مقابلات

هيفاء المنصور: الحراك السينمائي في السعودية نتيجة رحلة من التمرد والإنجازات

* نصيحتي لكافة المخرجين الواعدين هذه فترة استثنائية لصناع الأفلام وعليكم التخلص من الأمور السلبية التي تحبطكم

 الرياض ـ خاص «سينماتوغراف»

هيفاء المنصور هي أول مخرجة سينمائية سعودية، كما أنها كاتبة سيناريو أيضاً، ولها عدة أفلام تسلط الضوء على المشاكل الفكرية والثقافية في المملكة، ووضع المرأة ومشاكلها في ظل ذلك.

قدمت أول فيلم روائي طويل لها، «وجدة» في عام 2012 الذي نال اهتماماً دولياً كبيراً لكونه أول فيلم سينمائي يُصور بالكامل في العاصمة السعودية الرياض، وتم إخراجه بوساطة امرأة، ورشحته السعودية لتمثيلها في الأوسكار، كما اختارت أيضاً للمرة الثانية فيلمها «المرشحة المثالية»، ليمثلها في مسابقة أوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي، في نسختها الـ 92 .

ويأتي تكريمها في النسخة الأولى من البحر الأحمر السينمائي 6 ديسمبر المقبل، تعبيراً عن تقدير إدارة المهرجان للدور الذي لعبته المرأة العربية في السينما خلف الكاميرا، وساهمت بأعمالها في تشكيل الوعي العام للجماهير.

حول تجربتها السينمائية، ومسيرة ما يحدث من حراك سينمائي في السعودية، ودور الفن وأهميته بشكل عام والسينما بشكل خاص، كان مع المخرجة هيفاء المنصور الحوار التالي..

ـ حدثينا عن أعمالك السينمائية مثل «وجدة» و»المرشحة المثالية» والتي تم اختيارها لتمثيل السعودية في جوائز الأوسكار؟

بدأت مسيرتي الفنية كمخرجة بعد تخرجي من الجامعة، كنت أعمل في شركة نفط في السعودية، وشعرت كأنني غير موجودة، حيث كان صوتي غير مسموع وتعرضت للتجاهل التام من قبل زملائي الرجال. وهذا سبب لي شعوراً بالإحباط والوحدة، لذا بدأتُ بإخراج الأفلام القصيرة كوسيلة للتعبير عن مشاعري وآرائي. كان الأمر مجرد هواية إلا أنه حقق لي السعادة وفتح أمامي آفاق الإبداع. لذلك قدمتُ أعمالي إلى كافة مهرجانات الأفلام الإقليمية، وتفاجأت للغاية عندما تلقيت دعوةً من أحد هذه المهرجانات، حيث قالوا لي: «هل تعلمين أنك أول مخرجة من السعودية؟» وهذا جعلني أشعر بالسعادة حقاً، وكان حافزاً لي لأمضي قدماً في هذا المجال.

خلال تصوير أفلامها في شوارع العاصمة السعودية الرياض

كان دافعي الأساسيّ في فيلم «وجدة» يدور حول إخراج فيلم ملهم لا يصوّر النساء السعوديات كضحايا، بقدر ما يبيّن قدرتهنّ على قيادة التغيير. وسيبقى هذا هدفي فيما أواصل إخراج أفلام عن نساء قويات حول العالم. وآمل أن أكون نجحت في تحقيق هذا الهدف، وأتمنى رؤية المزيد من الأفلام العربية التي تواصل تشجيع التطور الإيجابي في المجتمع. كما أردتُ في هذا الفيلم بالتحديد أن أروي قصّة امرأة تقليديّة من بيئة محافظة تقرّر مواكبة التغييرات الحاصلة واغتنام الفرصة. ورغم الصعوبات المرافقة لرحلتها والانتقادات التي سيوجهها الكثيرون لخياراتها، إلا أنها ستتمكن من فتح أبواب عالم جديد في نهاية المطاف. تأكيد أن النساء السعوديات على أهمية الانطلاق والمجازفة، حتّى وإن لم يكن لديهنّ خبرات كافية. أعلم أنّ الأمر ما يزال صعباً عليهن، وأدرك شعور التوتر حيال خوض تجارب غير معهودة في السابق مثل قيادة السيارة أو السفر أو كشف وجوهههن.

ـ كمخرجة، كيف شهدت التغيرات في المملكة على مدى السنوات الأخيرة، وماذا تعني لك؟

تمضي عجلة التطور في المملكة بوتيرة متسارعة، كما نشهد الكثير من التغييرات خلال وقت قياسي، ومن الطبيعي أن يواجه استيعاب هذه المجريات صعوبات في البداية. أردت لفيلمي «المرشحة المثالية» أن يجسد هذه المرحلة الانتقالية للمجتمع وكيفية إدراك الناس لهذه التغييرات.

وتحمل التغييرات التي تحصل وتمس واقع المرأة، تبدلات جذرية لها تأثير كبير، لذا قررتُ أن يبدأ الفيلم بمشهد الشخصية الرئيسة وهي تقود السيارة، حيث كان هذا السلوك مستحيلاً منذ بضع سنوات. أمّا اليوم، تحظى النساء بهذه الحرية في حياتهنّ، ويمتلكن الحق في خوض كافّة التحديات التي تصاحب تجربة شيء جديد. لم يعد الضغط على النساء اللواتي كافحن لإحداث هذه التغييرات، بل على المترددين ممن يخافون اعتماد التغيير. وآمل أن تبدأ المزيد من النساء بقيادة السيارات والسفر والعمل جنباً إلى جنب مع الرجال والقيام بكل ما يحقق لهن السعادة. حان وقت التغيير!

لقطة كم فيلم المرشحة المثالية

ـ يشكل فيلم «المرشحة المثالية» عن تمكين المرأة، فهل تخططين لتسليط الضوء على موضوعات أخرى لاحقاً؟

يشكل موضوع تمكين المرأة جانباً مهماً يبرز في كافة أعمالي السينمائية، ودائماً ما أسلط الضوء في أفلامي على المرأة التي تعمل بجد وتقدم دائماً أفضل ما لديها. في هذا الفيلم، أردت أن أبتكر شخصيّة تمثّل العقليّة السائدة عن النساء السعوديات، فهي تغطّي وجهها وتتبع المعايير الثقافية في المجتمع، لكن ينتهي بها الحال بتجاوز هذه الحدود؛ لأنها أرادت أن تقوم بعملها على أتمّ وجه، حيث أحبطتها القيود التي تمنعها من أداء عملها بالشكل الذي يمكن أن يُفيد المجتمع ودفعتها للتفكير خارج النطاق التقليدي. فهي لم تتمرّد لمجرّد التمرّد، بل كانت تعلم أن عملها يمكن أن يساعد في جعل موطنها مكاناً أفضل، لذا أرادت أن تتخلص من كافّة الحواجز التي تمنعها من إتمام مهمتها. وأؤمن بشدة بأنّ هذه هي الطريقة الصحيحة لإحداث التغيير الحقيقي في المجتمع، من خلال أشخاص يعملون بجد ويسعون للوصول إلى أقصى إمكاناتهم.

ـ برأيك، هل سيتجه المزيد من السعوديين نحو مجال صناعة الأفلام؟ وهل لمست أن هناك إمكانات واعدة، وما نصيحتك لهم؟

لاحظت وجود بعض المواهب السعودية الواعدة، والتي أتوقع لها دخول عالم هوليوود قريباً! كما تسرّني رؤية الجهود المتواصلة التي تبذلها الحكومة للاستثمار في التدريب وإعداد الخبرات الضرورية لتطوير هذا القطاع، حيث ستؤتي هذه الجهود ثمارها على المدى القريب. نصيحتي لكافة المخرجين الواعدين، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً أن يتخلصوا من الأمور السلبية التي تحبط عزيمتكم، فمن السهل جداً التأثر بالأشخاص والعادات والأفكار التي تقف عائقاً في الطريق، وهذا ما مررت به أنا تماماً. وعليكم التغاضي عن هذه العوائق والتركيز على ما يساعدكم في الوصول إلى هدفكم، حيث اصطدمتُ كامرأة بالكثير من الأشخاص الذين شككوا في قدراتي ولم يؤمنوا بأفكاري، لذا عليكم الانطلاق والعمل بجد لإثبات العكس.

