب العالمي امثال فيكتور هوجو وتشارلز ديكنز وتولستوي وديستوفسكي وغيرهم كثير، هذا بخلاف المعالجات السينمائية التي لا حصر لها لأساطير الأدب الاغريقي مثل «اوديب» لسوفوكليس و«الضفادع» لارستوفانز وكذلك لرائد المسرح الانجليزي وليام شكسبير وخاصة اعماله الشهيرة مثل هاملت وتاجر البندقية وماكبث وكليوبترا وعطيل.
في تلك السنوات الاولى من تاريخ السينما اجمع الكثير من المفكرين والفلاسفة وكذلك الجمهور العام على ان هذا الفن الجديد نافذة مراقبة للحياة يعكس بشكل مباشر او غير مباشر احلام وواقع البشرية التي تحياها.. وقد تجسدت هذه النظرة بقوة عندما بدأت تيارات الواقعية بالسينما الايطالية على يد المخرج العبقري «فيلليني». وبمقارنة سريعة بين ما قدمته السينما العالمية في بدايتها وما تقدمه الان نرى انها في حاجة لمن يعزيها على هذا التدهور الفكري والفني الذي نعيشه، رغم الابهار والتكنولوجيا وكل الامكانات الحديثة المذهلة.
وقد يقول البعض كيف يمكن تصور تدهورها وهناك من الأفلام الاميركية ما يحقق عوائد تصل الى أكثر من 600 مليون دولار داخل اميركا فقط؟! والمسألة ليست فيما تحقق السينما اليوم من أرباح ولكن هل تربح السينما اليوم على مستوى الفكر الانساني الرفيع؟.
للاسف ان خطر انتشار افلام العنف والقتل والتدمير والاغراء والخيال المعتمد على أساطير لا وجود لها، وقوة تفوق امكانات البشر الحقيقية، بات يهدد المجتمعات الاوروبية والاميركية الى الحد الذي يجعلنا نخاطب نجوم وصناع السينما في العالم من المنتجين والفنانين الى التقليل من موجات العنف والتدمير والجنس والأساطير الخيالية في السينما لانها تساعد على تهيئة الحياة لاكتساب تلك القيم الخطيرة والتعايش معهما مما يهدد وينذر بالكثير من الاخطار.
وقد اختلف كثيرون حول دور السينما وهل هو مؤثر وقادر على صنع سلوكيات جيدة او طمس سلوكيات وقيم قائمة، وقد اتفق الكثيرون ايضا من علماء الاجتماع والاعلام ان السينما كأحد الفنون القوية التأثير قادرة بالفعل على ان تفتت الكثير من القيم الايجابية اذا اقتصر ما تقدمه على طرح القيم السلبية.
ومن ينظر اليوم لأفلام العنف والقتل في السينما الاميركية بالذات سيجد العجب، حيث يتخلل الفيلم الواحد خلال ساعتين ما بين خمسين الى سبعين مشهد قتل وتدمير، وهذا وحده يكفي لجعل سلوك العنف سائداً في أوساط الشباب وعادياً بين الاطفال.
ان السينما للاسف الشديد خلال قرن مضى قد اطفأت آلاف الشموع في نفوس قطاعات عريضة من الشباب في العالم، بدأ إدمانهم للعنف والمخدرات وكثير من الرذائل من خلال التقمص الذاتي للشخصيات التي يلعبها نجوم ونجمات السينما.