بلاتوهات

«تيتانيك النسخة العربية».. استغلال فاشل لشعبية «تمت الترجمة»

%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a7%d8%a1-%d8%ae%d8%b6%d8%b1

ـ لمياء مختار

فن «البارودي ـ parody» هو محاكاة ساخرة تهكمية بغرض إثارة الضحك من أصل أدبي أو فني عظيم، وذلك بأداء عمل مشابه يسير على نفس المنوال ولكن بشكل كوميدي هزلي، وهو ما يثير إعجاب الطبقات الشعبية في كل المجتمعات عموماً وليس في مصر وحدها، وإن أقدم مثال عن المحاكاة التهكمية هو «معركة الضفادع والفئران» لشاعر إغريقي حاول أن يحاكي أسلوب هوميروس، وانتشر هذا الفن في أوروبا منذ القرون الوسطى محاكياً الأدب والفن التشكيلي والأوبرا ولكن بصورة هزلية بهدف الإضحاك والتسلية.

والأمر ليس غريباً في مصر فالإعلانات التي تسير على نهج ألحان معينة لأغنيات شهيرة هي إعلانات يضج بها التليفزيون منذ عشرات السنين، ولكنهم هذه المرة قرروا إنتاج فيلم قصير محاك ٍلأحد أشهر وأجمل أفلام العالم «تيتانيك»، ولم تكن التجربة على المستوى المأمول أو حتى الحد الأدنى في مثل هذه النوعية من التجارب.. ففيلم «تيتانيك.. النسخة العربية» ليس أكثر من استغلال لشعبية صفحات الفيس بوك الشهيرة مثل «تمت الترجمة» وهي صفحة تحاكي الأفلام الأجنبية ولكن بترجمة مصرية ذات نكهة شعبية خالصة، وقد قامت الصفحة منذ عدة شهور بترجمة مواقف  فيلم تيتانيك بالكامل في بوست شهير أحسبه (لف الفيس بوك كله) فقد كان طازجاً ومضحكاً إلى حد ما،  والعمل الجديد محاولة لتقليد ما فعلته الصفحة ولكن بطريقة فشلت للأسف ولم ينجح الفيلم في تحقيق الجاذبية ولا الإضحاك المطلوبين.

dbd0cf5c3fb4b027fc5da26635b2ebd2

وتبدو مشكلة «تيتانيك النسخة العربية»، في قلة عدد الممثلات الكوميديات اللاتي يصلحن لبطولة فيلم بأكمله، باستثناء إيمي سمير غانم وياسمين عبد العزيز، وإن تعذر قيام إحداهما ببطولة هذه التجربة، فكان يمكن إقناع ممثلة كوميدية مبتدئة إلى حد ما ولكن موهوبة في الكوميديا بأداء هذا الدور، أما بشرى فممثلة تراجيدية وليست كوميدية على الإطلاق، وهي تحاول أن تنطق التاء شيناً كما تفعل بنات الطبقات الشعبية ولكنها لا تجيد حتى هذا الأمر البسيط، وكأنها لم تأخذ وقتاً كافياً للتدريب على سيناريو الفيلم فوجدت نفسها قد زج بها فجأة بداخله دون أن تدري..

1473628281-original

كما أنصح شادي سرور بالتركيز على التمثيل فقد يكون ممثلاً كوميدياً في يوم ما رغم التطجين الواضح الذي يقوم به في نطقه للهجة البورسعيدية ورغم الاستظراف في أغلب مشاهد الفيلم، إلا أنه مع التدريب يمكن أن يصبح ممثلاً كوميدياً لا بأس به، أما الكتابة الكوميدية فعليه تركها لأهلها فلا يوجد في الفيلم إفيه واحد مضحك والمعالجة عادية جداً ككوميديا وليست كوميديا مبهرة أو متفجرة أو مواقف غير متوقعة.. حتى حين يظهر أن جاك لص فهذا متوقع من البداية كسخرية من الفيلم ولا يثير أية دهشة..

8d5f99d0a2def59986b3e695db0866cb

والكلمات التي يهمس بها الخطيب الخليجي في أذن روز تشبه كلمات المنتديات الخليجية على النت، ويمكن القول بأن الفيلم كله تجميع لبعض البوستات الساخرة من صفحات الفيس بوك وبعض الكلمات المتكررة في منتديات الإنترنت، ولم يكن هناك داعٍ لاختيار خطيب روز كشخص خليجي ثري مغيب عن الدنيا ولا يدري شيئاً إلا من كلمات الحب التافهة التي تقال في تلك المنتديات، فهذا الخيار قد يسبب حساسية لإخواننا الخليجيين وليست هذه أول مرة فقد تمت السخرية منهم قبل ذلك في فيلم «طير انت» وهذا لا داعي له في فيلم تيتانيك القصير، فإن كان عذر فيلم  «طير انت» هو إطلاق قدرات أحمد مكي الكوميدية الكبيرة في أداء هذه الشخصية، فلا عذر لفيلم تيتانيك في اختيار هذا النمط من الشخصيات بالذات فالدور قصير وليس كوميدياً.. كما أن تيتانيك الأصلي قصد به إظهار صراع الطبقات وتعالي الطبقة الأرستقراطية تعالياً ممقوتاً على الطبقات الأخرى، وليس هناك من صراع بين جاك والخطيب الخليجي الساذج، فهما ليسا من نفس الدولة أساساً ليكون هناك صراع طبقات بينهما..

ويمكن التعليق على دور الأم «البيئة» في الفيلم بأنه مبتذل إلى حد مبالغ فيه ولم يكن هناك ضرورة لرسمها بهذه الصورة المهينة.

46372acce06ce476c92a3b1c35630071

ولذلك نقول رغم المشاهدات التي يسجلها الفيلم إما بدافع الفضول، أو رصد هذه التجربة، هل سنجد بعد ذلك بارودي لكل الكلاسيكيات التي أحببناها من سينما مصرية وأجنبية؟.. وأحذر من اتخاذ نفس الطريق في «تيتانيك.. النسخة العربية»، فنرى فاتن حمامة في سيدة القصر ترفع الشبشب للشجار مع استيفان روستي، ونرى مثلا شادية في معبودة الجماهير تردح لأهل الحارة؟.. فهذا سخف يشوه الأحلام الجميلة التي رسمتها تلك الأعمال في مخيلة الناس منذ طفولتهم.. إلا في حالة الاقتراب بحذر شديد من هذه الكلاسيكيات وكتابة سيناريو محكم لا يبتذلها وفي نفس الوقت يكون كوميدياً حقيقياً يثير البهجة في نفوس المشاهدين دون فجاجة أو سخافة فظة، وهو أمر صعب للغاية ويحتاج إلى موهبة خاصة في الكتابة والتناول.. افتقدها للأسف فيلم «تيتانيك.. النسخة العربية» الذي كان تجربة هواة وليس عمل محترفين رغم التقنية العالية في التصوير، والاهتمام بتفاصيل اللوكيشن من أزياء واكسسوارت واضاءة وما الي ذلك..  لكنهم سقطوا كهواة في نقل النكات من مواقع التواصل الاجتماعي والنت ولم يبتكروا أي مفردات كوميدية طازجة خاصة بتجربة مثيرة فتحت المجال للجمهور بعيدا عن صالات السينما وشركات التوزيع.  

e3fc5bbe22642ba266e46e2a61581ad6

لست ضد التطور ويمكن أن يصبح لدينا فن أفلام تحاكي أعمالاً شهيرة وأن يصبح هذا خطاً كوميدياً قائماً بذاته، ولكنه يحتاج إلى إبهار في الكتابة والتمثيل والإخراج وهو ما لم يتحقق أبداً في هذا العمل المخيب للآمال، ولكنه يمكن أن يصبح نواة لتجارب أكثر نضجاً وإمتاعاً بكثير من تلك التجربة الساذجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى