«ناكوم».. دراما أفريقية تقليدية تدخل غانا سجلات برليناله
برلين ـ أحمد شوقي
بالرغم من أن مهرجان برلين السينمائي يمكن اعتباره أكثر المهرجانات الثلاثة الكبرى انفتاحاً على التجارب الشابة والجديدة والمغايرة، إلا أن تواجد السينما الأفريقية فيه يظل قليلاً عندما نقارنه بمهرجاني فينيسيا وكان. تواجد السينما الأفريقية في دورة برليناله 2016 ـ والمقصود هو أفريقيا السمراء باستثناء مصر وشمال أفريقيا ـ يقتصر على فيلمين طويلين: روائي من غانا في قسم البانوراما وتسجيلي سنغالي في قسم الفورم، وفيلمين قصيرين من تشاد وغانا في قسم الأفلام القصيرة.
الفيلم الغاني «ناكوم» للمخرجين كيلي دانيلا نوريس وتي دابليو ويتمان هو أول من الدولة الغرب أفريقية يتم اختياره للمشاركة في قسم رسمي طوال تاريخ مهرجان برلين، الأمر الذي أثار اهتمامنا بالطبع لمشاهدة الفيلم الذي وضع اسم دولته أخيراً في برليناله، لاسيما وأن السينما الغانية ليست متواجدة باستمرار في مهرجانات السينما الأفريقية، مقارنة ببلاد أكثر تمرساً وإنتاجاً للأفلام بغض النظر عن مستواها مثل نيجيريا ومالي وكوت ديفوار.
الحكاية دائمة الوجود
«ناكوم» هو اسم القرية الغانية النائية، التي تعيش بشكل بدائي معتمدة على زراعة البصل، والتي يضطر بطل الفيلم إدريسو (جاكوب أيانابا) أن يعود إليها بعدما يصله وفاة والده أثناء دراسته للطب في مدينة كوماسي. مجتمع القرية منغلق على نفسه، راض بحياته وتقاليده، والجميع يتوقع من إدريسو أن يستقر في القرية ليهتم بشؤون العائلة والزراعة بعدما صار هو رجل المنزل باعتباره أكبر أشقاءه. الأمر الذي يرفضه ويؤكد أن بقاءه في القرية أمر مؤقت لإنهاء الأمور المعلقة، لكنه شيئاً فشيئاً ينغمس في مشكلات العائلة ليصر قرار العودة للمدينة أصعب وأصعب.
العلاقة مع الجذور قضية دائمة التواجد في السينما والأدب الآتيين من دول العالم الثالث، وفي حالة السينما الأفريقية سنجد أن فكرة التناقض بين الجذور البدائية والرغبة في المعاصرة لا يكاد يخلو فيلم من وجودها حتى لو لم تكن هي الموضوع الرئيسي، فهي في النهاية موجودة حتى في العلاقة بين الوسيط والمحتوى، فالوسيط هو السينما التي تجاوز عمرها قرناً من التجديد في التقنيات والأساليب، والمحتوى عن بلاد لا تزال بعض مناطقها تعيش على طريقة قرون مضت.
الملفت في فيلم «ناكوم» هو العدائية التي يكنها مجتمع القرية تجاه العائد من المدينة، ليست عدائية معلنة بصورة تفقدها قيمتها، ولكنها نوع من التعالي المضاد، فبدلاً من الطبيعي وهو أن يشعر إدريسو بالتأفف من وجوده في القرية نظراً لأنه جرب المعيشة في ظروف أفضل، نجد أن كثير من تعليقات شقيقه ومعه بعض أهالي القرية تحمل سخطاً على العائد من المدينة، ربما لأنه من الطبيعي أن يكون مغروراً غير راض عن بقائه بينهم، وإن كان الشاب لم يظهر في الحقيقة أي نوع من الغرور. الطريف أن هذه الطبقية المفترضة تتعلق بمدينة كوماسي، التي يمكن اعتبارها مدينة بدائية بمعايير العصر الحديث، لكن القرية تعيش خارج الزمن بأكمله.
دراما تقليدية
الفكرة إذن مهمة على تكرارها، ستظل في الأغلب حاضرة طالما ظل التفاوت المخيف بين واقع دول العالم. المخرجان حاولا الخروج من حيز الكليشيه بالتعديل في علاقة البطل بقريته، مع وضعه في مشكلات متنوعة أبرزها ابنة عمه التي تحمل من شقيقه، والتي تكون حكايتها هي أهم محرك لقرار البطل في النهاية بالعودة للمدينة بحثاً عن مستقبله كطبيب يمكنه أن يساعد أهله أكثر من بقاءه كرجل للعائلة وزارع للبصل.
لكن هذه المحاولات تصطدم بحائط التقليدية الذي لا تزال غالبية الأفلام الأفريقية غير قادرة على تجاوزه، الحس الميلودرامي المسيطر على الدراما، التمثيل القائم على الصراخ والمبالغة، والاستخدام المفرط للموسيقى الأفريقية مع كل لحظة صمت، كلها كليشيهات يمكن بسهولة أن تجدها في تسعين بالمائة من أفلام القارة السمراء، وجودها في «ناكوم» يجعلنا نصفه ـ ورغم بعض عناصر الجودة التي يمتلكها ـ بأنه فيلم أفريقي جيد، بمعنى أن مستواه مقبول إذا ما قارناه بإنتاج القارة، لكنه متواضع بالمقارنة بأي فيلم آخر في برامج برليناله الرسمية.
«ناكوم» أول فيلم طويل غاني يشارك في قسم رسمي لمهرجان برلين، منح بلده شرف المشاركة، لكنه ملتزم بالصورة النمطية للفيلم الأفريقي شكلاً وموضوعاً، ولا يحمل أي جديد بخلاف دولة إنتاجه.