Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أحداث و تقارير

** السينما والناس (1) محمد حمودة: ثقافة جمهورنا لا تؤهله لقراءة الأفلام

«سينماتوغراف» ــ أسـامة عسل

حينما يطرح الفنان المبدع تساؤلا من خلال عمله الفني الإبداعي، فإنه لا يفعل ذلك لمجرد التساؤل فقط بل ليثير التفكير في المتلقي، ومن ثم يتفاعل العمل الفني مع الواقع والحياة.

والفيلم السينمائي كأي عمل إبداعي لا يمكن فصله عن الزمن الذي ولد فيه، فالزمن يفرض نفسه ويضع بصمته على العمل الفني سواء أراد المبدع ذلك أو لم يرد، فالزمن يعيش فينا كما نعيش فيه ويؤثر فينا كما نؤثر فيه.

ولكن هناك أعمالا سينمائية قديمة تتعدى ذلك الزمن وتبوح أحيانا بالمستقبل وتوقعاته، وتفاجئنا بما تحمله من معلومات وأمور نقف أمامها في حيرة كيف لم نقرأ ذلك من قبل؟، فقراءة الأفلام تحتاج إلي مجهود واستكشاف وثقافة ومعرفة بالعناصر الفنية المستخدمة، وهي أمور تضيف متعة وإبهار إلي العمل، وتعتمد على وسائل أخرى (كتاب ،مجلة، برنامج تلفزيوني) للوصول إلي مفاتيح الأفلام للدخول إلي عالمها وهي مفردات أصبحت للأسف مفقودة في زمننا الحالي.

اليوم نقترب مع ضيف متخصص يلقي الضوء أكثر على جوانب العمل السينمائي، حيث يأخذنا في رحلة يستعرض خلالها آراءه وتطلعاته لعلاقة السينما بالناس.

محمد حمودة مقدم تلفزيوني مصري يعمل حاليا في تلفزيون الشارقة، درس في معهد السينما بالقاهرة عام 1973 وكان من أساتذته في ذلك الوقت محمود مرسي ومصطفى درويش، يعتز كثيرا جدا بكون المخرج عاطف الطيب هو الذي علمه أساسيات السينما، لكنه خرج بعد ذلك من المعهد دون أن يكمل مسيرته ليتجه إلي دراسة الطب البيطري.

لقطة من فيلم المومياء للمخرج شادي عبد السلام

 من ذكرياته التي لا ينساها في مجال عشقه للسينما التحاقه بمدرسة المخرج المبدع شادي عبد السلام لمدة 14 عاما تعلم فيها كيف يشاهد أفلاما ويحللها، وكيف يفكر ويحدد تكوينات الصورة ودلالاتها.

من هذه الخلفية جاءت فكرة برنامجه (مواقف سينمائية) الذي قدمه على شاشة الشارقة الفضائية عامي (1997 ـ1998)، وخلال 4 دورات متوالية عرض أكثر من 60 فيلما عربيا، عرف الناس كيفية قراءة الأفلام من خلالها معنى اللقطة وعناصر الفيلم من قصة وسيناريو وحوار وصورة وديكور وإضاءة وصوت، هذا بخلاف التمثيل وتكنيك الإخراج، وجاء اختيار تلك الأعمال مما توفر في مكتبة التلفزيون خلال ذلك الوقت، وهي أفلام متنوعة لا تنتمي لمدرسة واحده بل لمدارس فنية متعددة ولعدد من الكتاب والفنانين والمخرجين، ولكنها في مجملها تقدم رؤية لتطور وتنوع الفكر السينمائي والأساليب الفنية.

وخلال لقاء لـ(سينماتوغراف) مع محمد حمودة كانت هذه الوقفات السينمائية التي تحدث فيها عن الأفلام وكيفية مشاهدتها.

1ـ منهج ورؤية

 (سحر السينما يكمن في قدرتها على اكتشاف ما وراء الواقع والحقيقة أو على قراءة الحياة، وفي قدرتها على إثارة لانتباه والوعي والتفكير فيما يطرح أمامنا على الشاشة وبالتالي في حياتنا).

يرى محمد حمودة أن المكتبة العربية تفتقر إلي الكتاب السينمائي المتخصص الذي يقود المتفرج إلي مشاهدة الأفلام وكل ما هو موجود يعبر من وجهة نظره، عن نقد سينمائي يواكب ظهور الأعمال وبالتالي يكون سريع وانطباعي أكثر من كونه تحليلي ويعتمد على منهج ورؤية.

 ويؤكد انه رغم ظهور مجموعة من النقاد أبرزهم علي أبو شادي، كمال رمزي، سمير فريد وأحمد بهجت قدموا عددا من الكتب السينمائية التي يمكن أن تكون دليلا أو مرشدا للمتفرج العربي لإعادة مشاهدة الفيلم برؤية مختلفة، لكن تعتبر هذه الكتب قليلة جدا مقارنة بمجالات أخرى، بخلاف أن الناس يفضلون رؤية الفيلم بدلا من القراءة عنه ويمثل هذا مشكلة أمام النقاد في كيفية تقديم كتاب عن السينما يجذب القراء تماما مثلما يجذبهم الفيلم إلي مشاهدته.

وفي فترة من الفترات كانت هناك مجلات عن السينما، وأغلبها أيضا يميل إلي الجانب الصحافي أكثر من الجانب السينمائي، وللأسف الشديد اختفت هذه الإصدارات من عالمنا العربي لعدم وجود القارئ الذي يقرأ عن السينما وضعف التمويل الذي هدد استمرارها وأوقف صدورها في أوقات كثيرة.

ومشكلة الكتاب والمجلة، يراها “حمودة” تنعكس كذلك على البرنامج التلفزيوني الذي يتابع السينما وافتقاده إلي جذب المشاهد وتعريفه بالأفلام، وما يحدث الآن يعد استسهالا ودعاية عن أفلام (التوب تن) دون تدقيق أو فحص وتحليل.

لقطة من فيلم الزوجة الثانية للمخرج صلاح أبو سيف

2ـ معنى وهدف

(العمل السينمائي مهما اتفقنا معه أو اختلفنا عليه، لا ينفصل عن الواقع ولا يخرج عن إطار الحياة، بل هو جزء من هذا الواقع واستعراض بصري لجزء من الحياة على الشاشة).

رؤية خاصة اجتهد محمد حمودة العمل عليها في برنامجه التلفزيوني “مواقف سينمائية”، مؤكدا أن نمط ما كان يريد قوله هو وجهة نظره في قراءة الفيلم والتي طرحها على المشاهد ليفكر معه، هل فعلا كان المخرج يقصد استعراض هذه القضية، وكيف استطاع أن يشرحها ويوضحها من خلال عناصر الفيلم المختلفة إلي جانب الأداء وحركة الممثلين، ويسترسل حمودة قائلا: حاولت أن أقرب هذه العناصر من الجمهور بحيث عندما يشاهد الفيلم يطبق بعض الأشياء البسيطة التي طرحنها في البرنامج فيرى العمل بوجهة نظر مختلفة، وهي ليست مجرد مشاهده بل مشاهده وتحليل للتأكيد على أن ما يراه ليس شيئا عشوائيا بل كل لقطة وحركة لها معنى وهدف، ومثال على ذلك فيلم (على من نطلق الرصاص) تأليف رأفت الميهي وإخراج كمال الشيخ، نلاحظ أن اتجاه دخول أو ظهور الشخصيات كان مقصودا للتعبير عن كفتي الميزان، الشخصيات السوية (الخيرة) أو التي على حق من وجهة نظر المخرج تدخل يمين الكادر في حين أن الشخصيات المدانة الفاسدة (الشريرة) دائما على اليسار، إنها إشارات قد تبدو بسيطة ولكن دلالتها عميقة تعبر عن رؤية المخرج للصواب والخطأ، للمصيب والمخطأ.

وفي فيلم (الزوجة الثانية) للمخرج الرائع صلاح أبو سيف، نرى مشهد ما قبل النهاية وهو ولادة (فاطمة ـ سعاد حسني) وقد استخدم المخرج فيه القطع المتوازي والانتقال من لقطة إلي أخرى تتشابه معها في الحركة وإن اختلفت في المضمون، فنجد في لحظات الولادة التي تعبر عن التناقض بين الحياة والموت، ينتقل من يد فاطمة التي تقبض على الفراش في ألم، إلي يد (العمدة ـ صلاح منصور) تقبض على الفراش في ضيق وغضب وعجز، ثم نسمع صرخة الوليد أو صرخة الحياة والانتصار، فيلفظ العمدة أنفاسه كمدا وقهرا أو هزيمة للظلم والاستبداد.

لقطة فيلم في شقة مصر الجديدة للمخرج محمد خان

3ـ كواليس الأفلام

(كثير من الأعمال السينمائية كان لها دور في التنبيه والتحذير من الأخطار التي تهدد المجتمع، كما دق العديد منها ناقوس الخطر أو أضاء الضوء الأحمر للقضايا والمشكلات التي تخنق أحلام المواطن البسيط).

يعكس محمد حمودة هذا المنطق على القنوات المتخصصة للأفلام والتي يصل عددها إلي أكثر من عشرة ويسأل: هناك برامج على هذه القنوات تتناول أخبار الفنانين وكواليس السينما فلماذا لا يوجد برنامج تلفزيوني يقدم قراءة لفيلم سينمائي؟، ويجيب عن جزء من سؤاله قائلا: قراءة الأفلام صعبة لكن الجمهور الغير مؤهل لها يحتاجها في ظل وجود 80% من الأمية في عالمنا العربي، وطبيعة البرامج التلفزيونية استهلاكية لكن يجب أن لا تستخدم الفضائيات للترفيه والإلهاء فقط، بل يجب أن يكون لها دور حيوي في التثقيف والإعلام.

ويفند الرأي الذي يرى أن الأفلام الحالية سطحية وبلا مضمون ولا تطرح رؤية في ظل هوجة الضحك للضحك ومخاطبة الغرائز بأفلام الأكشن والإثارة، بقوله: أن وحيد حامد ما زال قادرا على أن يقدم فكرا، وفيلم مثل “عصافير النيل” لمجدي أحمد على  يجب قراءته بتمعن، ومحمد خان الذي غاب عشر سنوات عاد أخيرا إلينا بفيلميه “بنات وسط البلد” و “في شقة مصر الجديدة”، فهذه الأعمال والتوجهات يجب الدخول من أجلها في معارك للمطالبة بفن حقيقي ومشاهد مثقف.

4ـ الأفلام العربية

(لأن السينما فن مرئي يعتمد في المقام الأول على الصورة ولأن الصورة تقول الكثير فعلينا ونحن نشاهد فيلما أن ندع الفرصة لعيوننا تفكر في ما نرى فما نراه على الشاشة ليس مجرد صور تتابع بل أفكار ورؤى تتجسد).

هذا ما ينادي به محمد حمودة الجمهور ويطالبه بالتركيز في مشاهده الأفلام العربية أولا قبل الأجنبية، لأنه كما يرها هي الأقرب والمعبرة عن مجتمعاتنا المتشابه حتى في شكل وطرح القضايا والأفكار، ومن ثم الأفضل أن نفهم أنفسنا قبل أن نفهم الآخرين، وعلينا تقبل واقعنا والتفكير لتطويره بدلا من الانبهار بالغرب الذي يقدم قضاياه، وعندما يرانا فهو يشاهدنا من وجهة نظره ودائما من بعيد ومن فوق وربما بتعالي شديد وأحيانا بسطحية.

دماء على الاسفلت
لقطة من فيلم دماء على الأسفلت للمخرج عاطف الطيب

5ـ صرخة تحذير

(الفن ليس محاكاة للواقع حتى وإن بدا كذلك بل هو أشبه بالمجهر الذي يكشف ما قد يخفى عن العيون، وفيلم “دماء على الإسفلت” واحد من تلك الأعمال الفنية التي تتناول واقعها بهذه الرؤية المجهرية التي ترصد وتحلل).

تقديم لافت أراد من خلاله محمد حمودة قراءة هذا العمل الذي قدمه المخرج عاطف الطيب عام 1992 في ثاني لقاء له مع الكاتب أسامة أنور عكاشة بعد فيلمهما الأول”كتيبة الإعدام” عام 1989، وهو يرى أن فيلم “دماء على الإسفلت” حي وكأنه يناقش قضايا عام 2010 وليس زمن عرضه فقط، حيث يرصد التغيرات التي طرأت على المجتمع وتأثيرها في الأخلاق والقيم والعلاقات الإنسانية والسلوك والنفوس، حيث كان اتهام الأب في هذا الفيلم بجريمة لم يرتكبها، مجرد إشارة أو مدخل لكشف النقاب عن جريمة أو جرائم فساد أكبر وأخطر، جرائم ارتكبها الكبار في حق الأبناء والمجتمع، فالسكوت أو التعامي عن الفساد فساد والبعد عن الأبناء والتعامي عن تصرفاتهم جريمة جعلتهم يسقطون في هاوية الإدمان أو التطرف أو الانحراف، وقد أدان الفيلم كل شخصياته بلا استثناء بل أدان المجتمع من خلالهم، وعكست أحداثه قضايا كثيرة مثل الغربة في الوطن وهي أقسى وأخطر على النفس من البعد والابتعاد عن الوطن، الفساد في الأذواق والأفعال، والتجارة في أجساد الأحياء والأموات، قضايا طرحت علينا سؤلا مهما هل كان الفساد سببا في هذه التغييرات الاجتماعية والانقلاب الذي حدث في المجتمع أم أن هذه التغيرات هي التي أفرزت الفساد؟.

ولهذا يعتقد “حمودة” أن الفيلم كان واحدا من صرخات التحذير المبكر التي أطلقها بعض السينمائيين خوفا وهلعا مما يمكن أن يسفر عنه قادم الأيام وهو ما كان، وهنا تتجلى قيمة الفن سواء في رؤيته للواقع أو في استشراف المستقبل، ويؤكد مازحا: لو كنا شاهدنا الفيلم بوعي زمن عرضه ربما كنا تلافينا كثيرا من الأخطاء التي حدثت وأوصلتنا إلي ما نحن فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى