باريس ـ «سينماتوغراف»
تبدأ غدا الخميس فى العاصمة الفرنسية باريس الدورة الثانية من «مواسم السينما العربية»، والتى تعقد بين 7 و11 نيسان- ابريل، وهى تظاهرة سينمائية تنظمها جمعية مواسم التي أنشأتها الزميلة الناقدة السينمائية والاعلامية في راديو مونت كارلو الدولية هدى إبراهيم، وترأسها ميراى أنطونى، وهى جمعية تعمل على نشر السينما العربية في باريس، وتهتم بعرض الأفلام الجديدة التي لا تجد سبيلها إلى التوزيع فى فرنسا، وتقام العروض بسينما «لاكلي» في الدائرة الخامسة من باريس.
ويشهد هذا العام مشاركة مجموعة من الأفلام التي لم يسبق عرضها فى فرنسا، تكشف عن مواهب جديدة مبشرة في الفن السابع، ويحظى برنامج مواسم السينما العربية باهتمام غير مسبوق من المشاهد العربى والأوروبى فى ظل حرصه على الدفع بالسينما العربية التى تشهد دفعا جديدا أكثر من أى وقت مضى يوازي المتغيرات التي تعيشها المجتمعات العربية على الصعيد السياسي والمجتمعي.
وقد حظيت السينما العربية باهتمام فرنسى كبير، منذ 2011 مع تظاهرة «ربيع السينما العربية» أولا من خلال فريق مكون من عدة أشخاص من جنسيات مختلفة، متحمسين دائما للسينما العربية، لكن كثيرين منهم فضلوا عدم المتابعة في ظل انعدام الإمكانيات، فتابعوا بفريق أصغر مع «مواسم السينما العربية»، وهدف هذه التظاهرة كان وسيبقى، تقديم السينما العربية للمشاهد الباريسي، في بعض تعابيرها الأقوى والأهم، والعمل على نشر صورة أخرى، جميلة، للكائن العربي الذي يظهر دائما من يرغب بتشويه صورته.
وفي التظاهرة كثير من الموضوعات التي يسلط عليها الضوء، لتقدم في عروض حرة بعيدة عن التابوهات، وتشارك فى «مواسم» مجموعة هامة من الأفلام القصيرة «11 فيلما»، والوثائقية «خمسة أفلام»، والروائية الطويلة «خمسة أفلام» تعرض للمرة الأولى فى فرنسا، واحدُ وعشرون شريطا تتضمنها مواسم هذا العام بمشاركة خمسة مخرجات عربيات بينهن مخرجات من السعودية وموريتانيا ومن لبنان، وتمثل الأفلام المعروضة أحد عشر بلدا عربيا هي تونس والمغرب وسوريا والجزائر ولبنان وفلسطين والإمارات والسعودية وموريتانيا ومصر والعراق الذي يفتتح ويختتم التظاهرة، وهذه السينما العربية الجديدة تدافع بحرارة عن الحرية وتتناول الشرط الإنساني وتحكي الأمل كما اليأس، وتحكي الذات التي تقول ذاتها، وفي الساعة التي يريد فيها تنظيم داعش السيطرة على العقول والأمكنة، فإن تظاهرة مواسم عبر اختياراتها السينمائية تعلن السينما مكانا للحلم.
افتتاح وختام عراقى
تبدأ عروض الأفلام الخميس 7 ابريل ويفتتح بالفيلم العراقى «قبل سقوط الثلج» وهو انتاج عراقى ألمانى نرويجى من اخراج هشام زمان، وتدور أحداثه من خلال «سيار» شاب كردي عراقي، كلفه أهله بالذهاب للعثور على أخته التي هربت يوم زفافها، بهدف غسل العار الذي سببته للعائلة، غير أن الأخ الذي يريد الانتقام كما أوصي، وفيما يسير على خطى أخته بدءا من كردستان وصولا إلى أوروبا تتصارع في داخله القيم وتتأرجح بين ضرورة التمسك بالعادات والتقاليد القديمة وبين التحولات التي تطرأ عليه خلال رحلته بحثا عن أخته. ويشارك من مصر «باب الوداع» اخراج كريم حنفي، وقد نال عدة جوائز مصرية واعتبره النقاد أحد أهم الأفلام المصرية التي عرضت عام 2015، ويدعو الفيلم المشاهد للدخول إلى عالم من الحزن حيث سكان المنزل مصابين في العمق بغياب كائن عزيز/ الشريط يقدم تجربة بصرية وشاعرية تحاول النفاذ إلى قلب الروح الحزينة الباحثة عن خلاص أو التي تراوح في الأسى، ويشارك الفيلم المغربى «أفراح صغيرة» لمحمد شريف طريبق، وتدور أحداثه في مدينة تطوان بشمال المغرب عام 1955، نفيسة الشابة في السابعة عشرة، تضطر بعد موت والدها لترك منزلها والسكن في منزل عائلة ميسورة في وسط المدينة بصحبة أمها. في منزل لللا أمينة، ترتبط بصداقة حميمة مع الابنة التي تجايلها.. ويصور الفيلم العادات والأزياء والموسيقى الأندلسية التي عاشتها تطوان في تلك الفترة.
وتختتم العروض بالفيلم العراقى أيضا «صمت الراعي»، من اخراج رعد مشتت، ويروى قصة زهرة ابنة الثالثة عشرة التى تعيش في قرية في جنوب العراق تجاور الصحراء، في أحد الأيام تترك منزلها صباحا بحثا عن الماء ولا تعود، تكبر الحكاية وتتعاظم حول سر اختفائها الذي يهز شرف القرية والقبيلة غير أن الشخص الوحيد الذي يعرف الحقيقة يظل يلوذ بالصمت.
