9 أيام في حب السينما مع الدورة الـ 53 لمهرجان كارلوفي فاري
الوكالات ـ «سينماتوغراف»: فيكي حبيب
استعدت مدينة كارلوفي فاري التشيكية لاستقبال مهرجانها السينمائي الدولي الذي بدأ ليلة أمس دورته الـ53 معلناً عن 9 أيام في حب السينما، يختلط فيها الليل والنهار، على إيقاع برمجة غنية، تفتح ذراعيها لسينمات الشرق والغرب، لتشي بكثير حول أحوال العالم.
كل شيء يضعنا طوال الأيام التسعة في قلب عالم الفن السابع، منذ أن يطأ الزائر هذه المدينة المبهرة بجمال طبيعتها وتناغمها الهندسي، إن استثنينا فندق «ترمال» حيث مقر المهرجان. فهو على بشاعته، يبدو وكأنه مزروع عمداً في هذه البقعة الجميلة ليظل شاهداً على حقبة مرة من تاريخ هذا البلد: حقبة الاتحاد السوفياتي.
ملصقات عملاقة لأفلام ونجوم سيشكلون محور النقاشات في الساحات المفتوحة، تستقبل الزوار. كاميرات زرعت أينما كان لرصد توافد الضيوف. حتى ألوان المدينة، طبيعة وعمارة، يختلط معها الأمر على الزائر، هل هي حقيقية أو ديكور لفيلم سينمائي يجد قاصد المكان نفسه فيه من دون أن يعي ذلك.
كل شيء هنا يشي بأننا أمام عرس سينمائي ينعش هذه المدينة ويسرقها من سكينتها التي اشتهرت بها تلبية لراحة نزلاء المنتجعات الشهيرة فيها. حتى الفئات العمرية تختلف بين الأيام العادية وأيام المهرجان. في الأيام العادية، يقصد المنتجعات الصحية أصحاب الأعمار المتوسطة وما فوق أكثر من سواهم. وفي أيام المهرجان تكون الغلبة لعنصر الشباب، ما يحوّل المدينة الى مدينة أخرى ويقلبها رأساً على عقب.
غلبة الشباب واحدة من أبرز نقاط قوة مهرجان كارلوفي فاري. يفاخر المنظمون بقدرتهم على حشده بكثافة تثير الإعجاب. يتحدثون عن 120 ألف بطاقة تنفد سنوياً. يشيرون الى توفيرهم خدمات لوجستية لاستقطاب الجمهور. ربما أكثرها لفتاً للنظر «قرية الخيم» لإيواء من لا يملك القدرة على دفع ثمن غرفة في فندق (بما أن القطاع الأكبر من الجمهور من الشباب).
شباب يتوافدون من كل أنحاء التشيك، يقودهم فضول لاكتشاف الآخر. فضول تغذيه برمجة سينمائية مختارة بعناية وتنوع كبيرين. لا يهتمون بمكان المبيت أو ماذا يأكلون أو يشربون. لا يبالون بجنسية الفيلم وما إذا كان صيته سبقه إليهم أو بكمّ النجوم الهوليووديين المشاركين فيه. شباب ترتسم صورتهم في مخيلة من اعتاد حضور المهرجان سنوياً، وهم واقفون في الطوابير الطويلة امام الصالات السينمائية لحجز مكان لهم في أفلام تكاد تبدو متناقضة.
أفلام بعضها سبق صيته الى كارلوفي فاري من مهرجان كان أو برلين أو البندقية مثلاً، وأفلام أخرى لم يسمع جمهور المهرجان عنها شيئاً، لكنها تأخذهم الى بلد من بلاد عالمنا الثالث لتضعهم على تماس مع قضايا تشي بمستوى الوعي الفردي في الجمهورية التشيكية المنتفضة على الشيوعية، هي التي عاشت لسنوات تحت القبضة الحديد. قضايا إنسانية أو سياسية أو حياتية أو اجتماعية، تجذب جمهور كارلوفي فاري، فتجده مهتماً بها، بل تواقاً إليها.
شباب مثقف إذاً أو شباب يعشق عالم الصور المتحركة؟ لا فرق. ففي الحالتين يقودنا ذلك الى دولة متقدمة تحتضن النشء الجديد وتربيه على الثقافة والفنون وقوة الحلم في صنع التغيير. ولا عجب، بالتالي، ان تصنف التشيك في المرتبة الأولى بين بلدان أوروبا الشــرقية الشــيوعية سابقاً من حيث مستوى التطور. يكفي أن تقيس دور الفنون فيها حتى تدرك ما وصلت إليه من تقدم. ويقيناً ان مهرجان كارلوفي فاري الذي يعتبر اليوم واحداً من أعرق المهرجانات وأبرزها في أوروبا الشرقية عينة صغيرة تكاد تقول الكثير.
ومن جملة ما يقوله في هذه الدورة رأي في «الربيع العربي» من خلال فيلم مصري-ألماني يحمل توقيع مروان عمارة ويوهانا دومكِه تحت عنوان «الحلم البعيد» في عرضه العالمي الأول. نقرأ تعريفاً عنه على موقع «كوكب الجنوب»: «مدينة شرم الشيخ رمز الحريّة والكسب السريع التي يحلم بها الشباب المصريّ. لكن الفترة الأخيرة شهدت تعرّض هذه المدينة الساحرة للعديد من الهجمات الإرهابية التي أدت إلى توقف عجلة قطاع السياحة هناك. يرصد فيلم «الحلم البعيد» مجموعة من العمال المصريين صغيري السنّ الذين يعملون في أحد الفنادق السياحية الفاخرة؛ حيث الصدام بين سخافات وقوالب الثقافتين الغربية والشرقية. هناك تعيش تلك الفئة من الشباب حياةً أشبه بالحلم؛ ففي ظلال وجهات أحد الفنادق السياحية الفاخرة ينغمس هؤلاء الشباب في حياة تحوطها الازدواجية في كل شيء. ولا تعلم أُسرهم التي جاؤوا منها بالإغراءات الحقيرة التي تخفيها هذه المدينة المتلألئة. ويقف هذا الجيل من المصريين في تضاد واضح مع الأعراف الثقافية الغربية، حيث يراها البعض الحرية التي لطالما حلم بها، بينما يشعر آخرون بامتهان معاييرهم الأخلاقية. لكن الرحيل ليس أبدًا الخيار المتاح؛ فقد أصبح من الصعب عليهم نبذ حياة الحريّة التي تعودوا عليها والرجوع مجددًا لقيود ثقافتهم التقليدية. هم الآن تعوزهم الفرص الماليّة والشخصيّة على حدّ سواء، وقد وجدوا أنفسهم في رحلة وجوديّة بحثًا عن الذات».
وليس «الحلم البعيد» الفيلم العربي الوحيد الذي يعرض في المسابقة، بل هناك أيضاً الفيلم اللبناني «الأرجوحة» للمخرج سيريل عريس عن فئة الأفلام الوثائقية أيضاً. نقرأ تعريفاً عنه على موقع الصندوق العربي للثقافة والفنون «آفاق»: «خيط رفيع يربط صحة «أنطوان» المتدهورة بالحياة في عيد ميلاده الـ٩٠. هو يترقب زيارة من ابنته، بينما تتحمل «فيفيان»، زوجته لـ٦٥ عاماً ثقل إخفاء الحقيقة المرّة. الحقيقة التي ستقضي، حتماً، على النبض الأخير في قلب «أنطوان» الواهن: موت ابنتهما المفاجئ».
ولا تقف الأفلام العربية عند هذا الحد في المهرجان، بل تشارك السينمائية الفلسطينية آن ماري جاسر في تظاهرة خارج المسابقة عن فئة «نظرة اخرى» بفيلمها «واجب»، وهو عمل مشترك بين فلسطين، قطر، فرنسا، ألمانيا وكولومبيا والنرويج. ومثلها يشارك المخرج المصري محمد صيام عن الفئة ذاتها بفيلم «أمل»، وهو عمل مشترك بين مصر ولبنان وألمانيا والنرويج وفرنسا والدنمارك.
وفي فئة «آفاق»، يشارك فيلم «ولدي» للمخرج التونسي محمد بن عطية، وهو عمل مشترك بين تونس وفرنسا وقطر وبلجيكا. كما يطل اسم قطر في فيلم «موسم الصيد» للمخرجة ناتاليا جاراجيولا المشترك مع الأرجنتين وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.
وبعيداً من أفلام العرب يعرض مهرجان كارلوفي فاري في دورته الـ53 نحو 200 فيلم تتوزع على عدد كبير من التظاهرات، ولربما اكثرها انتظاراً تظاهرة «آفاق» التي تعج بأفلام عرضت في المهرجانات الكبيرة وحصدت نجاحات بين النقاد والجمهور مثل «بلاكلانزمان» للمخرج الأميركي سبايك لي و«الحرب الباردة» للبولندي بافيل بافليكوفسكي و«ثلاثة وجوه» للإيراني جعفر باناهي و«شجرة الإجاص البري» لنوري بلغي جيلان. لكن هذا لا يعني ان التظاهرات الأخرى ستكون أقل إقبالاً، بل على العكس، اعتاد المهرجان ان يعرض في المسابقة (تتوزع على 3 تظاهرات) أفلاماً ينتظرها محبو الفن السابع لما تحمله من اكتشافات.
واللافت ان 10 أفلام من أصل 12 فيلماً ستتنافس في عرضها العالمي الأول على جائزة الكريستال غلوب للأفلام الروائية، في مقابل 8 أفلام من أصل 12 في عرضها العالمي الاول عن فئة الأفلام الوثائقية.