هل فيلم «نهاية العالم» أسوأ أجزاء سلسلة «رجال إكس»؟
الوكالات ـ «سينماتوغراف»
رغم المديح الكبير الذي قوبل به فيلم «إكس من: أبوكاليبس» (رجال إكس: نهاية العالم)؛ وهو أحدث أجزاء ملحمة «رجال إكس» التي تتناول فريقا من المتحولين؛ يرى الناقد السينمائي نيكولاس باربر ان هذا العمل يفتقر للحبكة، ويرصد الجزء الجديد بالتحليل قائلا: خلال الربيع الحالي، صدر فيلمان يدور كل منهما حول تشكيل فريق من الأبطال الخارقين؛ وهما «باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة» و«كابتن أمريكا: الحرب الأهلية»؛ بذاك الدمار الذي يعقب كل مرة يتبارى فيها أخيارٌ وأشرارٌ، يتسمون جميعا بقوى خارقة، كي يثبت كل فريق منهما علو كعبه على الآخر.
لكن الفيلم الثالث المنتمي لهذه الفئة؛ «رجال إكس: نهاية العالم» يتجاهل هذا الموضوع تماما، فـ«ماغنيتو» (مايكل فاسبندر)، وهو الشرير المفضل للسلسلة، يستغل قدرته على التحكم في المعادن، للتحليق في الهواء، وتحطيم مبانٍ شهيرة في أنحاء شتى من العالم، ليُزهِقَ في غمار ذلك – على ما يبدو – أرواح آلاف الأبرياء.
لكن عندما يصل الفيلم، الذي تبلغ مدته ساعتين ونصف الساعة، أخيراً إلى نهايته السعيدة؛ لا نجد ذكراً لما شهده العمل من تدميرٍ وسفك دماء بل أن إكزافيير ( الممثل جيمس ماكافوي)؛ وهو الأستاذ الجامعي الذي يُفترض فيه النبل، يودع «ماغنيتو» في مودة قائلا: «وداعا صديقي القديم» فتلك المسألة «التافهة» الخاصة بمعالم الحضارة والإنسانية التي سُويّت بالأرض، تُولى في ذلك الفيلم اهتماما أقل من ذاك الذي كُرس لتحول «إكزافيير» ليصبح حليق الرأس.
على أي حال، ربما يخطئ المرء إذا أخذ فيلما سخيفا مثل هذا على محمل الجد بشدة، ولكن سلسلة «رجال إكس» ظلت – حتى الآن على الأقل – رائدة في مجال المزج بين صراعات الأبطال ذوي الطبيعة الخارقة والقضايا الخاصة بعالم الواقع.
فباكورة أفلامها بعنوان «إكس مِن»، وهو العمل الرائد الذي أُنتج عام 2000، رسخ لنظرية أن المتحولين يشكلون أقلية مضطهدة ومرهوبة الجانب، الأمر الذي أفسح للفيلم المجال لبحث قضايا مثل «التماسك الاجتماعي» و«المقاومة العنيفة» على نحو متعمق، وذلك قبل وقت طويل من تلك اللحظة التي تسنى فيها لفيلم «كابتن أمريكا» أن يفرغ من مشاغله، لكي يناقش مثل هذه القضايا.
وقد فقدت السلسلة زخمها مع إطلاق الجزء الثالث منها، المُعنون باسم «رجال إكس : الموقف الأخير» (2006).
لكن الجزء الذي حمل عنوان «رجال إكس: الصف الأول» (2011)، نجح بذكاء في إعادة ضخ الدماء في شرايينها؛ بفعل القفز عبر الزمن، عائداً إلى الحقبة التي أسس فيها البروفيسور إكزافيير مدرسته للشبان ذوي القدرات الخاصة، في ستينيات القرن العشرين.
بعد ذلك، بلغت هذه السلسلة ذروة نجاحها مع «رجال إكس: أيام المستقبل الماضي» (2014) الذي تناول قضية السفر عبر الزمن، وهو العمل الذي ربط بشكل حاذق بين الأجزاء الثلاثة الأولى من السلسلة، وما شهدته سبعينيات القرن العشرين، من معارك وصراعات بشأن قضايا الحريات المدنية.