ـ هل كان إطلاق فيلم المرشحة المثالية على شبكة «OSN» لتسليط الضوء على أهمية هذه المنصات أم أن وجود هذه المنصات أمر ضروري لاستمرار العروض السينمائية؟

غمرتني السعادة لإطلاق الفيلم على شبكة OSN التي تعتبر منصة مهمة لصناّع الأفلام، حيث تضمن لها الوصول إلى أكبر عدد من المشاهدين في أنحاء المنطقة. وللأسف لم نتمكن من إطلاق الفيلم في دور السينما في ظل انتشار الجائحة العالمية»كورونا»، إلا أن إطلاق الفيلم على هذه الشبكة ساعدنا على الوصول إلى شريحة أوسع من المتوقع. وآمل أن نتجاوز هذه الفترة الحرجة ونعود لمشاهدة الأفلام مجدداً في دور السينما. رغم أن هدفي كمخرجة هو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من شرائح الجمهور، وتشكل شبكة «OSN» المنصة الأمثل لتحقيق ذلك.

اثناء تصوير فيلمها الروائي الأول وجدة

ـ فيلم “وجدة” و “المرشحة المثالية”  ثمرة تعاون بين السعودية وألمانيا، فضلاً عن الكثير من المهام التي توجب عليكِ إنجازها بنفسك مثل اختيار الممثلين والبحث عن الموقع وما إلى ذلك. ما التحديات الأخرى التي واجهتك أثناء تصوير الفيلم؟

طرأت الكثير من التغييرات منذ تصوير فيلمي السعودي الأول، حيث كان من الصعب للغاية تصوير وإنتاج فيلم في العام 2011، وكان الناس آنذاك غير مستعدين لتقبل أي شكل علني من أشكال التعبير الفني. وكانت الأفلام من الأمور التي لا يتقبلها المجتمع، حتى فكرة افتتاح دور السينما كانت أمراً مستحيلاً بالنسبة للكثيرين. وبالطبع الآن تغير كل شيء، حيث أصبح لدينا دور سينما في كافة أنحاء المملكة، إلا أن المشكلة الأكبر تتمثل في ضعف البنية التحتية اللازمة لصناعة الأفلام. لذا يتوجب علينا بذل الكثير من الجهود لتهيئة المعدات والموارد اللازمة لصناعة أفلام عالية الجودة. كما أننا نفتقر للخبرات في هذا المجال، مما يطرح الكثير من الصعوبات أثناء البحث عن فريق العمل وتوفير المعدات المناسبة. ويشكل توفير التدريب والتعليم الضروري لصياغة ورواية قصصنا مجالاً أساسياً يجب العمل على تطويره. لا يزال هذا الوسط يطرح الكثير من التحديات، إلا أننا قطعنا شوطاً طويلاً ومليئاً بالإنجازات! وكان التواصل مع طاقم العمل واختبار تفاصيل تجربة الإنتاج أمراً رائعاً بالنسبة لي. كما سعدت للغاية بالمهارات السعودية الشابة التي شاركتنا العمل في موقع التصوير، وأعتقد أن هذه المواهب تشكل مستقبل القطاع، حيث قدموا أقصى طاقاتهم للمساهمة في إنجاز هذا الفيلم. ما زال أمامنا الكثير من العمل لتطوير فرق عملنا وخبراتنا المحلية، إلا أننا متسلحون بالحماسة والإرادة لبلوغ ذلك. إنها فترة استثنائية لصناع الأفلام في السعودية.

لقطة فوتوكول خاصة بمهرجان فينيسيا السينمائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى