** السينما والناس (6) عبد الإله عبد القادر: الرواية تتصدر قائمة أفضل الأفلام
«سينماتوغراف» ــ أسامة عسل
علاقة السينما بالأدب أو علاقة الأدب بالسينما بدأت مبكراً، وأفرزت أعمالاً تحتل مكانة متميزة عربيا وعالميا، فأيُّ باحث أو متابع للسينما يمكن أن يلاحظ أنه يمكن تقسيم شكل السينما، وهويتها حسب الرجوع إلى الأدب، أو الابتعاد عنه.
على أية حال يمكننا القول إن السينما استفادت تماما من الأدب والرواية من خلال استغلال مضامين فكرية جادة، وواقعية لامست مشكلات الناس، مثلما استفادت الكلمة المكتوبة أيضا من السينما التي أسهمت في ذيوعها، وانتشارها بشكل أكبر من مستوى القراءة.
اليوم نقترب مع ضيفٍ متخصصٍ يلقي الضوء أكثر على جوانب هذه العلاقة، ويأخذنا في رحلة تستعرض آراءه وذكرياته عن السينما والناس.
رحلة الكاتب والمخرج المسرحي العراقي عبد الإله عبد القادر ثرية ومليئة دائما بالذكريات، وأحيانا بالمفاجآت، سواء على خشبة المسرح، أو ما كتبه عنه أو ما أصدره في مسيرته القصصية الطويلة، لكنه يزيح الستار للمرة الأولى عن أسرار جديدة في مشواره مع الفن ومحاولاته دخول عالم السينما.
في مقتبل حياته الجامعية أقدم على صنع ثلاثة أفلام لم ينجح واحد منها لأسباب مادية مرتبطة بالمنتج، أحدهما للمطرب المعروف فؤاد سالم بعنوان “البصرة الحادية عشرة” كتب له السيناريو وقام ببطولته وساعد في إخراجه مع جبار داود العطية، والثاني هو “الأوراق الحمراء” للمخرج فالح عبد الجبار، ساعد في تصويره وإخراجه، وسقط الثالث من حساباته إما عن قصد أو بحكم الزمن لمرور خمسه وأربعين عاما عليه.
من تجاربه التي يفتخر بها إرسال وزارة الثقافة العراقية له للتدريب تحت يد المخرج الكبير توفيق صالح، وساعده في ذلك يوسف العاني الذي كان يرأس وقتها مصلحة السينما والمسرح، حيث تعلم أساليب جديدة في الإنتاج والديكور والإضاءة والتصوير والإخراج، الأمر الذي رشحه ليكون ضمن طاقم عمل فيلم “رجال تحت الشمس” المأخوذ عن رواية غسان كنفاني.
يعشق التواصل السينمائي مع كل الأجيال، ولا يجد حرجا في الذهاب مع أصغر أولاده لمشاهدة نجم الكوميديا المصري أحمد حلمي، لكنه يختلف مع مستوى ما يقدم حاليا ويرى أن الهبوط المذري والهزل فيما يتم عرضه نتيجة طبيعية لبعد الأفلام عن معين الرواية الأدبية.
وفي لقاء مع عبد الإله عبد القادر المدير التنفيذي لمؤسسة العويس الثقافية بدبي، كانت هذه الوقفات التي أخذنا فيها إلي أفكاره وانطباعاته عن الأفلام وعالم السينما.
1ـ سيادة كاملة
(لم يكن الفيلم ينتهي بانتهاء الساعتين بل يمتد أكثر بعد الخروج من السينما، إذ ترى مجموعات من الشباب تنقد الفيلم وتحاكمه وتحلله بحماس، ويدور نقاشها حول القصة وطريقة إخراجه وحتى الديكور والموسيقى).
مقدمة عبر من خلالها عبد الإله عبد القادر عن مناخ المرحلة التي عاش فيها جيله وعلاقته بالسينما، مستطردا: جيلي عاصر بدايات التلفزيون وكان بحدود الإقليم أو المدينة، ولم تحدث هذه الطفرة العملاقة في انتشار التلفزيون وفضائياته إلا في السنوات العشرين الأخيرة، لكن قبل ذلك كانت السيادة للسينما والمسرح، والسينما بالذات كان لها سيادة كاملة وجمهور خاص، بمعنى أن جيلي كان يحرص على الذهاب إلي صالات السينما مع كل فيلم جديد عربي أو أجنبي، وكان الناس يحرصون على أن يختارون عروضهم (سهرتهم السينمائية)، ومازالت ذاكرتنا حية مع الكثير من الأعمال التي جاءت عبر مدارس مختلفة ووفق مناهج سينمائية عديدة، حينما ندرسها نجد أنها تشكل تطور السينمائي في العالم.
