أحداث و تقاريرأهم العناوينالمهرجانات العربية

نظرة على سينما التحريك اليابانية: ستوديو جيبلي

سبعة أفلام يعرضها «القاهرة السينمائى»

القاهرة ـ «سينماتوغراف»: أحمد شوقي

هناك مئات التجارب السينمائية الناجحة في العالم، لمخرجين أو دول أو مدارس أو نوعيات سينمائية بعينها. لكن من النادر أن نجد قصة النجاح مرتبطة باستوديو سينمائي، متخصص في نوع من الأفلام، يتمكن على مدار عقود من الاستمرار في إنتاج أفلام تنال تقديراً عالمياً واسعاً، على مستوى المهرجانات والجوائز بنفس قدر النجاح الجماهيري وإقبال المشاهدين علها. نتحدث عن ستوديو جيبلي، أحد أشهر وأهم مراكز إنتاج أفلام التحريك في العالم خلال العقود الثلاثة الماضية، والذي اختار مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أن يلقي الضوء على إنتاجه في برنامج عروض خاص.

هاياو ميازاكي، أسطورة سينما التحريك في اليابان والعالم، قام بتأسيس ستوديو جيبلي في يونيو 1985، بعد مسيرة ناجحة كفنان مانجا ومخرج تحريك، قدم خلالها فيلمه الشهير وعمله الأول كمخرج مؤلف «Nausicaä of the Valley of the Wind» عام 1984، عن رواية رسوم مانجا نشرها بنفس الاسم قبل عامين. الفيلم (الذي يُعرض ضمن البرنامج) تم إنتاجه قبل تأسيس ستوديو جيبلي، لكن جميع الخبراء يعتبرونه الخطوة الأساسية في تأسيس الاستوديو؛ فمنتج الفيلم هو إيزاو تاكاها، شريك رحلة ميازاكي في تأسيس المصنع الإبداعي الشهير.

فيلم «ناوسيكا أميرة وادي الرياح» حقق نجاحاً ضخماً، حيث باع أكثر من 914 ألف تذكرة جمعت 1.48 مليار ين ياباني. النجاح الذي دفع ميازاكي وتاكاهاتا، ومعهما توشيو سوزوكي الذي كان مشرفاً على نشر رواية المانجا المأخوذ عنها الفيلم، ليقوم الثلاثة معاً بتأسيس ستوديو جيبلي، ليكون متخصصاً في الرسوم المتحركة، ويمنح ميازاكي وتاكاهاتا مساحة لصناعة أفلامهما بحرية فنية أوسع.

أول أفلام ستوديو جيبلي كان «Castle in the Sky» أو «قلعة في السماء» من تأليف وإخراج هاياو ميازاكي، بدأ عرضه تجارياً بتاريخ 2 أغسطس 1986، مدشناً رحلة الاستوديو الذي أنتج حتى اليوم 20 فيلماً سينمائياً طويلاً، بالإضافة لعشرات الأفلام القصيرة والمسلسلات التلفزيونية والإعلانات والفيديو كليب، بل وألعاب الفيديو والعروض المسرحية. وتوّج بجوائز أوسكار والدب الذهبي من مهرجان برلين وأنيماج أكبر جوائز عالم التحريك، وغيرها من الجوائز والتكريمات التي لم تتوقف منذ تأسيس الاستوديو حتى يومنا هذا.

برنامج «نظرة على سينما التحريك اليابانية: ستوديو جيبلي» يعرض سبعة أفلام تشكل مراحل فارقة في هذه المسيرة الطويلة، تبدأ بفيلم «Nausicaä of the Valley of the Wind» الذي كان المحرك الرئيسي لإنشاء الاستوديو في منتصف الثمانينيات، وكان أيضا بداية ظهور التيمات المتكررة في سينما ميازاكي (البطلات الشابات المتحررات – العلاقة بين الإنسان والطبيعة – الدعوة للسلام).

my neiboughr totoro2
my neiboughr totoro

ثاني أفلام البرنامج هو «My Neighbor Totoro» أو «جاري توتورو»، الذي كتبه وأخرجه ميازاكي عام 1988، لتصبح لاحقاً شخصية توتورو، الكائن الخيالي الذي تقابله بطلة الفيلم وتصادقه، هو الشعار الرسمي لاستوديو جيبلي. الفيلم شهد بداية التعاون بين ميازاكي وبين المشرف الفني وفنان الخلفيات كازو أوجا، الذي وقع في حب المشروع عندما شاهد صورة رسمها ميازاكي بيده لشخصية توتورو تقف في إحدى الغابات الجبلية، ليبدأ بينهما تعاون طويل تكرر في العديد من أفلام المخرج التالية.

kikis delivery service
kikis delivery service

الفيلم الثالث هو «Kiki’s Delivery Service» أو «خدمة كيكي للتوصيل»، والذي يشكل هو الآخر مرحلة مهمة في مسيرة ستوديو جيبلي. فهو أول فيلم يقوم هاياو ميازاكي بتأليفه اعتمادا على رواية لغيره، وهي رواية الكاتب إيكو كادونو التي تحمل نفس الاسم، والتي نُشرت عام 1985 ولاقت نجاحاً كبيراً، واهتم ستوديو جيبلي بتحويلها لفيلم تحريك لم يكن ميازاكي هو أول المرشحين لإخراجه، قبل أن يتحمس للمشروع ويبدأ في صناعة نسخته من الحكاية، ليخرج الفيلم للنور في يوليو 1989، محققاً نجاحاً هائلاً فاقت إيراداته 2.2 مليار ين ياباني (18 مليون دولار تقريباً). الفيلم هو أول عمل لستوديو جيبلي يتم توزيعه طبقاً لاتفاقيه الشراكة التي أبرمها الاستوديو مع شركة والت ديزني، والتي ساهمت في انتشار أفلام جيبلي حول العالم، ودبلجة معظمها إلى اللغة الإنجليزية.

porco rosso
porco rosso

رابع أفلام البرنامج هو «Porco Rosso» أو «الخنزير القرمزي»، الفيلم المختلف كلياً عن باقي أفلام ميازاكي وستوديو جيبلي، سواء في مضمونه أو كيفية إنتاجه. فهو الفيلم الوحيد لميازاكي الذي يدور في زمان ومكان واقعي محدد، خارج اليابان، حيث يعيش بوركو روسو، الخنزير القرمزي الذي كان طيّاراً إيطالياً شارك في الحرب العالمية الأولى قبل أن تصيبه لعنة تغير صورته.

الأمر بدأ عندما نشر هاياو ميازاكي عام 1989 قصة مانجا مكونة من 15 صفحة فقط، على ثلاثة أجزاء في مجلة «Model Graphix» المتخصصة في رسوم النماذج، يروي فيها حكاية الطيّار ليستغلها في رسم نماذج طائرات قديمة مناسبة للمجلة. القصة التي أعجبت بها الخطوط الجوية اليابانية، لتطلب من ميازاكي أن يحوّلها إلى فيلم قصير كي يعرض في رحلات الشركة. ميازاكي بدأ المشروع بهذا التوجه لكنه وجده يتوسع منه تدريجيا حتى تحوّل لواحد من أفضل أفلام التحريك الطويلة. واستمر دعم الخطوط الجوية اليابانية للفيلم الذي عُرض على متن رحلاتها قبل عرضه التجاري في القاعات.

الفيلم الخامس في البرنامج هو أشهر أفلام الاستوديو، «Spirited Away» أو «أرواح بعيدة» الذي أصبح أنجح فيلم ياباني في التاريخ بعدما جمع إيرادات تخطت 330 مليون دولار حول العالم. الفيلم الفائز بجائزة أوسكار أحسن فيلم تحريك طويل، وبجائزة الدب الذهبي من مهرجان برلين 2002. وفيه بلغ هاياو ميازاكي قمة تمكنه من سرد حكاية لا تشبه أي قصة سمعناها من قبل، معتمداً مرة أخرى على بطلة طفلة مغامرة، هي الفتاة تشيهيرو التي تمثل الصورة المثالية لبطلات أفلام ميازاكي. منذ صدور الفيلم، وهو دائم التواجد في مراتب متقدمة لجميع قوائم أفضل أفلام التحريك في تاريخ صناعة السينما، بل يحتل مركزاً متقدماً أيضاً في الكثير من قوائم أحسن الأفلام في التاريخ.

سادس أفلام البرنامج ليس من إخراج ميازاكي، ولكنه أحد أعمال شريكه في تأسيس الستوديو إيزاو تاكاهاتا. الفيلم هو «The Tale of the Princess Kaguya» أو «حكاية الأميرة كاجويا»، خامس الأفلام الطويلة التي يخرجها تاكاهاتا مع جيبلي، والذي استوحاه من أسطورة يابانية ترجع للقرن العاشر الميلادي هي أسطورة قاطع البامبو العجوز الذي يعثر خلال عمله على أميرة سحرية، حجمها بالغ الصغر يكاد يمسكها بيديها، فيأخذها ليربيها في منزله فتكبر سريعا وتدخل المغامرة التي صاغها تاكاهاتا بصحبة ريكو ساكاجوتشي. «حكاية الأميرة كاجويا» هو نموذج لأعمال ستوديو جيبلي التي لم يخرجها ميازاكي، ومعظمها أعمال رائعة تجمع سمات أفلام جيبلي الجمالية مع أفكار مختلفة عن عوالم ميازاكي.

نصل إلى الفيلم الأخير. سابع أفلام البرنامج «The Wind Rises» أو «مهب الريح»، الفيلم الذي عرضه ميازاكي عام 2013 وأعلن أنه فيلم الاعتزال، ليتوقف من وقتها عن العمل، ويكتفي بالإشراف على أعمال الاستوديو بشكل عام. في الفيلم يعود المخرج الكبير إلى عالم الطيران، هذه المرة في اليابان، راوياً نسخته من سيرة مصمم الطائرات الياباني الشهير جيرو هوريكوشي، الذي قام بتصميم الطائرات المقاتلة التي استخدمتها اليابان خلال الحرب العالمية الثانية. الفيلم عُرض عالمياً للمرة الأولى خلال مهرجان فينيسيا السينمائي 2013، وخلال أيام المهرجان وبالتحديد يوم 7 سبتمبر، أقام ميازاكي مؤتمراً صحفياً أعلن فيه تقاعده بعد الفيلم.

وإذا كان «مهب الريح» قد تحرك كفكرة في ذهن المخرج الكبير عندما قرأ عبارة قالها مصمم الطائرات جيرو هوريكوشي بطل الفيلم هي «كل ما أردت فعله هو خلق شيء جميل»، فمن الممكن بسهولة أن نطبق هذه العبارة على مسيرة هاياو ميازاكيو وإيزاو تاكاهاتا في ستوديو جيبلي، فكل ما أرادا فعله هو تقديم العديد من الأشياء الجميلة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى