«حرام الجسد» للمخرج خالد الحجر.. بضاعة أتلفها الهوى
انتصار دردير
رغم أن الفيلم ـ أى فيلم ـ يمثل تجربة فنية قائمة بذاتها، وابداع مستقل لا يجب أن تضعه فى مقارنة مع آخر، الا أننى لم أمنع نفسى طوال مشاهدة فيلم «حرام الجسد» للمخرج خالد الحجر من مقارنته مع فيلم «نوارة» للمخرجة هالة خليل، وهناك ثلاثة أسباب لذلك، أنهما يعرضان فى توقيت واحد بالقاهرة «موسم الربيع السينمائى»، بل فى قاعتين متجاورتين فى أغلب المجمعات السينمائية، وأنهما ينتميان لسينما المؤلف، فكلا الفيلمين من تأليف مخرجيهما، كما أنهما يتخذان من ثورة 25 يناير نقطة انطلاق تفجر الحدث الرئيسى فى الفيلمين.
ولكن هذه المقارنة تصب لصالح «نوارة» بدءا من علاقة الفيلم بالثورة، ففى «نوارة» تجد الثورة تعكس أحداثها بقوة على الفقراء الذين حلموا برد الأموال المنهوبة، تأخذهم الأحلام وينتظرون توزيع المليارات عليهم ليحصل كل منهم على مائتى ألف جنيه كما روجت وسائل الاعلام الرسمية «بمنطق خذوه بالظلم يتفرق بالعدل»، فاذا رفعت عن الفيلم حدث الثورة يتهدم بنيانه الدرامى تماما، فهى حاضرة فى خلفية كل مشهد وكل لقطة.
لكن الحكاية مختلفة تماما فى «حرام الجسد» فرغم أن مشهد البداية ينطلق من أحداث جمعة الغضب التى فتحت فيها أبواب السجون وهرب خلالها آلاف المسجونين، من السياسيين والمجرمين، ويكون البطل أحد هؤلاء الهاربين، لكن ماذا يضير الفيلم لو أن البطل هرب من سيارة الترحيلات أو بأى طريقة أخرى فى ظروف بعيدة عن حدث الثورة، بل ماذا يضير الفيلم إذا تخلص من عبء الحدث وصار حرا طليقا «بعيدا عن الشعلقة فى حدث الثورة» الذى نتابعه من المذياع فى بعض مشاهد الفيلم دون أن يكون له سطوة على سياق الفيلم، مجرد حوارات تتردد ومشاهد تمر دون أن يكون لها صدى أو تأثير مثل العلاقة بين صاحب المزرعة الثرى وابنه الذى يشارك فى مظاهرات التحرير، فالأب الذى يمنعه من الخروج ويغلق عليه باب غرفته بالمفتاح، يدفع الشاب للقفز من النافذة ليذهب للميدان، مرددا عبارات جافة لا تشعر بصدقها أو أن لها انعكاسا حقيقيا على الفيلم «أنا حزين أن أهلى من الفلول، ياريتنى كنت ابن البواب»، أو قول الأب لابنه «انتم فاكرين الثورة فيلم رومانسى، أنتم أول ناس هتدفعوا الثمن» أو ما يتردد على لسان حارس المزرعة أكثر من مرة «البلد خربانة ومفيهاش بوليس».
فى «حرام الجسد» يعود المخرج خالد الحجر لفكرة «المخرج المؤلف» ويتصدى لكتابة الفيلم، ورغم تعدد حالات هذه الظاهرة فى السينما المصرية الا أن تجارب قليلة هى التى كتب لها النجاح، فيوسف شاهين بكل عبقريته ظلت لديه مشكلة عدم وصول أفلامه للجمهور لكنه نجح أكثر حين تعاون مع مؤلفين آخرين، مثل «تجاربه الأخيرة مع خالد يوسف وناصر عبد الرحمن».
وفى حالة الحجر تفلت الفكرة منه تماما خلال النصف الثانى من أحداث الفيلم وتدخل فى اطار نمطى يسقطها فى فخ ميلودراما فاقعة «البطلة فاطمة تصاب بالجنون ويدفعها زوجها الى البئر بعدما اعترفت له بعلاقتها مع صاحب المزرعة»، ويغرقا معا على خلفية بكاء الرضيع طفل الخطيئة، المفترض أنه يثير الشجن – لاحظت ضحكات المشاهدين المعدودين بالصالة على مشهد النهاية – وصاحب المزرعة يطلب من الطبيب العناية به وانقاذه من موت محقق.
كما ضاعت من المؤلف المخرج بعض شخصيات الفيلم مثل شخصية الزوجة التى كانت تستحق الاهتمام لنفهم لماذا يلجأ زوجها لاقامة علاقة بالاكراه والتهديد مع خادمة، وتؤديها سلوى محمد على وهى ممثلة لها حضور آخاذ لكنها فى دور زوجة صاحب المزرعة لا وجود حقيقى لها، ليس بعدد المشاهد لكن بتوهجها ولو فى مشهد واحد، وتجد على النقيض من ذلك تجربة هالة خليل كمؤلفة فى «نوارة» فقد أخلصت تماما للفكرة وأجادت رسم شخصياتها فتجد كل دور مرسوم بعناية حتى لو ظهر فى مشهد واحد.
أحداث فيلم «حرام الجسد» يتقاسمها امرأة وثلاثة رجال لتبدو «مقلوبة» من المسرحية الايطالية «جزيرة الماعز» التى أثارت أزمة فى مصر تسعينات القرن الماضى بين المخرجين على بدرخان وخيرى بشارة، قدمها الأول فى «الراعى والنساء» لسعاد حسنى ويسرا وأحمد زكى، وقدمها الثانى فى «رغبة متوحشة» لنادية الجندى وسهير المرشدى ومحمود حميدة عن رجل فى مواجهة ثلاثة نساء داخل مزرعة نائية، بينما الصراع فى «حرام الجسد» يتحول الى صراع حول امرأة بين زوج عاجز، وحبيب سابق هو ابن عم الزوج، والثرى الذى يكتشف خيانة الزوجة ويواجهها بجريمة قتل زوجها ثم يطلب الثمن ممارسة الجنس معها مقابل سكوته عن جريمتهما.
ويبرع فى الأداء وبشكل خاص الفنان محمود البزاوى حارس المزرعة فى شخصية الزوج الطيب الذى يؤوى ابن عمه، ويعكس مشهد شديد المباشرة شخصيته حين يتسلل ثعبان قاتل الى المزرعة فيصرفه بعيدا ليذهب الى حاله دون أن يحاول القضاء عليه أو التخلص منه، هكذا يتعامل مع ابن العم الذى يغوى زوجته.
ويختفى البزاوى فى منتصف أحداث الفيلم، ليظهر ككابوس يطارد الزوجة فاطمة «تؤدى دورها الجرئ ناهد السباعى» وقد عبرت فى مشاهد عديدة عن تمزقها الشديد بين رغبات تعذبها وبين تعاطفها مع زوجها العاجز بفعل السن والمرض، ثم اضطرارها لعلاقة مع صاحب المزرعة الذى يؤدى دوره الفنان الكبير زكى فطين عبد الوهاب الموهوب صاحب الأداء السلس، بينما يختار الحجر الوجه الجديد أحمد عبد الله محمود ليؤدى دور ابن العم الهارب، وقد جاء أدائه منسجما مع ملامحه الحادة وبنيانه القوى فى مشاهد اعتمد المخرج عليها وعمد الى تكثيفها بدافع تجارى بحت مثلما اختار عنوانا لفيلمه ظنه مثيرا، ولكن جاءت أحداث وشخصيات ودراما فيلمه كبضاعة أتلفها الهوى على رأى السيد عبد الجواد بطل ثلاثية نجيب محفوظ.