أحداث و تقارير

«1982» فيلم ينكأ جراح اللبنانيين ويعيد استحضار الاجتياح الإسرائيلي

بيروت ـ «سينماتوغراف»

عاد المخرج اللبناني وليد مؤنس ليحفر في ذاكرته التي هي ذاكرة أغلب اللبنانيين، ويعيد استحضار الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وما خلفه في النفوس من جراح لا تندمل، عبر فيلمه الروائي الطويل الأول “1982”.

والفيلم من إنتاج شركة “أبوط برودكشن” وبطولة المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي، والممثل رودريك سليمان، وعدد كبير من الأطفال، ومنهم شخصية البطل وسام، الطالب بالمدرسة، الذي يحاول البوح بحبه لحبيبته الطالبة معه في الصف نفسه، ولكن يقع القصف وتتأثر المدرسة ويحدث ارتباك كبير بين الجميع، ليعكس العمل مشاهد الخوف والإحباط وصدمة التلاميذ ومدرسيهم.

والعمل مستوحى من تجربة حقيقية عاشها المخرج خلال العام 1982، حين عصفت الحرب بلبنان فتحولت أراضيه إلى ساحة قتال بين منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا وإسرائيل. وتم اختياره ليكون بداية لسلسلة أفلام تتحدث عن الذاكرة والأزمات. فالعودة إلى التاريخ وإلقاء نظرة سريعة على صفحاته من شأنها أن تزود الأمم بدروس تخولها عدم الوقوع في الأخطاء نفسها.

ولم يختر مؤنس تصوير الحرب كما هي، بطائراتها النفاثة، وصواريخها المتساقطة، وجثثها المتناثرة، وإنما قادته الرغبة في التجريب وفي التعبير عن ماض يؤلمه للوقوف عند إيقاع الحرب في مشاغل الناس والندوب التي تتركها في نفوسهم. وهذا ما أتاح له ضمنيا اللعب بقصة الفيلم وجعلها أشبه بقصّة حبّ في زمن الحرب.

ومع أن الفيلم يتكلم عن فترة موغلة في السياسة والاضطرابات المجتمعية، إلا أن مؤنس يرصد فيه الصمت المرعب الذي تحدثه الحرب قبل اندلاعها، وخوف الإنسان العميق من الموت حتى وإن ادعى عكس ذلك.

ويقول مؤنس إنه اختار أن يقدم الفيلم في مكانه الحقيقي، وهو مدرسته الأصلية التي تقع بمنطقة برمانة في لبنان، والتي لم تتغير إلى الآن. ولأن الشخصية الأساسية في الفيلم هي شخصية الطفل وسام، الذي تدور حوله الأحداث، فقد اختير بعناية شديدة، خاصة أنه يجسّد شخصية المخرج وهو صغير لذلك لا بد أن يكون متمكنا من الأداء لأن القصة حقيقية.

واعتمد المخرج أيضا على عدد من الأطفال في الأدوار الأساسية (مجيد وجوانا وعبير وعماد)، وعمل على تدريبهم على التمثيل لفترة، حتى تمكنوا من أدواتهم وتفهّموا طبيعة التصوير وحركة الكاميرات.

وبغض النظر عن أهمية بطلي الفيلم اللذين يندرجان على لائحة أصحاب الأسماء اللماعة في عالم السينما اللبنانية، فإن الفيلم يشد الانتباه بقصته المحبوكة بسلاسة. كما يحرك عند اللبنانيين ذكريات الحرب التي وللوهلة الأولى يخيل لمتابع الفيلم وكأنها مأخوذة عن حالة لبنان اليوم. ففي تلك الفترة أيضا كان لبنان يشهد الانفجارات، وتحليق الطيران الإسرائيلي واختلاط مشاهد الحزن بالفرح والعكس صحيح. حتى حالة التوتر التي كانت تسود يوميات اللبناني في تلك الآونة تشبه إلى حد كبير الأجواء غير المستقرة المخيّمة اليوم على البلاد.

وأكد مؤنس أن الفيلم يحكي قصته الشخصية، تحديدا في اليوم المدرسي الأخير الذي عاشه في لبنان قبل هجرته منه. وعندما تنبه إلى أن أحدا لم يتناول هذه الفترة في عمل سينمائي قرر ترجمتها بكاميرته كون هذا التاريخ محفورا في ذاكرته منذ كان صغيرا.

وأشار إلى أنه قرر سرد تأثير القصف الجوي الإسرائيلي على المدنيين اللبنانيين ليكون موضوع أول أفلامه الروائية.

وفي حين أنه ينكأ جراح اللبنانيين، يعرّف الفيلم الجمهور الغربي وخاصة الأميركي بجزء من تاريخ لبنان، الذي ينظر إليه اليوم العالم على أنه بلد منهار اقتصادي ويعاني من انقسامات سياسية تعصف به.

وعرض الفيلم في مدينة نيويورك وفي تايوان، بالتزامن مع الذكرى الأربعين للاجتياح. ومن المقرر أن يعرض في لوس أنجلس في الرابع والعشرين من يونيو الجاري، وبعدها في عدد من المدن الأميركية.

وكان فيلم “1982” عرض مؤخرا في الصالات البرازيلية، في حضور المخرج مؤنس والمنتج اللبناني البرازيلي للفيلم خورخي تقلا والموزع البرازيلي إستوديو اسكرالاتي، إضافة إلى أنه تم عرضه في عدد من مدن المكسيك ابتداء من السادس والعشرين من مايو الماضي.

كما جال هذا الفيلم العديد من المدن الفرنسية منها: باريس، ليون، مارساي ونيس.

وقال المخرج مؤنس عن هذه العروض العالمية للفيلم “على الرغم من أن جائحة كورونا خلال الأعوام الماضية أثرت على مسار الفيلم، فقد وجد ‘1982’ طريقه إلى صالات العرض السينمائية في أميركا الشمالية والجنوبية، حتى أنه تم عرضه في بلدان أخرى لأن الناس يؤمنون بالفيلم وبمضمونه”.

وأضاف “حتى الآن لاقى الفيلم استحسان الجماهير والنقاد على حد السواء”.

وتابع “رغم فرحي بالنجاح العالمي، إلا أن الشيء الوحيد الذي يفطر قلبي هو أن الفيلم لم يعرض كما يجب في الصالات اللبنانية بسبب كورونا. وبما أنه متوفر على نتفليكس في الشرق الأوسط، لذا الصالات اللبنانية ترفض إعادة عرضه من جديد”.

وسبق أن عرض فيلم “1982” في الكثير من المهرجانات وحصد العديد من الجوائز منها: جائزة الشباب في “مهرجان كان” عام 2021 وجائزة من مهرجان تورونتو السينمائي الدولي عام 2019 وجائزة “لجنة تحكيم الطلاب” في الدورة الثامنة من مهرجان “حرب على الشاشة” السينمائي الدولي عام 2019 وجائزة أفضل فيلم آسيوي في مهرجان تورنتو وأفضل فيلم سينمائي في مهرجان الموركس دور عام 2021 وجائزة النقاد الدولية في مهرجان الجونة السينمائي في مصر، كما اختير الفيلم ليمثل لبنان عن فئة أفضل فيلم روائي دولي طويل في حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2020.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى