هاني أبو أسعد: نحتاج إلى سينما تعيد للعربي ثقته في نفسه
«سينماتوغراف» ـ انتصار دردير
شغف المخرج العالمي – أو بالأحرى «الهوليوودي» الآن – هاني أبو أسعد، ابن بيت لحم حباً في السينما، منذ كان في الخامسة من عمره، فكانت العروض السينمائية هي وجهته يروي بها ظمأ حبه للفن، وغالبيتها من الأفلام المصرية التي تربى على أيقوناتها من عظماء التمثيل.
ويعتبر أبو أسعد أن تلك الأفلام قد حافظت على عروبتهم كمواطنين فلسطينيين يقبعون تحت نير الاحتلال الصهيوني، فظلت بمثابة جسر لهم مع الانتماء الثقافي العربي، بجانب الأعمال الأدبية، كما ساهم «نادي الطلبة» في مرحلة أخرى في تشكيل ثقافته ووعيه السينمائي.
حين شب عن الطوق وهو في الرابعة عشرة، طمح إلى الانضمام إلى الفصائل الفدائية وحال الأهل دون ذلك، فكانت طريقة بديلة للتغيير. وهي أعطته شعوراً بإمكانية صنع شيء ما في مواجهة قمع المحتل، لكن كان من العسير أن يقنع عائلته بدراسة السينما، فاتجه إلى «هندسة الطيران»، وعمل في تلك المهنة لمدة عامين في هولندا، لكنه لم يكن مسروراً، فعاد إلى فلسطين ولعبت المصادفة دورها في تحويل مساره، إذ التقى المخرج رشيد المشهراوي، فالتحق بالعمل معه كمساعد، ليبدأ رحلته في ذلك العالم الرحيب.
يعتبر هاني أبو أسعد الوعي والثقافة والصمود أهم سلاح، وربما السلاح الوحيد المتاح حالياً، لمقاومة الاحتلال، إيماناً منه أن ذلك المغتصب يريد تفكيك المجتمع من أجل السيطرة عليه، بينما كلما ظل الفلسطيني مرتبطاً بمجتمعه عبر ثقافة مشتركة قوية، يظل من الصعب تذويب وطمس هويته، ومن ثم حاول أن يصبح جزءاً من تلك السلسلة المترابطة التي تقاوم عبر «الثقافة». جنباً إلى جنب المقاومة بالسلاح. لا سيما بعدما صار هناك هجمة على «الكفاح المسلح»، وهو ليس ضده، ورغم أنه يعتبر نفسه من المناضلين السلميين لكنه يرى أن ثمة إجحافاً في حق العمل العسكري، ومن ثم حاول خلق التوازن، بيد أنه يؤمن أن النضال السلمي وحده لن يحرر فلسطين، ويظل لنظيره المسلح قيمته.
يميل في أفلامه إلى خوض القضايا الشائكة والمزج بين السهل والممتنع، وهو بدأ مشواره السينمائي بإخراج أفلام قصيرة ووثائقية جاء أولها عام 1992 عبر«بيت ورقي» وتوالت أعماله، ورغم أنه يحمل الجنسية الهولندية إلا أنه لم ينفصل عن الوطن الأم، وتمكن عبر الفيلم السينمائي أن يروي المعاناة الفلسطينية اليومية مع «الاحتلال الصهيوني»، وناهض مشروعه الرامي إلى تقسيم الفلسطينيين ما قبل 48 وما بعدها، وهو ما يرفضه أبو أسعد الذي لا يقبل هذا التصنيف الذي شرعه ورسخه المحتل ويراه متعمداً من قبل «المشروع الصهيوني». ومن بين أفلام هاني أبو أسعد التي صنعت له مكانة متقدمة في السينما العربية اليوم، «عرس رنا» 2002 و «الجنة الآن» الذي توج بجائزة «الغولدن غلوب»، وجائزة من مهرجان (برلين) السينمائي، وكان الفيلم الأول في تاريخ السينما العربية الذي ترشح لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي عام 2005. وفيلم «عمر» الذي ترشح أيضاً لجائزة الأوسكار في فئة أفضل فيلم أجنبي 2014.
