** السينما والناس (4) جمعة الليم: جمهور اليوم خيالي وسينما زمان واقعية
«سينماتوغراف» ــ أسامة عسل
الرقابة وظيفة حساسة تحاول التوفيق بين المبدع والمجتمع من حوله، البعض يقف ضدها ويراها ضد مبدأ الإنسان الذي بطبيعته يرفض من يراقبه، والبعض الآخر يكتشف ضرورتها حماية للأخلاق والرسائل المدسوسة التي تحاول تخطي الخطوط الحمراء لإحداث بلبلة أو إعمال توجه ما مقصود ومغرض.
ولأن السينما فن جماهيري لا يمكن قصره على الخاصة، أو على عدد قليل من الناس ومشاهدوها ينتمون إلي كل الفئات والمستويات، وبسبب تأثيرها الوجداني والعاطفي الذي تملكه كوسيلة اتصال وإعلام وإمتاع ودعاية وترويج، أصبح وجود الرقابة بأي مسمى ودرجة ضرورة لغربلة كل ما هو مخالف وضد القيم والعادات والأعراف والدين.
اليوم يأخذنا ضيف مسؤول ومتخصص كي يوضح الصورة أكثر ويقترب من موضوعات الأفلام وعالم السينما وعلاقتها بالناس بعيدا عن مقص الرقيب.
جمعة الليم، مدير إدارة المحتوى الإعلامي بوزارة الإعلام الإماراتية، عاشق للأفلام ومتابع لها ليس من واقع مهنته التي تتطلب منه مشاهدة الأعمال وتقييمها والإفساح عنها، ولكنه يتعدى ذلك بالسفر إلي دول مثل مصر وأميركا لرؤية الأفلام والاستمتاع بها كمشاهد قبل جلبها إلي الإمارات.
يرى أن الجمهور حاليا أكثر ثقافة وإطلاعا على كل صغيرة وكبيرة تخص السينما، حيث يرتبط بالنجوم وشركات الإنتاج واستوديوهات التصوير، ويعرف مواعيد انطلاق الأفلام في صالات العروض قبل صدورها بشهور.
يتدخل بالنصح والإرشاد لأولاده حول الأبعاد والأشياء التي قد تكون أعلى من إدراكهم عن الأفلام ثم يترك لهم حرية الاختيار، لأنه يؤمن بأن دور الأسرة قبل الرقابة التي تحافظ على كيان المجتمع والدولة.
وفي لقاء مع جمعة الليم، كانت هذه الوقفات التي أخذنا فيها إلي المسموح والممنوع في عالم الأفلام وكواليسها وموضوعاتها المثيرة وكيف يشاهدها الناس.
1 ـ طقوس وتأثيرات
(لا توجد لدي طقوس معينة حينما أذهب إلي السينما، ولكنني أختار الأفلام التي تسترعي انتباهي، وأجمع معلومات عنها وأشاهدها إما بشكل شخصي أو عائلي على حسب توجه كل فيلم).
بتلك الجملة بدأ جمعة الليم حديثه عن نوعيات الأفلام المحببة إليه قائلا: أفضل الأعمال التي تتصل بالجوانب التاريخية أو التي تتناول السيرة الذاتية للعظماء الذين كان لهم تأثير على حركة التاريخ البشري، كما أحب أيضا أفلام المغامرات وأحيانا أشاهد الأفلام الكوميدية كنوع من إراحة العقل والتخفيف من ضغوط الحياة، ولازلت أواظب على الذهاب إلي السينما لمشاهدة أفلامي المنتقاة، رغم أن لدي في المنزل شبه سينما مصغرة عبارة عن غرفة صغيرة بها جهاز عرض “دي في دي” وشاشة كبيرة ومجلس يشعرني بأجواء صالات العرض نفسها.
وعن تأثير السينما في الناس يرى الليم بأن الأمر يختلف باختلاف فئاتهم العمرية، حيث تؤثر الأفلام في النواحي الوجدانية والعاطفية لدى الأعمار التي تكون في فترة المراهقة وتصل المشاهدة أحيانا ببعضهم إلي حد إدمان الذهاب إلي السينما، كما أن الأفلام تساهم في تشكيل وجدان وأفكار فئات عديدة من الجمهور خاصة فيما يتعلق بالجوانب العاطفية والمعارف العقلية والمعلومات التاريخية، وكذلك الأفلام الكوميدية تضفي راحة وتغيير على نمط السلوكيات وتدفع إلي إزالة التوتر والغضب بالضحك، وهذا التأثير قد يتراوح بين السلب والإيجاب حسب رد فعل وتأثر كل فرد.
2 ـ متعة المشاهدة
(المشاهدة الشخصية تختلف عن مشاهدة الأداء المهني الذي يضع في اعتباره القطاع العريض من فئات المشاهدين وثقافاتهم ودرجة الوعي من شريحة إلي أخرى، وقيم وعادات المجتمع).
يفضل الليم الفصل في المشاهدة بين النوعين، لكنه يترك العنان لنفسه كي تستمتع عندما يذهب إلي السينما خارج الإمارات، مع إعمال عقله في تدوين ملاحظات حول هذه الأفلام واللقطات والمشاهد التي لا يتقبلها الجمهور وقد تسيء إليهم وتخدش حيائهم وتتناقض مع أخلاقهم العامة وعقائدهم وثوابتهم الاجتماعية، ليقرر ما الذي سوف يسمح به أو يمنعه عندما يتم جلبها للعرض داخل الدولة.
يسترسل قائلا: أميل دائما إلي الأفلام العربية وأتابعها جيدا وتأخير وصولها إلي صالات السينما المحلية يدفعني أحيانا للسفر إلي القاهرة لمتابعتها وقت طرحها، أما الأفلام الأميركية فلا يمكن إنكار سيطرتها على سوق السينما العالمية بتقنيتها العالية وإنتاجياتها الضخمة وبالتالي أنتقي منها ما يتلاءم مع ما أريد وتحديدا الأعمال الرومانسية مثل “ذهب مع الريح” و”تايتنك” ومؤخرا “رسائل إلي جوليت”، ويأتي في ثالث متابعاتي الأفلام الهندية التي تتميز بمناظرها الطبيعية وقصصها الإنسانية الممزوجة بالاستعراض والأغاني ذات الإيقاع الجميل والمؤثر.
3 ـ ثقافة الجمهور
(ثورة الاتصالات التي تتسم بالسرعة الفائقة والتكنولوجيا الحديثة من فضائيات وشبكة الانترنت أثرت إلي حد كبير في تقبل أشياء كثيرة كانت فيما قبل من المحظورات، وشكلت ثقافة الجمهور).
يشير جمعة الليم إلي أن المشاهد اليوم من وجهة نظره يجنح إلي السرعة والخيال، وهذا يتضح من تيار أفلام الأبعاد الثلاثية التي تصور الخيال واللامعقول على أنه جزء مما سوف يحدث في المستقبل القريب، هذا خلافا لزمن مضى كانت فيه سينما الرومانسية وتيار الواقعية الجادة هي السائدة ولها الغلبة في شباك التذاكر.
ينصح الليم الجمهور عند مشاهدة الأفلام في صالات السينما أن يعرف بعض المعلومات من الانترنت عن العمل الذي قرر رؤيته، ثم يفكر فيما يشاهده ولا يستسلم لكل ما يعرض عليه، هذا بخلاف أن معرفته لأسماء المخرجين والممثلين والشركات المنتجة للأفلام يوجهه إلي الإنتاج الجيد، الذي تنشط حركة الفكر والنقد ويرتقي بالثقافة وينميها.
4 ـ الأفلام العربية
(القضايا العربية لا زالت غائبة عن الإنتاج السينمائي العربي، وقد تمس بعض الأفلام قضايا مجتمعية محدودة تتعلق ببعض الأقطار كمصر وسوريا ولبنان ولكن بتقنية وأداء لا يرتقي إلي مستوى الجودة والإبداع).
يؤكد جمعة الليم أن السينما العربية ما زالت تلهث وراء الأعمال الأميركية بتقليد وتعريب واقتباس وبتقنية متخلفة نسبيا، كما أن الأفلام المعلبة والتي هدفها الربح السريع من خلال الإنتاج التجاري الذي لا يزال يسيطر على مفهوم سوق السينما المصرية، جعل حالة الارتباك تهيمن على صناعة كان لها وجود ودور كبير قديما، وفي كل الأحوال لم يظهر حتى الآن من يملأ فراغ صلاح أبو سيف أو يوسف شاهين أو هنري بركات وغيرهم من العلامات المميزة عربيا في تاريخ الفن السابع، ومن الأفلام العربية التي أعجبت الليم فيلم “عسل أسود” للنجم أحمد حلمي، والذي يقول عنه: يتناول موضوعه نظرتنا السيئة لأنفسنا واحترام الأجنبي على حساب أبناء البلد الذين يتم معاملتهم بطريقة مزرية، حيث يلاقي بطل الفيلم كل احترام على أساس كونه أميركي، وحينما يفصح عن هويته المصرية لا يلاقي إلا المعاملة السيئة والتحقير، ومن خلال أحداث الفيلم نشاهد قصة شاب مصري أمريكي يفكر في زيارة مصر بعد غياب أكثر من عشرين عاما، وبالفعل يحمل جواز سفره المصري الذي يتسبب له فيما بعد في العديد من المفارقات المضحكة لدرجة البكاء، ليكتشف من خلال هذه المواقف مدي تغير المواطن المصري خلال السنوات الماضية، ومدي تغير سلوكه وكيف تحول إلي إنسان فهلوي ونصاب، إلا أنه رغم فهلوته واستغلاليته لا يزال يتمتع بالدفء والشهامة، وكيف أن العائلة في مصر لا يزال لها تأثيرها علي الفرد وكيف أن أجواء العائلة تستطيع أن تداوي الكثير من آلام الحياة رغم قسوتها.
5ـ مقص الرقيب
(الرقابة لا تعمل بمفردها و ترتعي جوانب الحرية الذاتية والاختيار الحر ولكنها تهتم بالعرض الجماهيري وتعبر عن توجهات المجتمع التي قررها المشرع في قانون المطبوعات والنشر).
مقدمة أجاب من خلالها جمعة الليم عن مبررات المنع التي صاحبت بعض الأفلام مؤخرا، ومنها كما يقول تلك النوعية التي تثير العداوة بين فئات المجتمع مثل الفيلم الهندي “لمحة” الذي كان يتناول الصراع السياسي والعقائدي في كشمير ويصورها وكأنها “سجن جميل”، وهذا الفيلم أنتج في “بوليوود” ويعرض جوانب حساسة للحياة في الجزء الكشميري الذي تديره الهند وقصته تمس العلاقة بين السياسيين والمثقفين والعسكريين والمسلحين الذين بسبب ممارساتهم يقتل الأبرياء، ورغم أنه سمح بعرضه في الهند، تم رفضه في الإمارات كونه مثير للجدل وحتى لا يحدث ردود أفعال غاضبة داخل الجاليات الهندية والباكستانية والكشميرية التي تعيش هنا، ما قد يؤدي إلى بلبلة واضطرابات.
كذلك الحال بالنسبة لفيلم “الجنس والمدينة” والذي حصل حوله ضجة تناولتها وسائل الإعلام الأجنبية مع تمرير معلومة أنه تم تصويره في أبوظبي، وهذا خطأ لأنه لم يسمح له بذلك وصور كاملا في الصحراء المغربية، وأثيرت ضجة أيضا حول منعنا له والحقيقة لم نمنعه لأننا لم نشاهده ولم يعرض علينا أساسا ومن الواضح أن الشركة الموزعة أرادت استثمار ذلك في الدعاية والترويج للفيلم.
6ـ إبهار أميركي
(السينما وجدت من أجل الترفية والمتعة، ويلزم صنع ذلك مؤثرات وخدع وتقنيات تضفي على العمل جمالا يصاحب عرضه على الشاشة الكبيرة، وهوليوود تجيد هذا المجال وتتفوق فيه).
يترجم جمعة الليم وجهة نظرة من خلال الفيلم الأميركي”2012″، وهو خيال علمي يحكي عن تحقق أسطورة شعب المايا ودمار الأرض في عام 2012، بسبب ظاهرة كونية تسبب مجالا مغناطيسيا قويا يذيب قلب الأرض فتحدث البراكين والزلازل المدمرة، ونجح الفيلم في تجسيد تلك الكارثة التي تحل بالأرض وكانت متقنة جدا وجعلت المشاهد يدخل في الحدث وكأنه جزء منه فيشعر بالخوف في أحيان كثيرة خصوصا عندما تنهار البنايات والجسور بشكل واقعي برعت فيه السينما الرقمية وتقنيات الحاسوب والتطور الكبير في عالم الخدع السينمائية الذي بات يعطي نتائج مذهلة تجعل المشاهد لا يصدق أنها ليست حقيقية، ومن الواضح جدا أن المخرج راهن على تلك المشاهد في إنجاح الفيلم وتشويق الجمهور للإقبال على مشاهدته وصدق توقعه.