مع ذكري ميلاد نجيب محفوظ الـ111.. تعرف على الراعي لأدبه في السينما
نور الشريف.. صاحب أكبر عدد من الأفلام المأخوذة عن روايات صاحب نوبل
ـ انتصار دردير
تحل اليوم 11 ديسمبر الذكرى الـ111 لميلاد الأديب العالمى نجيب محفوظ، والذى رحل عنا بجسده عام 2006، إلا أن إبداعه مازال حاضراً فى وجدان الشعب المصرى والعربى، باعتباره أحد أبرز أعمدة الأدب العربى، والذى ترك أثرًا لا يمكن إغفاله.. والذي أصبح رمزًا للأدب في العالم العربي، ورائداً من رواد الرواية العربية والعالمية، حيث ترجمت معظم أعماله لأكثر من لغة حول العالم، وتحولت إلي أفلام حققت نجاحًا كبيرًا على مدار تاريخ السينما المصرية.
وقد وقع الفنان نور الشريف فى غرام أدب نجيب محفوظ منذ كان طالبا فى المدرسة، ووجد نفسه مفتونا بفلسفته ومكوناتها وأفكاره وشخصياته الدرامية وتمنى أن يجسدها على الشاشة. وخلال سنوات استطاع نور أن يحقق أحد أحلامه كممثل ليصبح صاحب أكبر عدد من الأفلام المأخوذة عن روايات محفوظ، ولعله كان محظوظا إلى حد كبير بذلك المشهد الافتتاحى لمشواره السينمائى، من خلال فيلم «قصر الشوق » الذى صار بطلا له بالصدفة وقد أهداه له عادل امام. فقد كان المخرج حسن الامام حائرا وهو يبحث عمن يجسد هذا الدور المهم الذى سيصبح بطلا فى الجزء الثالث من الرواية، وجاء الترشيح من عادل أمام الذى شاهد نور يؤدى دور هاملت فى مسرحية شكسبير الخالدة وأعجب بأدائه ولم يكن يعرفه، فاذا به يرشحه للمخرج حسن الامام الذى وجد فيه ضالته. ويتماهى نور فى شخصية كمال عبد الجواد ويستطيع وسط الحضور الطاغى للفنان الكبير يحي شاهين بشخصية بطل الرواية وعميدها السيد أحمد عبد الجواد، يستطيع نور أن يعلن عن مولده كنجم سينمائى بدأ بطلا وتربع على عرش البطولة على مدى نحو نصف قرن. ويبقى كمال عبد الجواد الأقرب شبها بنور الشريف، وكما قال هو نفسه «كنت كمال عبد الجواد الشاب الحساس الممتلئ بالأمل والرومانسى المثالى، وأعتقد أن كل شباب مصر فى تلك الفترة كانوا كمال عبد الجواد ، إنه واحد من جيل الثورة ولكن تكوين الشاب ظل كما هو حتى بعد هزيمة 67، وأنا أعتبر «قصر الشوق مثل إبنى البكرى». وبالرغم من أنه كان أول تجربة لى فى السينما فقد نلت عنه جائزة وزارة الثقافة كأفضل ممثل وكانت أو جائزة في حياتي».
وتتوالى أفلام نور التى تدين لأدب نجيب محفوظ بتميزها وثرائها. فإذا كان كمال عبد الجواد قريب الشبه بنور فإنه يتحدى نفسه ويختار شخصيات بعيدة كل البعد عن تكوينه وتركيبته كممثل، ليتفاجأ الجميع به حين يقدم فيلم المرايا عام 1970 من اخراج أحمد ضياء الدين، ثم «السراب» فى نفس العام من إخراج أنور الشناوى، وهى رواية نفسية وبطلها شاب عاجز وفاشل نتيجة تعلق أمه به منذ طفولته فينشأ خجولا، معزولا، ويخفق فى دراسته، ويعجز فى علاقته بزوجته، فيلجأ إلى طبيب نفسى بحثا عن علاج. ويلفت نور نظر النقاد بأدائه المبهر لشخصية كامل بطل السراب وهو مايرصده الناقد الكبير كمال رمزى فى دراسة له نشرها مهرجان أبوظبى ضمن كتاب أصدره بمناسبة مئوية ميلاد أديب نوبل حيث يقول رمزى: «نور الشريف من أكثر الممثلين الذين جسدوا المهزومين والخاسرين فى أدب نجيب محفوظ، إنه بطل السراب المتلاشى فى قوة شخصية والدته، المنطوى على نفسه، الفاشل فى تعليمه وعمله وزواجه. فهو الذى سرق مرتبات الموظفين من أجل حبيبته كى يقضى معها أياما جميلة على الشاطئ ويكتشف انها خائنة، مخادعة، وتبدأ رحلة جنونه حين يقبض عليه».
وفى عام 1973 يعود نور للثلاثية فى «السكرية» بعد عشر سنوات من فيلمه الأول «قصر الشوق» وقد تمرس على الأداء وصار أكثر خبرة وتجربة. ثم يلتقى عام 1975 مجددا مع أدب محفوظ فى فيلم «الكرنك» الذى لعب بطولته أمام كمال الشناوى وسعاد حسنى ومحمد صبحى وكتب له السيناريو والحوار ممدوح الليثى وأخرجه على بدرخان، وكان من أوائل الأفلام التى هاجمت فترة حكم عبد الناصر التى رآها محفوظ انتهجت سياسة البطش وأهملت الاوضاع الداخلية، حيث سيطرة مراكز القوى. ويشهد عام 1981 تجربتين هامتين فى علاقة نور الشريف بأدب الروائى العالمى من خلال فيلمى «أهل القمة» و«الشيطان يعظ».
ويرصد الأول تأثير الإنفتاح الإقتصادى على المجتمع ويجسد نور شخصية زعتر الذى يعمل فى تهريب البضائع ويسعى للزواج بشقيقة الضابط المتمسك بقيمه واخلاقياته ويتصدى لهذه الزيجة وهو الفيلم الذى شارك فى بطولته عزت العلايلى وسعاد حسنى وأخرجه على بدرخان. وفى «الشيطان يعظ» الذى كتب له السيناريو والحوار أحمد صالح وأخرجه يحى العلمى يجسد نور شخصية شطا الحالم بأن يصبح مثل الدينارى الكبير «فريد شوقى» الذى يطلب منه أن يراقب وداد ليتأكد من أخلاقها لكنه يقع فى حبها ويهرب معها. ثم يعود فى 1985 للقاء ثالث مع حسن الامام فى «دنيا الله». وفى نفس العام يقدم «المطارد» مع سمير سيف، ثم يختار تلك الرواية الحلم، «قلب الليل» ويظل يتطلع اليها حتى أخرجها له عاطف الطيب، وهى رواية تحمل طابعا فلسفيا من خلال بطلها جعفر الذى يهجر دراسته فى الأزهر ويتمرد على جده ويتعلق قلبه براعية أغنام هى مروانة ويعترض الجد على زواجه منها فيطرده من قصره، ويفشل فى علاقته بمروانة ويتزوج سيدة ارستقراطية لكنه يعيش عالة عليها ويغرق فى الفشل ويقتل صديقه الذى يواجهه بفشله ويدخل السجن وحين يغادره يهيم على وجهه فى شوارع القاهرة. ثم يقدم «ليل وخونة» عام 1990 مع المخرج أشرف فهمى وسيناريو وحوار أحمد صالح.
وتبقى شهادة نجيب محفوظ نفسه عن تجسيد نور الشريف لشخوص رواياته وهو ما تحدث عنه للكاتبة الصحفية نعم الباز فى حوار نشر بمجلة آخر ساعة ( ديسمبر 1980 )، أكد فيه محفوظ أن نور أدهشه بأدائه لأدوار بعض أبطاله قائلا «إن نور الشريف حينما يمثل لا يكون ذاته وانما يكون الشخصية التى رسمتها، والحقيقة أنه مثل لى روايات عديدة ودخل فى نسيج العديد من رواياتى مثل قصر الشوق والسكرية والسراب والكرنك وأهل القمة والشيطان يعظ وغيرها لكن اذا بحثت عن شخصيته الأصلية لا تجدينها، وحين رشحه المخرج حسن الامام لشخصية كمال عبد الجواد كان أهم مايعنينى أن يجسد الخيال كما صورته تماما وفعلا جسده أجمل تجسيد وأحسست بالتوحد، فهو يتجسد لى فى كل شخصية بقدرة كبيرة، لكننى تعجبت جدا حينما رأيته يجسد شخصيات أبعد ما تكون عن شخصية كمال عبد الجواد مثل دور زعتر النورى فى «أهل القمة» و«الشيطان يعظ» وحينما أخبرونى أنه سيمثل أهل القمة فرحت وقلقت. فرحت لكونه نجما وفنانا كبيرا. وقلقت لأن الدور بعيد عن مكوناته. لكنه نجح نجاحا دل على مرونة فنية، ولذلك أكون سعيدا جدا حينما أعلم أنه سيمثل رواية لى».