أحداث و تقارير

ينافس على السعفة: «بلا حب» للروسي زفياغينتسيف.. يعري مجتمعه

 

كان ـ عبد الستار ناجي

كلما عاد المخرج الروسي المتميز أندريه زفياغينتسيف إلى معشوقته السينما أذهلنا بطروحاته السينمائية التي تأتي دائما موشاة بأبعاد اجتماعية هي في حقيقة الأمر انعكاس للحالة السياسية بعيدا عن أي مباشرة أو خطاب سياسي صريح .

في فيلمه الجديد “بلا حب” أو ضغينة أو كراهية الذي ينافس على السعفة الذهبية في مهرجان كان في دورته السبعين، يذهب هذا المبدع الروسي إلى تحليل معمق للمجتمع عبر حكاية تبدو للوهلة الأولى سهلة وبسيطة ولكن كلما ذهبت إلى مفرداتها ومضامينها اكتشفت بأنك أمام مبدع سينمائي شديد الذكاء يجيد حرفته ومفرداته الإبداعية سواء على صعيد السيناريو أو اللغة السينمائية البصرية .

وقبيل أن نلج في فيلمه الجديد نشير إلى أن زفياغينتسيف بدأ مشواره السينمائي في العام عام 2003 بفيلم “العودة” وفي عام 2007 قدم فيلم “العقاب” ثم فيلم “إلينا” عام 2011 وفي عام 2014 قدم تحفته السينمائية “ليفاثان” الذي نال عنها جائزة الغولدن الغلوب كأفضل فيلم أجنبي بالإضافة إلى جائزة أفضل اخراج في مهرجان كان السينمائي في ذات العام ولهذا هو هنا من جديد في كان 2017 .

يأخذنا الفيلم إلى حكاية بوريس وزوجته زينيا اللذين يحضران أنفسهما للإنفصال بعد أن تحولت علاقة الحب التي جمعت بينهما إلى كراهية وبغضاء حتى وبعد أن أنجبا صبيا في الرابعة عشرة من عمره والذي يجد نفسه بين سندان الوالد المشغول والذي ارتبط بعلاقة جديدة والأم التي راحت هي الأخرى تبحث عن حياتها وتصر على بيع البيت الذي يجمع تلك الأسرة. عندها لا يبقى أمام ذلك الصبي سوى الضياع وهو يشعر بقسوة وضغوط تلك الظروف التي راحت تثقل كاهله الغض.

ذات يوم والأب مشغول مع صديقته الجديدة والأم على موعد مع صديقها الجديد يختفي ذلك الصبي في ظروف غامضة لتبدأ بعدها عملية البحث من قبل الوالدين وأيضا رجال الشرطة الذين ومنذ اللحظة الاولى يوجهان الإتهام للوالدين حتى تثبت براءتهما وهذا شيء من الإشارة للكثير من الدلالات تجاه نظم الشرطة في أنحاء العالم . بعد مسيرة من البحث تذهب الزوجة إلى والدتها التي تركتها في القرية وحدها ولم تتذكرها طيلة تلك السنوات والتي تستقبلها بخطاب طويل يختصر طبيعة العلاقات بين أفراد المجتمع الروسي حيث الإنشغال عن بعضهم البعض والبحث عن الهوامش مثل أجهزة التواصل وأيضا وسائل الرفاهية..

رحلة من البحث في الغابات والمباني كل ذلك على خلفية الأحداث التي تفجرت في العام الماضي بين روسيا وأكرانيا والقتال الذي ذهب ضحيته الكثير من الأبرياء من الطرفين وحال الخلاف التي حلت مكان الصداقة والتعايش بعد عقود طويلة من الزمان .

ولكن الخط الاجتماعي هو الذي يظل حاضرا ويتجاوز تلك الإشارات السياسية التي تبدو للوهلة الاولى هي الهدف ولكن التحليل المعمق يذهب بنا التي طبيعة العلاقات الاجتماعية التي تحولت الى عقوق وايضا انفصال وكراهية وفقدان لجيل راح يعيش الضياع في منطقة تبدو للوهلة الاولى مستقرة هادئة ولكنها في حقيقة الامر.. مدمرة من الداخل اجتماعيا .

أندرية زفياغينتسيف يقدم قصيدة سينمائية شديدة ثرية بالماضين عامرة بالقضايا والوجوه والاستعدادات الذكية فما حصل مع الجدة حصل مع الجدة الثانية وما حصل مع الابن الأول ها هو يتكرر مع الابن الثاني وما عاشته الزوجة تعيشه العشيقة وهكذا جملة الشخصيات تعيش ذات الظروف وذات الدائرة المغلقة التي تقود دائما إلى.. الموت ، من هنا تأتي أهمية هذا الفيلم بل وخطورته وهو يدق نواقيس الخطر تجاه ما يعيشه المجتمع الروسي حسب وجهة نظر المخرج الروسي أندرية زفيجنتسيف الذي ينقلنا من كرسي المشاهد اإلى المتورط بالحدث فنحن ومنذ المشهد الأول نعيش الشخصيات ونلهت وراء الأحداث بل إن كل شيء في فيلم بلا حب ومنذ اللقطة الأولى يشير إلى أن جميع الشخصيات تذهب إلى شتاء متجمد من العلاقات الإنسانية والاجتماعية .

فيلم كبير.. بل لعله أهم أفلام مهرجان كان السينمائي في دورته السبعين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى