رمضان والسينما في ثلاثين عاما (الحلقة 28 من 30)
حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»
الإنتاج يتراجع والهزيمة تسد (نفس) الناس عن السينما
المصريون يقاومون الإحباط بالدخول إلى بيت الطالبات لرؤية كمال الشناوي وناهد شريف في رمضان 1967
وقعت الواقعة.. وتعرض الجيش المصري لهزيمة عسكرية مؤلمة في يونيو 1967، فأصاب الناس الاكتئاب وأحبطوا حينا من الدهر، ثم استعاد الشعب عافيته واسترد الجيش كرامته الجريحة في معارك سريعة (رأس العش/ إيلات)، لكن العوار طال الروح، خاصة وأن الأحلام كانت باتساع البحر، ثم أن أعداء المصريين في الخارج والداخل كانوا يتربصون بنا، وظلوا ينفخون في نار الهزيمة حتى ظن الناس أن إسرائيل احتلت القاهرة، وجنودها تسكعوا في شوارع قصر النيل وطلعت حرب وعماد الدين، وأنهم أطاحوا الحكومة المصرية ووضعوا حكومة من قادة العصابة الصهيونية تأتمر بأمرهم!.
في هذه الأجواء الحزينة.. انكفأ كثير من الناس على ذواتهم، وخاف المنتجون على أموالهم، فانخفض رقم الأفلام الجديدة التي تعرضها الشاشة الفضية، حيث بلغ عددها 34 فيلمًا فقط، في حين أن العام السابق – 1966 – كان 36 فيلمًا، وعلى أية حال ظل الإنتاج السينمائي يتراجع طوال فترة الستينيات بسبب ظهور التلفزيون من ناحية، وانجذاب جماهير الذواقة نحو مشاهدة العروض المتميزة التي تألقت على خشبة المسرح طوال حقبة الستينيات من ناحية أخرى.
غازية من سنباط
في يوم 5 يونيو 1967 ذهب فريق من الناس في الصباح ليشاهدوا فيلم (غازية من سنباط) للمخرج السيد زيادة وبطولة شريفة فاضل ومحمد عوض، وفي الساعة نفسها توجه فريق آخر نحو سينما أخرى ليتابعوا وقائع فيلم (عندما نحب) للمخرج فطين عبد الوهاب ولعب الأدوار الأولى نادية لطفي ورشدي أباظة وسهير البابلي، لكن أخبار الهزيمة لاحقت الجماهير فانصرفوا حزاني، وأغلقت دور السينما أبوابها لمدة شهر كامل، حيث عرض فيلم (أبو الهول الزجاجي) في 15 يوليو 1967، وهو من تحقيق اثنين من المخرجين هما كمال الشيخ ولويجي سكاتيني، والفيلم إنتاج مصري إيطالي أسباني مشترك.
لعلك لاحظت أن الفيلمين المعروضين يوم 5 يونيو تناولا قضايا اجتماعية عادية حول العشق والهجر وتوابعهما، ولم يقتربا من مناقشة المشكلات المصرية الحقيقية التي تعرقل تطور المجتمع إلى الأمام.
نورا.. وقصر الشوق
في 3 ديسمبر من عام 1967 استقبل المصريون غرة رمضان والحسرة تحرق صدورهم على سيناء المحتلة، لكن قلوبهم كانت مترعة بقدرة الجيش على استعادة التراب المسروق، وإمكانات الشعب اللانهائية في الصمود والتحمل حتى يتحقق الحلم ونعبر الهزيمة.
لذا واصل المصريون حياتهم بشكل طبيعي، وصاموا الشهر الكريم وأكثروا من الدعوات على اليهود، وفي الثامن من رمضان – الموافق 10 ديسمبر 1967 – توجه الجمهور لمشاهدة فيلم (بيت الطالبات) للمخرج أحمد ضياء الدين وبطولة كمال الشناوي وناهد شريف وماجدة الخطيب، والفيلم يعرض كثيرًا في الفضائيات، وهو يناقش قضايا البنات غير القاهريات وكيف يتعاملن في القاهرة.
أما في 22 رمضان – الموافق 25 ديسمبر – فقد عرض فيلم (نورا) للمخرج محمود ذو الفقار عن قصة لرائد الصحافة المصرية محمد التابعي، وبطولة كمال الشناوي ونيللي، وهو فيلم اجتماعي مغرق في العواطف المتأججة، ولا يقترب من بعيد أو قريب من أوضاعنا السياسية المحتقنة.
في نهاية الشهر الكريم – 31 ديسمبر 1967 – احتشد الناس أمام السينما ليشاهدوا الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ موفورة الصيت، وأعني (قصر الشوق) للمخرج حسن الإمام، بعد أن فتنوا بالجزء الأول (بين القصرين) عندما عرض قبل ثلاث سنوات. وقد فوجئت الجماهير بوجه جديد يثبت حضوره أمام نجوم بوزن يحيى شاهين وعبد المنعم إبراهيم وآمال زايد.. إنه النجم نور الشريف في أول أدواره السينمائية.
يبقى أن تعرف أن عام 1967 شهد عدة عروض سينمائية مهمة مثل (معبودة الجماهير) لحلمي رفلة وهو الفيلم قبل الأخير لعبد الحليم حافظ، و(إجازة صيف) للمخرج سعد عرفة وهو آخر فيلم لعبقري التمثيل زكي رستم، و(الزوجة الثانية) لصلاح أبوسيف.