خمسة أفلام التسجيلية
كما تشارك فى التظاهرة خمسة أفلام تسجيلية هى : «رحلة في الرحيل» للفلسطينية هند شوفاني، الحاصل على عدة جوائز بينها جائزة أفضل فيلم في مهرجان القاهرة لأفلام المرأة، وتقدم من خلاله المخرجة سبعين عاما من حياة الثورة الفلسطينية يمتزج فيها الأرشيف الشخصي بالعام، والتاريخي بالسياسي، والفيلم اللبنانى«لي قبور في هذه الأرض»، اخراج رين متري، حيث تقرر المخرجة بيع أرض في «قريتها المسيحية» لمشتر مسلم، قادها في رحلة عبر المخاوف الطائفية، حيث معاملات الأراضي استكملت ما كانت بدأته الحرب من فرز طائفي وتقسيم للبلاد على أساس مناطق موزعة بشكل طائفي. وتكشف المخرجة من خلال تشابك ذاكرتها مع الذاكرة الجماعية عن المشهد المظلم في لبنان، حيث التعصب والكراهية تسودان الموقف، والفيلم التونسى «القرط»، اخراج حمزة عوني، يعرض المخرج في فيلمه، لشبان من الطبقة المسحوقة في تونس قبل وبعد الثورة من خلال عمال يكسبون قوتهم من خلال عمل يومي في مجال نقل العلف من مدينة المحمدية الصغيرة إلى أنحاء تونس، حيث يحاولون الوصول إلى حياة كريمة، تحديدا من خلال قوة عملهم، لكنهم يعجزون عن تحقيق هدفهم رغم كدهم المتواصل. وهم، مثلهم مثل كثيرين يحلمون بالرحيل لكنهم يمتلكون عوالمهم الخاصة إذ يهربون إلى الموسيقى ويعاكسون الفتيات متى استطاعوا، ويشارك الفيلم الاماراتى «سماء قريبة»، لنجوم الغانم، وقد حاز على جائزة الوثائقي في مهرجان دبي، ويعرض الفيلم لجوانب من حياة وشخصية فاطمة الهاملي أول مالكة إبل في الإمارات قررت الدخول في سباق محلي للمزاينة للإبل. إنها سيرة امرأة بدوية حققت نجاحا محليا وإقليميا، والمخرجة من خلال شخصية فاطمة الهاملي تلقي الضوء على البيئة التي تحتضنها والمجتمع البدوي المتراجع أمام مد المدن في الخليج، كما يشارك الفيلم الفلسطينى «روشميا» للمخرج سليم أبو جبل، حيث يعيش الثمانيني يوسف حسان، مع زوجته في وادي روشميا منذ العام 1959 بعد أن هجرهما الاحتلال هو من «حيف» وهي من قرية «بصور». الحياة تتابع مسيرتها اليومية العادية في البراكية التي بناها الزوجان بعيدا عن المدينة، غير أن مسار تلك الحياة سيطرأ عليه التحول حين تقرر بلدية حيفا الإسرائيلية شق طريق عبر الوادي يربط جبل الكرمل بالمتوسط. المنزل المتواضع سوف يهدم لكن معه ستتحول جذريا حياة المسنين.
مسابقة الأفلام القصيرة
وفى مسابقة الأفلام القصيرة يشارك 11 فيلما منها: «أمواج 98»، إيلي داغر، لبنان، 2015. السعفة الذهبية للفيلم القصير في مهرجان كان، و«السلام عليك يا مريم» باسل خليل، فلسطين، 2015. الذي وصل الى التصفيات الاخيرة للأوسكار، و«فتزوج روميو جولييت»، هند بوجمعة، 15 دقيقة، تونس، 2014 ، جائزة مهرجان دبي للفيلم القصير، و«عكر»، توفيق خريش، لبنان 2013 عدة جوائز، بحضور المخرج المرجح، و«حورية وعين»، شهد أمين، السعودية، 2013، الحائز على الجائزة الكبرى لأفلام الخليج في ابو ظبي، و«نداء ترانغ»، هشام رقراقي، ، المغرب، 2015، الجائزة الكبرى في مهرجان القصير/ الرباط.
تكريم نبيل المالح
وتشتمل تظاهرة مواسم على تكريم خاص للمخرج السوري الراحل وأحد الآباء الروحيين للسينما السورية نبيل المالح، الذي رحل في فبراير الماضي. وسيتم تكريمه خلال جلسة خاصة تتضمن عرض فيلمه «الكومبارس» بحضور مدير تصوير الفيلم حنا ورد وعدد من المخرجين السوريين الموجودين في باريس الذين سيلقون بشهاداتهم حول المالح، وقد ولد في دمشق عام 1939 وتوفي في الإمارات في 24 فبراير من هذا العام بعيدا عن دمشق التي أحبها وبحث فيها عن «الكريستال المقدس». درس السينما في تشيكوسلوفاكيا ووقع عام 1970 جزءا من ثلاثية شريط «رجال تحت الشمس» المقتبس عن قصة غسان كنفاني «رجال تحت الشمس»، عام 1972 أنجز نبيل المالح أول فيلم روائي طويل له: «الفهد» الذي صور الانتفاضة ضد الانتداب الفرنسي وقد تحول هذا الفيلم الذي واجه المنع في حينه أيضا إلى أحد كلاسيكيات السينما العربية.
