مع وحيد حامد.. السينما في أيد أمينة
اقترب الكاتب الكبير وحيد حامد من إكمال 40 عاما في الكتابة للسينما، ولايزال يصر على أن يمتعنا رغم قلة أعماله في الآونة الأخيرة.
أقول ذلك بمناسبة حصول آخر أفلامه «قط وفار» على جائزة أحسن سيناريو ضمن جوائز جمعية السينما المصرية للأفلام التي عرضت في عام 2016 وشارك فيها تسعة أفلام. والفيلم أعد له وحيد حامد السيناريو عن قصة لعبدالرحمن فهمي.
والفيلم ليس من أفلام نجوم الشباك، بل يؤدي دور البطولة فيه الشاب الصاعد بقوة محمد فراج إلى جانب المبدع محمود حميده، وسوسن بدر التي كانت ضيف شرف الفيلم ولم تخجل من الظهور لدقاق معدودة ورغم ذلك كانت عميقة ومؤثرة، وإلى جانبهم سوزان نجم الدين ولطفي لبيب وعماد رشاد، وضياء الميرغني.
وهو العمل الأول أيضا للمخرج تامر محسن والذي فاز بالجائزة المخصصة للعمل الأول. وكذلك نال بطل الفيلم محمود حميده، الذي أوجه له تحية مميزة، جائزة التمثيل الخاصة من جمعية الفيلم.
ورغم هذه الجوائز، فقد مر الفيلم مرور الكرام، ولم يعره الجمهور اهتمامه حين عرض ولم ينجح الفيلم في تحقيق إيرادات تذكر، مما يؤكد بالفعل أن هناك تشوها في ثقافة الجمهور الذي بات يبحث فقط عن النجوم التي خصها بحبه دون غيرها وأصبح يتقبل منهم أي شيء يقدمونه له. كما أن الجمهور ينساق فقط وراء أفلام العنف والجنس والرقص التي ترضي رغباته.
ويحكي فيلم «قط وفار» في قالب كوميدي مثير، عن الشاب الفقير حمادة الفار (محمد فراج) الذي يعمل كعامل نظافة بمؤسسة صحفية ويخوض صراعا محموما مع وزير الداخلية عباس القط (محمود حميدة) بكل السلطة التي يملكها، حيث يحاول (حمادة) الوصول لجثة والدته الفقيرة ألطاف (سوسن بدر) التي توفيت في منزل وزير الداخلية، وهي إبنة عمه، حيث يرى كل منهما أنه هو الأحق بإقامة جنازة لها خاصة بعد ان رأى الوزير في موتها فرصة للظهور الإعلامي وكسب تأييد الشارع له لتكفله بجنازتها وظهوره بمظهر الإنسان العطوف الراعي لأفراد عائلته حتى الفقراء منهم ومؤازرتهم في مصابهم، والذي ألغى حفل خطوبة ابنته حدادا على وفاة إبنة عمه.
والفيلم يعتمد على التناقض بين المواقف، كما في حفل الخطوبة والعزاء، ويحمل أداء هادئا بعيدا عن الإسفاف و«السطحية» اللذين تعودنا عليهما من من يطلق عليهم «كوميدانات» العصر الحديث والذين لا يقدمون إلا غثاء ومللا لملء زمن الفيلم والحصول على «الأبيج»، وكان الله يحب المحسنين.
وهذا هو النمط الكوميدي الثالث لوحيد حامد من تلك النوعية، وكان الأول «محامي خلع» وهو افضل ما قدمه هامي رمزي في مسيرته حتى الآن، ثم «اضحك الصورة تطلع حلوة» لأحمد زكي وسناء جميل وليلى علوي ومنى زكي، إذا ما اعتبرناه فيلما كوميديا اجتماعيا، ليثبت الكاتب الكبير قدرته على الكتابة الكوميدية بنفس القدرة على الكتابة الجادة التي عهدناها منه منذ فيلمه الأول الذي قدمه للسينما عام 1977، وهو «طائر الليل الحزين» من إخراج يحيى العلمي وبطولة نيللي ومحمود مرسي ومحمود عبدالعزيز.
وقد توالت أعمال وحيد حامد على مدى السنوات التالية لهذا الفيلم لتعكس تبنيه لوجهة نظر الجمهور تجاه المجتمع ومشكلاته، والوقوف مع الفرد في مواجهة السلطة السياسية، ممثلة في رجالها وأفعالها، التي تحد من حرية الأفراد.
وتميزت أفلامه خلال الفترة الأولى من عمره السينمائي بانتقاد العهد الناصري، وما سمى بمراكز القوى، مصدر السلطة المطلقة والقهر والخوف، كرجال أي نظام شمولي، ثم عصري السادات ومبارك من بعده.
وقدم وحيد حامد مجموعة من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية مثل «وراء الشمس» عام 1978 من بطولة نادية لطفي ورشدي اباظه وشكري سرحان، ومن إخراج محمد راضي، و«إحنا بتوع الأتوبيس» 1979 لعادل إمام وعبد المنعم مدبولي ومن إخراج محمد عبد العزيز.
وخلال عقد الثمانينيات قدم وحيد حامد أفلاما أثارت الكثير من الجدل، وتميزت بالجرأة ونقد النظام السياسي، والانتصار لحرية الفرد، مثل «الغول» لعادل إمام ونيللي، ومن إخراج سمير سيف، و«البريء» لأحمد زكي ومحمود عبدالعزيز، ومن إخراج عاطف الطيب، وآخر الرجال المحترمين”، لنور الشريف وبوسي، ومن إخراج سمير سيف.
وخلال التسعينيات من القرن الماضي، كون وحيد حامد ثلاثيا مع كل من عادل إمام ممثلا وشريف عرفة مخرجا ليقدم أربعة من أهم أفلامه، كان أولها «اللعب مع الكبار»، ثم «الإرهاب والكباب»، ومن بعده «المنسي»، ثم «طيور الظلام».
وكان آخر أفلام وحيد حامد في عام 2009، وهو «احكي يا شهر زاد» لمنى زكي وحسن الرداد وسوسن بدر ومحمود حميدة، ومن إخراج يسري نصرالله، أي انه حرم جمهوره السينمائي من مشاهدة أعماله ذات القيمة، حتى لو كانت كوميدية. وقد قدم الفترة التي غاب فيها عن السينما مسلسلين للتلفزيون هما «الجماعة»، ثم «بدون ذكر أسماء»، والذي كان من إخراج تامر محسن الذي تحمس له وحيد حامد وأعطاه الفرصة لإخراج فيلم «قط وفار».
ويا ليت كل من يتصدى لتقديم فيلم كوميدي أن يضع نصب عينيه «الجدية»، فهي التي تصنع عملا ناجحا، لا أن يلجأ إلى الاستظراف واللعب على تخلف البطل أو تهتهته أو سيره بطريقة مضحكة، أو عاهته، ومحاولة ايهام الجمهور بأنه يشاهد فيلما كوميديا ليستجدي ضحكاته، وإصراره على السير على خطى رواد رحلوا منذ عشرات السنين وقدموا أفلاما نجحت في عصورهم ولا يمكن الحكم عليها إلا من هذا المنظور.
وكفانا أفلاما تدل أقل ما توصف به ع التفاهة والضحالة ولا قيمة لها وحرام ما استهلك فيها من مجهود ومال لتصويرها.