يمتلك هاني أبو أسعد يقيناً أنه لا يوجد احتلال يستمر إلى الأبد، لذلك تعمد في صناعة أفلامه أن يجعلها صالحة لكل الأوقات فلا يربطها بزمان أو مكان معين في الواقع الفلسطيني كي لا تموت القصة بزوال الاحتلال، فيما تظل الهوية الفلسطينية هدفه مع تحرير فلسطين، وأقترب أكثر من رؤيته حول السينما العربية والفسطينية وأترك الأسئلة والأجوبه تتوالي:
* في أفلامك بدوت دائماً مهموماً بالقضية الفلسطينية، ألم يؤثر كونك فلسطينياً في مسيرتك أو شكّل صعوبات في الوصول إلى «هوليوود» في ظل وجود لوبي صهيوني قوي في الولايات المتحدة؟
– أعداء فلسطين كُثر ومن ذوي الثقل والشراسة، وليسوا صهاينة فقط بل هناك عرب صهاينة. والفن ليس أن تحكي عن الصعوبات لكن كيفية اختراقها، وهو ما فعلته عبر التركيز على نقاط القوة وليس الضعف، وعملت على تطوير موهبتي وفكري وإنسانيتي، وتوسيع آفاق عقلي وموهبتي والاطلاع على سينما أخرى والانفتاح على العالم. تطوير الموهبة هو الذي يضمن التغلب على جميع المعوقات، لأنه ليس في إمكان أحد الوقوف أمامها، لا سيما الفنية بالعكس كلما واجهت الموهبة العراقيل ازدهرت.
* كيف ترى السينما الفلسطينية؟
– سعيد للغاية بالسينما الفلسطينية وأراها تتمتع بالجودة وتتطور كماً وكيفية، ولدينا من المخرجين المهمين مي مصري وميشيل خليفي ورشيد مشهراوي، وإيليا سليمان، وغيرهم كثر كما ظهر جيل جديد واعد، وبينهم آن ماري جاسر وسهى عراف وغادة طيراوي، وغيرهم جميعهم «يرفعوا الرأس».
* في رأيك، هل تمتلك السينما العربية مقومات المنافسة العالمية؟
– على المستوى الفني، تمتلك السينما العربية مقومات تعزز تلك المنافسة، لكن يظل المستوى التجاري صعباً، لأن تلك المكاسب تحققها هوليوود، وأميركا هي المهيمن على السوق العالمية، وربحت بمفردها 80 في المئة من تلك السوق، واقتنصتها من الصين أو أوروبا أو العالم العربي، ومن ثم تظل أوضاع السينما العربية أو في كل العالم عصيبة مقابل السينما الهوليوودية. وينبغي أن ننظر إلى أوضاعنا الداخلية قبل أن نتطلع إلى وضعنا في العالم. علينا إعادة ترتيب علاقتنا مع أنفسنا، واحترام ثقافتنا وهويتنا بعدما أضحى الإنسان العربي لا يحترم تلك الثقافة، فالدعاية في مصر صارت باللغة الإنجليزية كما لو كانت هي الأرقى. هل هذا معقول؟ إن ذلك يدل على أن هؤلاء الأشخاص لا يشعرون بأصولهم ولا يفخرون بها في اللاوعي، ويملأهم شعور بـ «الدونية»، ومثلهم الأعلى هو «الغرب» دائماً، ما يعد خطأً كبيراً جداً، لأن دور المثقف أن يرسخ في الإنسان البسيط اعتزازه في نفسه حتى لو هُزم عسكرياً أو تنظيمياً أو وقع في مآزق سياسية كما هو الوضع الراهن. لذا، فمن المهم أن يكون تركيزنا على إعادة ثقة الإنسان في نفسه.
* إذاً، يحتاج المشاهد العربي إلى سينما ثقافية أم تعبوية؟
– نحتاج إلى سينما تعيد للعربي ثقته في نفسه، وإلا فلن تتطور الشعوب العربية.
* هل يمكن أن تطرح قضايا العالم العربي أو تعالجها عبر أعمالك؟
– أحاول لكن ليس عبر السينما، فالدور الحالي هو إعادة علاقة الإنسان بذاته ومن خلال تجربتي في هوليوود، اكتشفت أن الاعتزاز لا يأتي من أهميتك بل لكونك «إنساناً»، ومن ثم كل إنسان عليه أن يعتز بنفسه وذاته وتاريخه حتى يمكنه الإبداع والتقدم، وهناك نماذج في العالم لديها اعتزاز ذاتي ولا تأخذ الغرب بوصفه المثل الأعلى، لكنها تتعامل بـ«الندّية» لا بـ «الدونية».