ولذا كان مثيراً أن يجتمع مخرج ذلك الفيلم؛ براين سينغر ومؤلفه سايمون كاينبرغ من جديد، لتقديم «أبوكاليبس».
غير أن هذا الجزء الجديد؛ الممل والخاوي من المعنى، جعل ما كانت تتحلى به السلسلة في السابق من خفة ظل وتأثير عاطفي ومنطق داخلي، يضيع – على ما يبدو – وسط كل هذه الغيوم التي تدور كالدوامات، والناجمة عن غبار معارك؛ ابتُكِرَ وأُعِدَ بواسطة الكمبيوتر.
لعب الممثل جيمس ماكافوي دور إكزافيير الذي ظهر في الفيلم كأستاذ جامعي
ففيلم «أبوكاليبس» يعد من بين تلك الأفلام التي تدفعك للشعور بالأسى والأسف إزاء كل ما احتشد فيه من ممثلين كثيرين بشدة. فعلى سبيل المثال، تبدو جنيفر لورانس في تجسيدها لشخصية «مِستيك» أكثر شبهاً بشخصية كاتنيس إفرديين، وهي إحدى شخصيات ثلاثية أفلام «مباريات الجوع».
وبينما تؤدي جنيفر شخصيتها بصمت كئيب يلازمها منذ البداية حتى النهاية، يبدو أن أوسكار إيزاك، الذي يقدم دور «أبوكاليبس» العائد إلى الحياة بعد آلاف السنوات من السبات، أحق بأن يكون أكثر تجهما وكآبة.
فالرجل، الذي أثقل كاهله درعٌ مطاطي تُضاف إليه مساحيق تجميل كثيفة، بدا كما لو كان قد فشل في الاختيار بين ارتداء زي شخصية «ذا إمبرور»، التي تظهر في سلسلة أفلام «حرب النجوم»، أو زي شخصية «دافروس»، التي تتضمنها أحداث المسلسل التليفزيوني «دكتور هو»، ليقرر في نهاية المطاف أن يرتدي الزييّن معاً في آن واحد.
و«أبوكاليبس» هو أحد الأبطال الخارقين المتحولين. وبحسب الفيلم؛ لا تكف هذه الشخصية، التي تسير وهي تجر قدميها، عن الزمجرة، كما أنها مصابة بجنون العظمة، فقد كانت على شفا حكم العالم عام 3600 قبل الميلاد، قبل أن تُدفن تحت أحد الأهرامات على يد أبناء مصر القديمة.
وعندما يشق «أبوكاليبس» طريقه أخيراً من تحت الأنقاض، للخروج إلى النور ثانية عام 1984، يشهد على عملية بعثه هذه، عميلة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي آيه) تُدعى مويرا ماك تاغارت (روز بَيرن)، وهو ما يُمَكِنُها من إخبار حبيبها السابق، البروفيسور إكزافيير بهذه التطورات، قائلة له كذلك إن «أبوكاليبس» كان موجودا منذ زمن سحيق، وأنه يحظى كلما ظهر برفقة أربعة مساعدين، أو أربعة فرسان مصاحبين له إذا جاز التعبير، كما أنه دوما ما يسبب كارثة كبرى.
غير أن المرء ربما يتساءل مُتعجباً عن كُنهْ تلك الكوارث، التي ربما يكون «أبوكاليبس» قد تسبب فيها في السابق، بالنظر إلى أنه ظل مدفوناً تحت الأرض طيلة 5,500 عام؛ بل وقد يتساءل أيضا عن كيف علم «ماك تاغارت» المحتمل بتلك الكوارث.
ولكن ربما كانت هذه الفتاة خبيرة في شؤون العصر الحجري الحديث بجانب كونها عميلة بارعة للغاية لـ(سي آي آيه)!. المهم هنا، أن «أبوكاليبس» تعافى وبات قادراً على الحركة من جديد، بل وقرر أن يزيل من على وجه الكوكب كل ما شُيّد خلال الفترة التي قضاها عاجزاً عن العمل.
لكن قبل ذلك، كان يتعين عليه تجميع أحدث تشكيلة من مساعديه الأربعة المتحولين، وهنا لا يعبأ أحد بأن يفسر سبب إصراره على هذا العدد تحديدا من المساعدين، دون التفكير في تغييره.
وبمحض الصدفة، يلتقي «أبوكاليبس» – تقريباً فور عودته إلى سطح الأرض – بأول مرشح في هذا الصدد، وهي «ستورم» (ألكسندرا شيب)؛ تلك الشخصية القادرة على التحكم في الأحوال الجوية، والتي سبق وأن جسدتها هالي بيري في الأجزاء الثلاثة الأولى لـ «رجال – إكس».
وفي إطار تجسدها كفتاة أصغر سنا، يُفترض أنها تعيش في ثمانينيات القرن العشرين، تبدو «ستورم» صبية مرحة لعوب في طور المراهقة، ولكنها قادرة رغم ذلك على مناقشة قضايا خاصة بعلم الاجتماع بثلاث لغات.
ونراها وهي تحذر «أبوكاليبس» بالقول: «لا يمكنك المضي هنا وهناك مُزهقاً الأرواح»، وذلك قبيل موافقتها على العمل معه على أي حال، كما تتفوه أيضا بعبارات من قبيل «ثمة نظم مُعدة خصيصا لهذا النوع من الأشياء». (ومن المثير للدهشة أن الفيلم تضمن جُمَلاً حوارية أكثر ركاكة من تلك العبارات)
ثم نلتقي بعد ذلك بـ «سَيلوك» (أوليفيا مُن)، التي تتلخص قدراتها الخارقة في الوقوف دون أن تحرك ساكناً، مُرتديةً حذاءها الطويل ذا الرقبة الملتصق على جسدها والواصل إلى قرب فخذيها، وسط رجال منهمكين في التعامل مع المشكلات التي يواجهونها؛ بالكلمات فحسب.
أما الفارس الثالث فهو المُجنّح آنجِل (بِن هاردي)، ذاك الذي لا يوجد لديه سوى القليل لتقديمه. بينما يمثل «ماغنيتو» الفارس الرابع، الذي نعلم أنه ظل يعيش متخفياً في بولندا، منذ انتهاء أحداث «رجال – إكس: أيام المستقبل الماضي»، بل واستقر به الحال هناك مع زوجة وطفلة. وقد يكون بوسعك على الأرجح التكهن بما سيؤول إليه مصير هؤلاء.
ويستغرق بحث «أبوكاليبس» عن مساعديه، مُتنقلاً بسرعة عبر العالم من هنا إلى هناك، وقتاً مُبالغاً فيه. ولكنه – للمفارقة – ليس الشخصية الوحيدة في الفيلم الساعية للالتقاء بأشخاص جدد. فـ”مِستيك” تنقذ “نايت كرولر” (كودي سميت-ماكفي)، القادر على الانتقال من مكان لآخر آنياً، من داخل نادٍ في برلين، متخصص في نوع عنيف للغاية من المصارعة، يُعرف باسم “مصارعة القفص”.
أما سكوت سَمرز المُكنى باسم سَيكلوبس (تاي شريدان) فينضم إلى مدرسة إكزافيير، حيث يلتقي مصادفة مع صاحبة القدرات الروحية والذهنية الغامضة والخارقة جين غراي (صوفي ترنر). وهكذا تمضي الأحداث.
وبينما يبدو أن إحدى نقاط الضعف المتكررة، في الأفلام التي ظهرت حديثا وتدور حول الأبطال الخارقين؛ كون حبكة كل منها تتقطع بين الحين والآخر، لإتاحة المجال لظهور شخصيات جديدة ضمن الأحداث، فإن الأمر في “رجال – إكس: أبوكاليبس” يقطع شوطا أبعد.
فخلال الجانب الأكبر من أحداثه، لا توجد حبكة من الأصل لكي تتقطع؛ وكل ما يحدث لا يعدو تقديم المزيد والمزيد من الشخصيات، وهو ما يفسر السبب في أن قلةً منها كان لها أثرٌ ما من أي نوع.
قدم الممثل أوسكار إيزاك دور “أبوكاليبس” العائد إلى الحياة بعد آلاف السنوات من السبات
كما تبدو غالبية أحداث “أبوكاليبس”، التي تتنقل بين القاهرة وبرلين ومدرسة إكزافيير، أشبه بمقدمة استهلالية، تلخص ما شهدته من قبل سلسلة “رجال إكس”، ويتعين عليك مشاهدتها كاملة قبل البدء في متابعة القصة.
رغم ذلك، يتضمن الجزء الجديد مشهديّ حركة يتسمان بالبراعة. أولهما يمثل محاكاة صارخة، وإن بِحُلة جديدة، لمشهد تضمنه “رجال إكس: أيام المستقبل الماضي”، وأظهر كويك سيلفر (إيفَن بيترز)، وهو يتحرك بسرعة بالغة من شأنها تجميد العالم من حوله.
لكن السؤال هنا كيف يتسنى له دفع الناس بقوة عبر النوافذ بسرعة تبلغ ألف ميل في الساعة، دون أن تتحول عظامهم إلى غبار متطاير؟ أما المشهد الثاني فيُظهر إمساك الكولونيل سترايكر (جوش هِلمان) بالعديد من فريق “رجال – إكس” (تاركاً في الوقت نفسه وراءه عديدين آخرين منهم)، وذلك في خروج قصير عن المسار المعتاد للأحداث، لم يستهدف سوى إقحام شخصية وولفرين (هيو جاكمان) فيها.
ولكن ربما لم يكن هذا هو “وولفرين” على الإطلاق، فقد كان في الأجزاء الأخرى من السلسلة؛ شخصية مشاكسة فائقة القوة ذات قدرات إعجازية فيما يتعلق بمداواة الجروح، ولكنه في هذا الجزء مُحصّنٌ ضد الجروح من الأصل؛ فهو لا يصاب حتى ولو بخدش واحد؛ عندما يُطلق عليه جنود مئات الرصاصات من مسافة قريبة للغاية.
على أي حال، يتواصل الكثير من هذا الهراء قبل الوصول إلى تلك المعركة الحتمية بين فريقيّ “أبوكاليبس” و”إكزافيير”، وعندما يبلغها المرء؛ يكتشف أنها لم تكن – تقريبا – تستحق الانتظار.
فأطرافها ينخرطون في بعض القفزات وعمليات السباحة في الهواء، في هيئة تبدو مثيرة للشكوك، كما لو كانوا معلقين من أسلاك مُحيت رقميا من على الشاشة. ويبدل بعض المتقاتلين ولاءاتهم في اللحظة الأخيرة، تماما كما فعل أترابٌ لهم في فيلم “المنتقمون: عصر الأولترون”. .
ويدور القتال وسط غيوم تدور في الأفق على نحو دوّامي، بفعل غبارٍ أُعِدَ ونُفذَ بواسطة الكمبيوتر، لتُحسم المعركة في نهاية المطاف لصالح الفريق الأكثر امتلاكا لقدرات فتاكة ومميتة، لا الفريق الأشجع والأشد دهاءً، وذلك في رسالة ليست الأكثر أخلاقية وتنويرية من نوعها بالتأكيد.
وإذا ما عدنا إلى مدرسة الشبان ذوي القدرات الخاصة التي أسسها إكزافيير؛ سنجد أن طلابها يعكفون على استخدام قدراتهم في التحريك عن بعد، لإصلاح بعض الأضرار التي لحقت بمدرستهم.
ولكن ماذا عما حاق بـ”تاور بريدج” (جسر البرج) في لندن، أو بجسر بروكلين في نيويورك، وغيرهما من المعالم التي سُحقت في الفيلم على يد رفيق إكزافيير؛ ذاك القاتل الجماعي الذي يُدعى “ماغنيتو”؟
على ما يبدو يتعلق الأمر هنا بمشكلة تخص الجنس البشري، وما من فيلم من أفلام “رجال إكس” أقل اكتراثا بالبشرية من ذاك العمل الذي تحدثنا عنه في السطور السابقة.