من هذا التطور يتذكر “عبد الإله”، موجة الأفلام الواقعية في العالم والتي ظهرت في الخمسينيات والستينيات وتركزت في إيطاليا والهند، وأثرت تأثيرا مباشرا على حركة الجماهير، ويحددها من خلال (الأم الهندية) و (صباغ الأحذية) وهما فيلمان كبيران وعلى مستوى عالي وراقي ومن المواضيع الجيدة في العلاقة والصراع الاجتماعي بين الطبقات، وقد أثرت هذه الأفلام في حركة الشارع العالمي وليس العربي فقط.
2ـ كلاسيكيات عالمية
(في إحصائية طريفة عن عدد مرات مشاهدة الأفلام، تصدرت بالنسبة لي الأفلام القديمة للموسيقار محمد عبد الوهاب المركز الأول، تلتها كلاسيكيات السينما العالمية، وجاءت الأعمال الهندية في الترتيب الثالث).
يواصل في نفس الاتجاه عبد الإله عبد القادر تسليط الضوء على فيلم (الحرب والسلام) الذي كتبه توليستوي وأخرجته السينما السوفيتية أوائل الستينات، ورصدت له ميزانية مقدارها سبعمائة مليون دولار أميركي وهو مبلغ خرافي بمعايير تلك الفترة، وشارك فيه أكثر من مائة ألف شخص حققوا المعارك التي أخرجت ضمن أحداثه، وهذا الجهد السينمائي الكبير لا يعني إلا اهتمام بالدور الذي يلعبه الفيلم وتأثيره المباشر تجاه السلام العالمي.
في رصده لتأثير كلاسيكيات السينما على الناس، يتذكر”عبد الإله” فيلم (بكنك ـ نزهة) تمثيل وليم هولدن وكيم نوفاك، حيث كان مؤثرا حتى في رقصاته البسيطة والتي اشتهرت منها “الفوكس” التي مارسها الناس في ذلك الوقت، وفيلم (جسر فوق نهر كواي) وهو من نتاج الحرب العالمية الثانية، وهناك أعمال أخرى مثل “عربة أسمها الرغبة” و”فـيفا زاباتا” و”يوليوس قيصر” و”العراب” و”نابليون” وهي تشكل قاعدة أساسية في أفلام السينما التي ساهمت في تشكيل وجدان الجماهير.
3ـ أفضل الأعمال
(تتميز السينما الأميركية بغزارة إنتاجها، وكثرة تنظيمها، وتنوع أفلامها، لأنها اعتمدت في الغالب على قصص واقعية، وروايات أدبية مشهورة، وامتازت بتعرية الواقع وطرح أزمة الإنسان في ظل ظروف عصيبة).
يسترسل عبد الإله عبد القادر حديثه عن علاقة السينما العالمية بالرواية قائلا: حينما دخلت الرواية بشكل كامل في العمل السينمائي العالمي، نجد أن فيلم مثل “ذهب مع الريح” والذي أُنتِج في نهاية الثلاثينات عن رواية مارغريت ميتشل وفاز بـ( 8) جوائز أوسكار، واختاره معهد الفيلم الأميركي ليكون الرابع في قائمة الأفلام الأميركية المائة الأفضل، يعتبر حتى هذه اللحظة واحد من أجود أفلام القرن العشرين المأخوذة عن نصوص أدبية ولم يتزحزح من ذاكرة جماهير السينما باعتباره عملا مختلفا شكلا ومضمونا.
4ـ اللهجة المصرية
(الجهد التأسيسي الكبير للسينما، لا يعني أنه جاء من فراغ أنما نتيجة تأثير الأفلام على الحياة اليومية في العالم ثم على مستوى الوطن العربي، وقد واكبت ظواهر الأفلام الرومانسية والاستعراضية المزاج العام لتلك الفترة).
لتوضيح إلي أي مدى أثرت السينما في الناس، يعطي عبد الإله عبد القادر مثالا من خلال منطقتنا العربية قائلا: يتمثل ذلك في السينما المصرية التي صنعت من اللهجة المصرية لهجة عربية منتشرة في جميع أنحاء العالم، وهي اللهجة الأكثر فهما بعد اللغة العربية، بل إن السينما المصرية أوجدت مفردات في اللغة لم تكن قد وجدت من قبل، وبدلا من أن يعطي المجتمع مفردات وتعابير وجمل لها، عكست السينما المصرية الموضوع وقدمت للمجتمع العربي والمصري بالذات، كثيرا من المفردات والأنغام والشخصيات وكانت مؤثرة في الجماهير العربية، وانبثقت منها تجارب السينما في بقية الدول مثل ( سوريا ولبنان والعراق والمغرب العربي).
5ـ الأفلام العربية
(إذا تحرينا، تاريخ السينما المصرية في شكل عام، وحاولنا معرفة ما هي أفلامها المائة الأفضل، سنجد أننا سنتوقف أمام رصيد كبير جدا من الأعمال التي اعتمدت على الرواية أو النصوص الأدبية).
حول علاقة السينما العربية بالأدب الروائي يقول عبد الإله عبد القادر: حينما دخلت الرواية العربية في السينما، ارتفعت مستوى الأفلام خصوصا عندما أقدم الروائيون أنفسهم على كتابة السيناريو والحوار مثل أمين يوسف غراب ونجيب محفوظ وشاهدنا (رد قلبي، الأرض، بداية ونهاية، درب المهابيل، إني راحلة، أين عمري، أنا حرة) وأعمال أخرى تركت بصمة واضحة منها حديثا (عمارة يعقوبيان)، واستفادت السينما لفترة طويلة من الرواية وفرسانها ( نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، يوسف السباعي، عبد الرحمن الشرقاوي، وعلاء الأسواني) وأسماء أخرى أضافت الكثير لمسيرة الفن السابع، الذي يعيب عليه البعض أنه لم يكن أمينا على الرواية نظرا لتوليفة الأفلام وصناعة السينما التي تبحث عن مغريات شباك التذاكر وإبرازها الجانب الجسدي والغريزي، تماما مثلما يعيب البعض الآخر على الرواية الحالية خروجها عن منهج الواقعية ودخولها في تعدد الأجناس الأدبية داخل النص الواحد، وهي إشكالية فنية يصعب نقلها إلي السينما.
6ـ عصر “الكلينكس”
(فيلم “آثار على الرمال” كان بداية الانتباه لأعمال يوسف السباعي، حيث تم في العام التالي تقديم روايته “إني راحلة”، ثم بدأت فترة الرومانسية وقدم له عز الدين ذو الفقار فيلمين هامين “رد قلبي” و “بين الأطلال”).
يرى عبد الإله عبد القادر بأنه مثلما كانت السينما في جيله معبر عن زمنه وصفات من فيه، فإن السينما الحالية تعبر عن جيل هذا العصر، الذي أطلق عليه (جيل السرعة وعصر الكلينكس)، ويتواصل قائلا: كنت قد كتبت من قبل عن أغاني الكلينكس، وهي أغنية تسمعها مرة واحدة ثم تنساها، ليست هي الأطلال ولا أنت عمري، هي أغنية تسمعها مرة واحدة ولا تطرب لها، كذلك قطعة الكلينكس تستعملها مرة واحدة لأي غرض من الأغراض وترميها، وهي الحالة نفسها في السينما وأجناس الأدب وحتى المسرح.
يضيف: دعني أؤكد أنني لا أريد أن أظلم الجيل الحالي باسم أبوية الجيل السابق، ولست ضد تجربة الشباب الذي أصبح لا ينتمي لإقليم بل ينتمي لفضاء واسع عبر الفضائيات والإنترنت ووسائل الاتصال المختلفة، ولذلك وفي أحيان كثيرة أتابع تجربته وإبداعاته وأحرص مع أبني على الذهاب إلي السينما لمشاهدة أحمد حلمي وهاني رمزي، وهما نموذجان جيدان للكوميديا ولا يشكلان لي أي إرباك عند متابعتهما.