المهرجاناتالمهرجانات العربيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان أبو ظبيمهرجاناتنقد

ملح الأرض… الصورة تفضح جنون البشر

 
«ملح الأرض»… الصورة تفضح جنون البشر
“سينماتوغراف” ـ أبوظبي ـ بشار إبراهيم
 
أحد أجمل الوثائقيات التي تعرضها الدورة الثامنة من «مهرجان أبوظبي السينمائي»، وأكثرها تأثيرا،ً سيكون فيلم «ملح الأرض»، بإخراج مشترك من فيم فيندرز، وجوليانو ريبييرو سالغادو.
110 دقيقة، تمرّ على 40 سنة، هي تجربة المصور الشهير سيباستاو سالغادو.
 
وسالغادو، لمن لا يعرفه، هو أحد أعظم المصورين الفوتوغرافيين في العالم، الذي يكاد لم يترك مكاناً على وجه هذه البسيطة لم يتواجد فيه، حاملاً الكاميرا التي تتحول إلى عينه الجمالية القادرة على التوثيق والتأريخ والتسجيل وخلق لوحات بصرية فوتوغرافية رائعة من تفاصيل مؤلمة وموجعة إلى حد الفجيعة.
 
وعلى رغم أن سالغادو لا يخفي شغفه بالاشتغال على الموضوعات الأفريقية، وستحضر في الفيلم أعماله التي قام بها في إثيوبيا والسودان ورواندا والنيجر وكونغو، إلا أن هذا لن يمنعه من الذهاب إلى اندونيسيا شرقاً، والبرازيل والأرجنتين غرباً، وما بينهما من العراق وسوريا وفلسطين والبوسنة، وحيثما تواجدت البؤر الساخنة، سواء بسبب ما ترتكبه الطبيعة لحظة غضب مدمرة، أو ما يقترفه الإنسان من حماقات قاتلة.
 
يركّز سالغادو على الوجوه، العيون تحديداً، ربما لأنه يؤمن بأن أفضل تعبير هو ذاك الذي ينطلق من العينين، كما يميل في كثير من صوره الفوتوغرافية الأخرى إلى اللقطات العامة الواسعة، التي تُظهر المشهد العام الغني بالتفاصيل، هذه التي يمكن لكل منها أن يكون موضوع صورة مستقلة خاصة بها.
 
 
ولكن الأهم في تجربة سالغادو ليس فقط براعته الفنية، بل أولاً وأساساً اهتمامه بالموضوعات الإنسانية، الموضوعات المؤرقة، الموضوعات التي ينبغي أن لا تدع العالم ينام هادئاً، طالما أن هذا يحدث في إحدى بقاعه. مجازر راوندا والبوسنة، فظاعات التطهير العرقي والطرد والحروب الأهلية ومآسي الاحتلال، ومجاعات إثيوبيا والسودان، والفيضانات المدمرة. تلك التي يقابلها، في لحظات أمل، اشتغال بعض العقلاء واجتهادهم للحفاظ على هذا الكوكب من الاستهلاك المدمر للحياة فيه.
 
يبدو أن سالغادو رهن عمره كله للكاميرا، محدقاً عبر عدستها، مصوراً ومتأملاً في هذا الوجود، والبشر، والكائنات… تارة يذهب في أعماق أدغال الأمازون، ليمضي وقتاً مع بشر لازالوا في الحالة البدئية الفطرية، عراة إلا من جلودهم، هانئين وهم يمكثون في زمن اجتازه البشرية من 7 آلاف سنة. وتارات عديدة يذهب إلى أماكن الفجائع البشرية، التي تجعلك تتمنى لو أن البشرية مكثت هناك، في الأدغال، ولم تخرج منها، كي تمارس كل هذا الفتك الذي لا يليق بأشرس الحيوانات.
 
لا يبعث فيلم «ملح الأرض» على اليأس أبداً، على رغم كل ما فيه من مشاهد الموت والقتل والدمار، والنظرات المنطفئة في العيون الميتة لأطفال أبرياء.
 
ربما هو صرخة استغاثة، أو أنشودة أمل، بأن يستعيد هذا العالم شيئاً من عقله، ويتخلّص قليلاً من كثير جنونه. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى