«أسرة فانغ».. تداخل معقد بين الفن والعائلة
«سينماتوغراف» ـ هناء العمير
عرض الفيلم الأميركي «أسرة فانغ – The Family Fang» لأول مرة في مهرجان تورنتو السينمائي العام الماضي. ورغم أنه من الأفلام التي لفتت الأنظار في المهرجان، إلا أن عرضه التجاري تأخر حتى بدايات هذا العام. وهو مقتبس عن رواية بنفس الاسم للروائي كيفن ويلسون وسيناريو ديفيد ليندسي-أبير، ومن بطولة وإخراج جيسون بيتمان، كما تلعب نيكول كيدمان دور البطولة النسائية. ورغم أن الفيلم ينتمي إلى الأفلام العائلية الكوميدية، والتي تزخر عادة بالكثير من الكليشيهات، لكنه قدم شخصيات ذات بناء درامي جيد وقصة بها قدر كبير من الغرابة والاختلاف.
يبدأ الفيلم بمشهد لعائلة مكونة من أب وأم وطفلين في السيارة -بنت وولد-، ثم نقفز بالزمن الذي لا يقف كثيراً عند حقبة معينة وإنما يتأرجح طوال الفيلم بين الماضي والحاضر. في الحاضر البنت هي آني -نيكول كيدمان- وهي ممثلة ولت أيام تألقها وتعاني من إدمان على الكحول وتجاهد من أجل استعادة نجوميتها، أما الولد فهو باكستر -جيسون بيتمان- وهو أيضاً روائي كتب رواية ناجحة ثم ثانية أقل نجاحاً وغير قادر على إكمال روايته الثالثة. يصاب باكستر برصاصة في أذنه فتقرر المستشفى الاتصال بأبيه وأمه لإخبارهم عن حالته وتطلب منهما الحضور للعناية به في منزله، فيتصل هو بأخته لتنقذه وتحضر إلى بيته حتى لا يبقى وحيداً معهما، وهو ما تحاول آني التهرب منه في البداية، ولكنها تحضر. الأب والأم كما نتعرف عليهما من ذكريات آني وباكستر، هما أصحاب رؤية نخبوية خاصة في الفن وغير معهودة، فأعمالهما الفنية عبارة عن القيام بأعمال تمثيلية وسط الجموع دون معرفة الآخرين بما يحدث، كسطو على بنك أو الغناء وسط حديقة عامة بأغنية عن “قتل الآباء” وغيرها، تنتهي المشاهد التمثيلية بعد أن تحدث قدراً من الدهشة أو الخوف أو الغضب بأن يذكر الأب رسالة معينة لمن يحضر الموقف.
البنت والابن يشاركان في كل المواقف والأب يصور الحدث كما هو. نظريته التي يطرحها في الفيلم أن الفن هو إحداث تغيير أو تحول ما، ولا يجب أن يكون جامداً. عادة ما يشار إلى آني بالطفل “آي” وباكستر بالطفل “بي”. يبدو واضحاً منذ البداية أن هذا الوضع لم يشكل بالنسبة لباكستر وآني طفولة سعيدة، فقد كانا أشبه بآلات تنفذ المطلوب منها، وحتى وإن كان المطلوب هو فن “نخبوي” يكتب عنه البعض أطروحات دكتوراه، فهو بالنسبة للطفلين لم يشكل العلاقة التي يتمنيانها مع والديهما. ما يجعل الأمور تزداد سوءاً هو اختفاء الأم والأب في ظروف غامضة، وهنا يتساءل آني وباكستر إن كان اختفاء عادياً أو تمثيلية جديدة. وهو ما يخلق حالة من الترقب أثناء المشاهدة تستمر حتى اللحظات الأخيرة من الفيلم.
تبدو الشخصيات في الفيلم ناضجة ومدروسة بشكل جيد، وربما يعود هذا إلى أن الفيلم في أساسه مقتبس عن رواية أدبية ناجحة، لكن الحوارات التي تدور في الفيلم حول ما يشكل فناً وما يعتبر فناً جيداً دون سواه، فهناك نقاش يدور في الفيلم بين ناقدين يرى أحدهما أن عائلة فانغ ليست أكثر من مجموعة من المهرجين فيما يرى الآخر أنه فن راق وطليعي. كما أن شخصية الأب -كريستوفر واكن- كفنان هي شخصية غير معتادة كثيراً، فهي شخصية سلطوية تفرض رؤيتها على الجميع، حتى أن الأم -ماريان بلنكيت- تخفي عنه لوحاتها خوفاً من غضبه بأنها تمارس نوعاً آخر من الفنون مختلفا عما يقومان به معاً. كما تتطرق الحوارات إلى طبيعة الفن الجيد حيث نشاهد الأب ساخراً مما يقوم به ابنه وابنته، ولا يرى فيما يقومان به شيئاً ذا قيمة، وهي بالتأكيد حوارات تستدعي التأمل. كما أن الفيلم يطرح تساؤلات حول إلى أي حد يمكن للفنان أن يمضي بفنه على حساب من حوله، ويكشف تعقيد تداخل الواقع بالفن.
ولابد من الإشارة إلى أن أحد عناصر القوة في الفيلم هو الاختيار الجيد للممثلين وتميز الأداء وخاصة كيدمان وبيتمان وواكن. فقد استرجعت كيدمان في الفيلم إمكانياتها الفنية والتي غابت عن كثير من أعمالها الأخيرة، كما أن الدور كان بعيداً عن أي استعراض وإبهار ورغم أنها ممثلة في الفيلم، ولكن دون أثر للنجومية، وقد اتسم أداء كيدمان وبيتمان بالعفوية والصدق. وأثبت بيتمان في فيلمه هذا أنه مخرج جيد يعرف كيف يمسك بمشاهديه منذ البداية حتى اللحظة الأخيرة في جو من المتعة الحسية والعقلية في آن واحد.