في ذكرى رحيله : أحمد رمزي.. الولد الشقي الذى لم يتكرر
«سينماتوغراف» ـ محمود درويش
بجسده الممشوق، وأزرار قميصه المفتوحة، وثقته الكبيرة فى نفسه وخفة ظله، استحق الفنان أحمد رمزى لقب «الولد الشقى» فى السينما وهو اللقب الذى لم ينازعه فيه أحد، رغم محاولات كثيرين التشبه به وقد حصد رمزى اعجاب الفتيات فى عصره كنموذج للدونجوان أو الفتى الأول، أنه أحد الفنانين الذين لعبت الصدفة دورا كبيرا فى دخولهم مجال الفن دون أدنى تخطيط لذلك، القائمة تطول في هذا المجال لتضم أسماء لامعة مثل عمر الشريف ورشدي أباظه وبالطبع أحمد رمزي، الذى تحل اليوم ذكرى رحيله،حيث توفي يوم 28 سبتمبر 2012، ولد بمحافظة الإسكندرية لأب مصري هو الدكتور محمود بيومي وأم اسكتلندية هي هيلين مكاي، و درس في مدرسة الأورمان ثم كلية فيكتوريا التى تعرف فيها على صديق عمره ميشيل شهلوب «عمر الشريف» ثم التحق بكلية الطب ليصبح مثل والده وأخيه الأكبر. لكنه رسب ثلاث سنوات متتالية ثم اتجه للدراسة بكلية التجارة والتى تعرف فيها على صالح سليم، وقد توفى والده عام 1939 بعد أن خسر ثروته في البورصة وعملت والدته كمشرفة على طالبات كلية الطب لتربي ولديها بمرتبها حتي أصبح ابنها الأكبر حسن طبيب عظام على نهج والده.
الصدفة التى تمناها
حكاية دخول أحمد رمزي مجال التمثيل من الحكايات الغريبة التي لا تخلو من طرافة، حيث أن الفتي رمزي منذ نعومة أظافره وهو يحلم بسحر السينما خاصة عندما وصل إلى مرحلة الشباب، وكانت علاقة الصداقة التي ربطته بعمر الشريف الذي كان يهوي السينما هو الآخر من العوامل التي رسخت الفكرة في ذهنه، وكان هناك لقاء دائم بين رمزي وعمر في جروبي وسط البلد وفي أحد هذه اللقاءات التقى هذا الثلاثي بالمخرج يوسف شاهين الذي أخذ يسأل عمر ورمزي أسئلة عديدة وظل رمزي يحلم بفكرة السينما وتوقع أن يسند له شاهين دورا.
ولكنه فوجئ بعمر الشريف يخبره ذات يوم من عام 1954 أن شاهين اختاره ليكون بطل فيلمه الجديد «صراع في الوادي» وصدم رمزي لكنه لم يحزن لأن الدور ذهب لصديقه عمر. لكن الحلم ظل يراوده وعندما أسند شاهين البطولة الثانية في نفس العام لعمر الشريف في فيلم «شيطان الصحراء» ذهب معهم رمزي وعمل كواحد من عمال التصوير حتى يكون قريبا من معشوقته السينما.
وجاءته الفرصة التى تمناها بالمصادفة حينما كان يلعب البلياردو في نادي «ريفولي» أعلى سينما «ريفولي» ولمحه المخرج والمنتج حلمي حليم، ولفت نظره إندماجه في لعب البلياردو والتركيز عند تسديد الكرات، وأعجب بشخصيته وتكوينه الجسماني ووسامته وهو يفتح أزرار قميصه.
الحوار كما ذكره رمزى جاء كالتالى: اقترب منه حلمي حليم قائلا: «بقولك يا…»، فرد رمزي: «اسمي رمزي.. تحت أمرك.. أي خدمة»، فاستكمل حليم: «شكرا على ذوقك.. شكلك وسيم، تحب تشتغل في السينما؟»، فلم يلتفت إليه رمزي واستمر في التركيز مع البلياردو والعصا، وقال بهدوء أعصاب: «أوي أوي ياريت.. معلهش أصل أنا مغلوب وعايز أعوض الخسارة».
استأذن حلمي وانصرف، ونسي أحمد رمزي ما دار بينهما، وبعد شهر تقريبا ذهب ريجيسير إلى نادي البلياردو ليسأل عن عنوان رمزي، لأنه مطلوب في ستوديو مصر للمشاركة في فيلم مع فاتن حمامة وعبدالحليم حافظ، وهو«أيامنا الحلوة» ومأخوذ عن رواية «البوهيمية» لهنري مروجيه، ولم يصدق موظف النادي إلا بعد أن قرأ «الأوردر»، فاتصل به تليفونيا وأبلغه بوجود من يسأل عنه من ستوديو مصر، وتوجد سيارة في انتظاره أمام سينما ريفولي.
بعد ساعة حضر واستقل السيارة وهو غير مصدق أن الرجل الذي حدثه من قبل أخذ الأمر مأخذ الجد ولم يتصور لحظة أنه سيبدأ التصوير في نفس اليوم وذهب ليجد كل شئ معدا من ديكور وإضاءة وكومبارس وفنانين، الأمر الذي أصابه بالارتباك فنسي كلمات الحوار، وارتفعت الأصوات من خلف كشافات الإضاءة وكاميرا التصوير تقدم له النصح، كل صوت يحمل رأيا مخالفا لآراء الآخرين، فازداد توترا وأمسك بأحد كراسي الديكور وقذفها تجاه أصحاب الأصوات وهو في قمة الغضب والانفعال.
كاد الكرسي يصيب مدير التصوير وحيد فريد، وترك رمزي مكان التصوير وذهب إلى حجرته وجمع ملابسه وقرر مغادرة الاستوديو، معلنا عدم رغبته الاشتغال بالتمثيل، فلحق به المنتج حلمي حليم، والكاتب علي الزرقاني، ومساعد المخرج طلبة رضوان، والفنانة زهرة العلا، لتهدئته وإقناعه بأن ما حدث شيء طبيعي يحدث مع أي ممثل في أول عمل له.
أنهى رمزي تصوير «أيامنا الحلوة» عام 1955، ليصبح بطلا سينمائيا من أول فيلم، والطريف أن البطولة كانت مع صديقه عمر الشريف والوجه الجديد وقتها عبد الحليم حافظ لينطلق أحمد رمزي بعدها سينمائيا ويقدم أعمالا هامة عبر خلالها عن مشاعر ومشكلات شباب جيله، فقبل أن يعرض «أيامنا الحلوة» في السينمات اختاره هنري بركات ليشارك عبدالحليم حافظ فيلمهما الثاني «أيام وليالي»، والذي عرض 5 ديسمبر عام 1955، وفي الأسبوع التالي عرض له فيلم «دموع في الليل» من بطولته مع صباح ومحمود المليجي.
وتوالت أدوار وأعمال رمزي التي بلغت نحو100 خلال 20 عاما هي عمره السينمائي وأشهرها «صراع في المينا» مع فاتن حمامه 1956، و«ابن حميدو» مع اسماعيل ياسين وهند رستم 1957، و«لا تطفيء الشمس» 1962، و«عائلة زيزي» 1963، و«ثرثرة فوق النيل»1971.
اعتزال مؤقت
فى منتصف السبعينيات كان قرار رمزي بالاعتزال بعدما شعر أن الأوان لم يعد له، مع بزور نجوم شباب مثل نور الشريف ومحمود ياسين ومحمود عبد العزيز، فآثر الابتعاد حتى تظل صورته جميلة في عيون جمهوره، فكان الاعتزال الذي استمر عدة سنوات أعقبها عودته بعد أن نجحت سيدة الشاشة العربية في إقناعه بالعودة للتمثيل من خلال سباعية تليفزيونية «حكاية وراء كل باب» التي أخرجها المخرج سعيد مرزوق. بعدها كان قرار أحمد رمزي بالغياب مرة أخرى، بعد انشغاله في مشروع تجاري ضخم اعتمد على بناء السفن وبيعها وهو المشروع الذي استمر يعمل به طيلة عقد الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات حين اندلعت حرب الخليج الثانية وتأثرت تجارة رمزي إلى الحد الذي بات فيه مديوناً للبنوك بمبالغ ضخمة تم بمقتضاها الحجز على كل ما يملك.
وفي منتصف التسعينيات كان قرار رمزي بالعودة إلى التمثيل مرة أخرى من خلال عدة اعمال بدأها بفيلم «قط الصحراء» مع يوسف منصور ونيللي، وفيلم «الوردة الحمراء» مع يسرا، ومسلسل «وجه القمر» الذى أقنعته الفنانة فاتن حمامة بقبوله عام 2000، وأيضا مسلسل «حنان وحنين» عام 2007 مع صديق عمره عمر الشريف.
وعندما ظهر في فيلم «الوردة الحمراء» مع يسرا وإخراج إيناس الدغيدي عام 2001 ظل هو الشاب الشقي رغم زحف تجاعيد السنين علي ملامحه والصلع علي شعره إلا أنه ظهر فاتحا قميصه مستعرضا قوامه.
قلب الولد الشقى
وعلى الرغم من أنه كان أحد دنوجوانات السينما المصرية، فإن الفنان أحمد رمزي كان يميل دائما للاستقرار، وليس لإقامة علاقات عاطفية كثيرة ومتقلبة، فعندما كان يحب فتاة يطلب منها الزواج على الفور، ومع هذا فإن زيجاته كانت قليلة بالمقارنة بالدنجوانات الآخرين وعلى رأسهم رشدي أباظة.
فقد تزوج أحمد رمزي ثلاث مرات فقط في حياته، الأولى كانت زواجا تقليديا من عطية الله الدرمللي، التى تزوجها عام 1956 وكانت من عائلة ارستقراطية، وكان زواجهما بسيطا في كل شيء فلم يقم حفل زفاف ولم يشتر أثاث، وسكنا الاثنان في شقته وكان معهما فقط سرير وبوتجاز وثلاجة، وعندما قررا استقبال أصدقائهما اضطر أن يأخذ من جيرانه كراسي حتى يجلس عليها الضيوف.
ومع ذلك لم تكن الحياة البسيطة هي السبب في انفصالهما وإنما الغيرة الشديدة التي كانت تشعربها السيدة عطية تجاه زوجها أحمد رمزي، والتي أدت إلى تفاقم المشاكل بينهما حتى انفصلا.
وقد أنجب منها «باكينام» إبنته الكبرى، وكانت الصديقة المقربة له وعاشت بأمريكا.
أسرع زواج وطلاق
كانت الزيجة الثانية للفنان أحمد رمزي من الفنانة نجوى فؤاد، وكانت هذه الزيجة سريعة في كل شيء، تزوجها تجنبا لشائعات انطلقت حولهما، حيث كان رمزي في زيارة لنجوى في منزلها فوجدها في مشادة مع الموسيقار الراحل أحمد فؤاد حسن، فعندما تدخل رمزى حدثت مشادة بينه وبين الموسيقار. فقرر الأخير أن يسرب خبرا للصحف يقول إن هناك علاقة بين أحمد رمزي ونجوى فؤاد بمساعدة أحد كبار الصحفيين في ذلك الوقت وهو الكاتب كمال الملاخ، فتزوج الدونجوان من نجوى قبل أن تنشر الصحف الخبر على أنه فضيحة الموسم.
واستمر زواج أحمد رمزي ونجوى فؤاد 17 يوماً فقط بعدها انفصلا، وكان سبب الانفصال هو شعور الدنجوان بأنه هناك فجوة عاطفية بينه وبين نجوى واختلاف في الطباع، لذلك لم يفكر في الإنجاب منها، أما الزواج الثالث فكان من المحامية اليونانية السيدة نيكولا. وكان تعارفه عليها من خلال والدها الذي كان يعمل محاميا، أحبها كثيرا وبعدما تزوج منها بفترة وجد فيها كل ماكان يتمناه فى المرأة وأنجب منها ابنته «نائلة» ثم ابنه «نواف» المعاق ذهنيا الذي يعيش في لندن.
وعلاقة رمزي بنائلة مثل علاقته بباكينام، فهي الأخرى صديقته، والابنتان كانتا دائمتان السؤال على والدهما ورعايته على الرغم من أنهما لا تعيشان معه في مصر.
واستمر زواج السيدة نيكولا بالفنان الراحل أحمد رمزي حتى وافته المنية، وحضرت دفنه وتشييع جنازته، وتلقت العزاء فيه هي وأولاده الثلاثة باكينام ونائلة ونواف. وتوفي أحمد رمزي عن عمر يناهر 82 سنة، على أثر جلطة دماغية فور سقوطه علي الأرض بعد اختلال توازنه في حمام منزله بالساحل الشمالي أثناء توجهه للوضوء لصلاة العصر يوم الجمعة.