«نجم الجزائر» غرق في «الكليشيهات» وبراثن وحشية الإرهاب
الجزائر ـ «سينماتوغراف»
قدّم، مساء أمس، المخرج الجزائري رشيد بن حاج، بقاعة ابن خلدون، العرض الافتتاحي الأول لفيلمه الجديد «نجم الجزائر»، سيناريو المخرج والكاتب عزيز شواكي، من إنتاج الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي ومؤسسة نور فيلم، ودعم من وزارة الثقافة.
تناول الفيلم مدة ساعة وأربعون دقيقة، حكاية شاب جزائري يدعى موسى، جسّد دوره الممثل شري أزرو، يكبر في وسط عائلة ميسورة الحال، غير أن عشقه اللامتناهي للموسيقى يدفعه إلى مواجهة تحديات كبيرة من طرف المتطرفين الإسلاميين الذين سعوا إلى قتله، كما أن تعلّق موسى بالموسيقى يرهن علاقته العاطفية وحبه لسلمى «جسّدت دورها الممثلة صوفيا كونيناف» التي تتخل عنه في مرحلة ما بسبب ظروفه المادية، كل هذه الحكايات المتقاطعة من سيناريو مقتبس من رواية بنفس العنوان للكاتب والسيناريست عزيز شواكي، لم تسلم من العثرات التقنية والفنية. كأن بالفيلم يريد أن يقول إنه «عندما ننزع الحب والأمان من أي شخص يتحول إلى وحش»، أو بمعنى أدق أن الأوضاع التي عاشتها الجزائر في سنوات التسعينيات هو نتاج المجتمع الذي لم يكن مهيأ لبناء مجتمع مدني، لهذا غرق الجميع في دوامة الإرهاب، وتحولت الضحية إلى جان في نهاية المطاف، بينما لم تستطع العائلة مقاومة ضعف الحالات الاجتماعية لتتشتت بين يدي زارعي الفتنة.
يقدّم الفيلم مشاهد وشخصيات مختلفة في أربع تحديدات تواجه موسى، من المفروض هي اختصار لحالة الوضع الاجتماعي والسياسي والأمني في الجزائر، التحدي الأول الأسرة الجزائرية التي تعيش في بيت صغير يجمع الجد والجدة والأم والإخوة والأحفاد، تتقاطع مع تحديات أخرى في حياة موسى، هو حلم أن يكون مغنيا مشهورا، هذا الحلم يقف أمام علاقة عاطفية تجمع موسى بحبيبته سلمى، كل ذلك ينصبّ في قالب كبير وتحد أكبر، مع بروز التيارات الإسلامية المتشددة التي تريد فرض منطق «التحريم» على كل شيء.
جاء الفيلم متخم بالأحداث والكثير من «الكليشيهات»، صور نمطية وتفاصيل لم يتم التدقيق فيها، ليظهر في بعض مشاهده وثائقيا كلما تعلق الأمر بحوار العائلة، ويظهر في العديد من التفاصيل بارد وخال من المشاعر، في علاقة موسى بحبيبته وحتى في علاقته بأخيه سحنون المختل عقليا «جسّد دوره الممثل حكيم ترايدية».
يعاني الفيلم من مشكلة تقنية وفنية في الوقت نفسه، تقنية وهي تصور البطل يتحدث عن جريدة «المجاهد» وبين يديه جريدة «وقت الجزائر»، وحتى لو قلنا «فرضا» أن جريدة «وقت الجزائر» كانت موجودة في فترة التسعينيات، وهو أمر غير صحيح، فكيف نقبل ذلك الخلط، تقنية أيضا هي تلك الأخطاء المتعددة التي خفف وقلّل من أهميتها المخرج عقب العرض وهو يناقش الأسئلة التي استغربت كيف تظهر عملات نقدية بألف دينار في سنوات العشرية السوداء، هذه الأخطاء التي تبدو بسيطة من وجهة نظر المخرج، تكررت في أكثر من مشهد، مما يفسّر عقلية «التسرع» في إنجاز العمل بعقلية لم تحترم ذوق المشاهد الذي وجد نفسه أمام ملصقات «ستينية الاستقلال» في فيلم يتحدث عن تسعينيات القرن الماضي، ووجد صورا لشعارات مؤسسات لم تكن موجودة في ذلك الزمن، وفنية تلك الأخطاء التي تخللت الفيلم دون مبرر، وهو يقول «عادي لا مشكلة أن يفهم الجمهور كل الحكاية» لا يجب أن نعرف لماذا أراد المخرج أن يتحدث عن كل شئ ويقدّم بانوراما الحراڤة وخداع المنتجين الفنيين وسهرات الملاهي الليلية، وأيضا رجال المال «جسّده الممثل أرسلان لوراري» في دور قابس، وحكايات عراقيل الزواج وغيرها من القصص التي تخللت حكاية «نجم الجزائر»، واستولت على الكثير منها، بينما كان موسى يتسلل إلى الفيلم بخجل وحياء.
أساس الحكاية «العاطفة»، «المشاعر القوية» التي من المفروض أن تدفع المشاهد إلى الخوف والقلق والحزن وهو يشاهد ذبح الضحية بدم بارد وقتل الحبيبة برصاص الغدر، لكنه جاء خاليا من تلك المشاعر، بينما كانت الحكاية تسير ببطء شديد وبصيص النهاية كان معروفا من البداية، فالأمل والحلم لن يتحقق وانكسرت الأحلام أمام وحشية الإرهاب الذي جسّده المخرج في شخصية الإرهابي «سبارتاكوس» الذي أداه الممثل عبد الباسط بن خليفة. يبدو رغم ذلك، صدق المخرج رشيد بن حاج في تعامله مع شخصية موسى التي لم يسع إلى تقديمها في ثوب البطل المطلق الذي ينتفض وتكون له مواقف حادة، كما قال، مشيرا إلى أن موسى هو مواطن عادي عايش فترة الإرهاب في الجزائر. فاعتراف المخرج رشيد بن حاج بصعوبة اختصار حقبة تاريخية في شخصية بدا واضحا في الفيلم، كما بدا أيضا من الواضح جدا اهتمام رشيد بن حاج بفلسفة المظهر والسلوك في حياة البشرية، هذه المعادلة لم توقف المخرج في تقديم تجربة سينيمائية متكاملة، ليبقى فيلم رشيد بن حاج «عطور الجزائر» الأكثر تميزا مقارنة بـ«نجمه» الجديد.