مـنـى زكـى.. «ألفة جيلها»
«سينماتوغراف» ـ انتصار دردير
الحقيقة التي لا تقبل الخلاف حالياً، أن الفنانة مني زكي بالفعل ألفة جيلها، تحمل هذا اللقب عن جدارة، كرمها مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة بمصر مؤخراً في دورته الثانية، وهي أولى نجوم جيلها الذين يصلون إلى محطة التكريم، هذه المرحلة التى تبدو للبعض مثل نقطة النهاية إلا أنها ليست كذلك، بل نعتبرها بداية جديدة لممثلة حققت حضوراً استثنائياً في أعمالها السينمائية.
منى زكى جمعت كل صفات الأجيال السابقة معاً، وقار فاتن حمامة، دلال شادية، تحرر لبنى عبد العزيز، جدعنة نادية لطفى، أنوثة سهير رمزى، صلف وكبرياء ميرفت أمين، جرأة نبيلة عبيد، قوة نادية الجندى.
منى زكى هي الوحيدة الآن التى تقدم على الشاشة أى دور يمثل أى مرحلة عمرية نسائية فتصدقها، كانت امرأة ناضجة في «سهر الليالى»، ومراهقة عاشقة تميزت في «العشق و الهوى»، والفتاة الشاعرة الباحثة عن الوجود والحياة بعد أن بهدلتها الأيام في «من 30 سنة»، والمذيعة التي لا تتخلى عن مبادئها ومعاناة الآخرين في «إحكي ياشهر زاد»، والرومانسية الحالمة التي تعرف من تحب رغم فقدانها البصر في «أسوار القمر»، ومن ثم أصبحت مع الوقت ممثلة ناضجة وقوية، تستطيع أن تجعلك تعرف بأدائها مدى ما وصلت إليه، فهي ممثلة من طراز رفيع، تجيد تقديم كل الأنواع التمثيلية ببراعة شديدة.
تملك منى زكي أدوات الممثل، الفهم والإدراك والإحساس الداخلي، وكذلك الجسد والتعبير والصوت الخارجي، الذي يصل بها في النهاية إلى صدق الأداء، ولم لا وهي تلميذة عملاق المسرح محمد صبحي، ورفيقة آخر أيام الأسطورة المصرية الفنان أحمد زكي الذي تبناها فنياً.
ومنذ ظهورها الأول في مسلسل «العائلة»، منتصف تسعينيات القرن الماضي، بدت ــ تلك السمراء النحيلة ــ أحد اكتشافات المدرسة التمثيلية التي تعتمد على الانفعالات الداخلية الهادئة، والعميقة الدافئة في آن، وضمن هذا التصنيف، اعتُبر أداء زكي، ترسيخاً لخط نجمات سينما الزمن الجميل، ولعلّ المخرج محمد خان الذي اختبر أعمق انفعالات ميرفت أمين في «زوجة رجل مهم»، لم يجمعها اعتباطياً مع منى زكي في «أيام السادات»، حيث قامت الممثلتان بتجسيد شخصية جيهان السادات، في مرحلتين من حياتها ولم يفلت من أياً منهما التعايش والتعبيرات التي انعكست على الشاشة ليكونا اثنتين في تقمص روح واحدة.
وفي السينما تعلمت منى زكي كيف تظهر العينين والدموع والإرتجافات، وكيف تجعل من حوار الشخصيات التي تجسدها إنعاكساً لواقع الإقناع والإدهاش بدون اللجوء إلى المشاهد العارية والساخنة، أجادت ذلك مع الأستاذ الشاهينى النشأة يسرى نصر الله في «إحكي ياشهر زاد»، وصحيح قدمت بعض القبلات ومشاهد نصف حميمية عندما تطلب الأمر ذلك في فيلم «افريكانو» مع السقا، وهى نفس قبلة فاتن حمامة مع فريد الأطرش في «الحب الكبير»، ايحاءاتها محسوبة ودقيقة، ومع الوقت صارت نجمة حقيقية لها ثقلها الفني وعشاقها وجمهورها الكبير الذي جعل منها نجمة شباك، تستطيع أن تسوق أفلامها دون الحاجة لأبطال رجال بجوارها.
لاشك أن أدوارها التى قدمتها في (23 فيلماً رحلتها خلال 20 عاماً)، أصقلت موهبتها ومنحتها الثقة فى مواجهة الجمهور، وتأكد لها من خلال ما جسدته أن التمثيل ليس مجرد تعلق مؤقت، مثلما تعلقت في فترات من حياتها بالسباحة والجمباز ثم انصرفت عنهما، وإنما بات الفن طريق حياة يجب أن تتخطى كل دروبه الصعبة.
من الصعب فصل موهبة الممثل وإبداعه عن شخصيته، غير أن التمثيل لا بد وأن يتوافر فيه المقدرة والدراسة والممارسة، وهي مقومات تملكها منى زكي، تجعلها بالفعل خلال المرحلة القادمة تنتقي أفلاماً شديدة الأهمية بالنسبة للجمهور والنقاد، لتكون من البراعة والإبداع الألفة وسط بنات جيلها.
وإذا كنا لا نستطيع رصد كل ماقدمته منى زكي، فإننا نتوقف خلال السطور التالية عند مراحل مهمة ومتباينة فى مشوارها الفنى.