رمضان والسينما في ثلاثين عاما (الحلقة 25 من 30)
حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»
النهضة المسرحية تسرق جمهور السينما!
المصريون يطاردون فريد شوقي في 10 أفلام جديدة منها 3 عرضت في رمضان 1964
من غرائب الأمور في مصر أن نهضة المسرح التي تألقت في ستينيات القرن العشرين رافقها تراجع في الإنتاج السينمائي، إذ بلغ عدد الأفلام الجديدة المعروضة في عام 1964 نحو 45 فيلمًا فقط، في حين أن عام 1960 وصل العدد إلى 58 فيلمًا، وفي سنة 1963 كان العدد 49 فيلمًا.
لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى مستوى آخر أكثر خطورة وهي أن معظم الأفلام المعروضة في تلك السنة كانت تعالج قضايا ساذجة لا عمق فيها، بينما المسرح يشتعل بمناقشات وأفكار جادة وحيوية تغوص في الواقع الاجتماعي والسياسي للمصريين من خلال مسرحيات بديعة كتبها كوكبة من أفضل كتاب المسرح في مصر والعالم العربي مثل نعمان عاشور، الفريد فرج، ميخائيل رومان، سعد الدين وهبة، يوسف إدريس، محمود دياب، عبد الرحمن الشرقاوي ونجيب سرور. هذه المسرحيات جسد شخصياتها ممثلون كبار من نوعية توفيق الدقن وشفيق نور الدين وحمدي غيث وصلاح سرحان وسناء جميل وسميحة أيوب وغيرهم من نجوم المسرح القومي، وكانت تعرض بانتظام في التلفزيون المصري حتى منتصف السعينيات، ولأن السياسات تغيرت، والمصالح تبدلت، فقد توقف تلفزيون الدولة عن إعادة عرض هذا الكنز المسرحي، وتمادى في تقديم الوجبات التلفزيونية الخفيفة!.
كما أن مسرح التلفزيون كان قد بدأ نشاطه في العام الفائت – 1963 – حيث تشكلت فرق مسرحية متنوعة، وشاهد الناس المضحكين الجدد على المسرح مثل فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي ومحمد عوض وأمين الهنيدي.
هذه النهضة المسرحية بجناحيها الجاد والكوميدي أسهمت لا ريب في تقليص عدد رواد السينما الذين يتشكلون من الشباب بشكل رئيسي، فضلا عن انتشار التلفزيون، الذي دفع الكبار إلى التزام بالبقاء في منازلهم بدلا من الذهاب إلى السينما.
فتاة الميناء وأمير الدهاء
سيظل النجم فريد شوقي أحد النجوم القلائل الذين استحوذوا على دور البطولة لعقود طويلة، فقد ظهر للمرة الأولى على الشاشة في دور صغير عام 1946 في فيلم (ملائكة الرحمة)، ثم نال أول بطولة في (الأسطى حسن) لصلاح أبو سيف عام 1952، أما في عامنا هذا 1964 فقد تصدر بطولة عشرة أفلام دفعة واحدة، وها هو النجم الوحيد الذي يهل على جمهور السينما في شهر رمضان الكريم الذي صادفت أول أيامه 16 يناير من سنة 1964، وفي الخامس منه – أي 20 يناير 1964 – عرض فيلم (فتاة الميناء) للمخرج حسام الدين مصطفى، وبطولة فريد شوقي وناهد شريف ومحمود المليجي والفيلم يناقش صراعات الصيادين في إحدى قرى الساحل، وليس له علاقة لا بالسياسة ولا بالشهر الكريم.
في 12 رمضان – الموافق 27 يناير – عرض فيلم (مطلوب زوجة فورًا) للمخرج محمود فريد، أما الأبطال فهم فريد شوقي وليلى طاهر ومحمود المليجي، والفيلم كوميدي خفيف عن رجل ثري تطارده النساء.
ما زال الناس تشاهد فريد شوقي في نهارات رمضان ولياليه، وها هو فيلمه الثالث (أمير الدهاء) للمخرج بركات يعرض في 17 رمضان – الموافق الأول من فبراير 1964 – والفيلم يعرض كثيرًا في الفضائيات وقصته معروفة، وقد فشل الفيلم لأنه لم يراع تغير المزاج العام للجماهير الذين شاهدوا النسخة الأصلية (أمير الانتقام) قبل ذلك بأربعة عشر عامًا.
أرأيت ثلاثة أفلام في شهر رمضان لنجم واحد تتوزع بين الاجتماعي الساخن والكوميدي الخفيف والتاريخي السياسي إذا جاز القول، ومع ذلك فلم تستطع السينما أن تنافس المسرح في سنة 1964.
يبقى أن تعرف أن من أهم الأفلام التي عرضت في عام 1964 (بين القصرين) لحسن الإمام، وهو مأخوذ عن الجزء الأول لثلاثية نجيب محفوظ عظيمة الشهرة، حيث صار الفيلم مرجعا لعصر وزمن، وصارت شخصية (سي السيد) أشهر شخصية سينمائية مصرية. كذلك عرض فيلم (أدهم الشرقاوي) لحسام الدين مصطفى، وفيلم (ثمن الحرية) لنور الدمرداش.