** السينما والناس (11) بلال البدور: دور الثقافة تفعيل وعي الجمهور بالسينما
«سينماتوغراف» ــ أسامة عسل
الثقافة السينمائية تأتي في أولوية علاقة السينما والناس، لأنها تلعب دوراً مهماً في إيجاد ذائقة فنية عامة، تجعل من فن الفيلم ليس فقط مجرد حاجة لتحقيق الإمتاع والتسلية، بل مصدراً ثقافياً ومعرفياً ذا تأثير في تشكيل وعي الأفراد تجاه الكثير من الرؤى والمواقف والقضايا.
من هنا فإن المؤسسات والهيئات المنوط بها هذا الدور، يقع على عاتقها نشر وتعميم تلك الثقافة، من خلال الندوات والأنشطة وفتح نوادي السينما، وصنع حالة حراك لتشمل كافة الدوائر الثقافية والتعليمية والشبابية وإقامة الورش التعليمية والفنية. واليوم نلتقي مع ضيف مسؤول يلقي الضوء أكثر على هذا الجانب، ويأخذنا في رحلة يكشف من خلالها انطباعاته عن الأفلام، كيف يشاهدها ويتأثر بها؟.
بلال البدور سفير الإمارات في الأردن نموذجاً نادراً من المثقفين الذين امتزج حب الثقافة بكل تفاصيل حياتهم، وارتبط اسمه بالحياة الثقافية في الإمارات، فهو مسيرة من العطاء والإخلاص والتفاني، يرى أن الأفلام الأميركية تقنية أكثر من كونها قصة تحمل هدفاً وقيمة، وهذا ما يدفعه إلى مشاهدة الأفلام المصرية التي اقترب كثيراً منها في فترة دراسته بالقاهرة بداية السبعينات، من خلال (سينما الترسو) المتميزة بتقديم ثلاثة أفلام في البرنامج الواحد.
يعترف بأنه لا يناقش ولا يوجه أولاده إلى ما يشاهدونه من أفلام، متبعاً مقولة الشاعر:( مُنعتَ شيئاً فأكثرتَ الولوع به أحبُ شيء إلى الإنسان ما مُنعا) معتمداً على تربيتهم الجيدة ومقدرتهم على معرفة الصواب من الخطأ، محترماً عصرهم ومغرياته، لكنه أحياناً يحاول جذبهم إلى الأفلام القديمة من باب العلم بالشيء.
يحب الأفلام الاجتماعية مثل «أفواه وأرانب»، ويعشق الكوميديا ونجومها، إسماعيل يس والريحاني وعادل إمام وعبد المنعم مدبولي، كما يعتقد أن الإخلاص وحب العمل قديماً تفوق على تكنولوجيا الأفلام الحديثة المرتكزة على الإبهار والخدع. وخلال لقاء كان لـ (سينماتوغراف) مع بلال البدور وقفات، استعاد فيها ذكرياته عن الأفلام وعلاقتها بالثقافة والناس.
زمان واليوم
(سينما اليوم تجارية، أما سينما زمان فكانت للفن فقط، وكانت دائماً ما تحرص على تقديم رسالة موجهة للجمهور، وكان الفنانون يقدمون أعمالاً على أعلى مستوى لأنهم كانوا موهوبين).
مقدمة قارن من خلالها بلال البدور بين سينما اليوم وزمان، مؤكداً أنه لو كانت تقنيات السينما الحالية موجودة قديما، لكان قد أصبح لدينا أفلام عالمية، وفي استطراده لتاريخ وجود السينما بالإمارات وإقبال الجمهور عليها قال: كان عدد صالات السينما في الماضي محدوداً جداً، فقد بدأ ظهور دور السينما في الإمارات في بداية الخمسينات من خلال سينما «الوطن» التي كانت في ميدان بني ياس (عبد الناصر حالياً وبالتحديد مكان مبنى الترويج السياحي)، ثم انتشرت دور العرض لتشمل «سينما ديره»، «سينما دبي»، و«سينما الشعب» في دبي، وسينما وحيدة في الشارقة كانت بعد جسر الخان يسار الطريق إلى الروله، إلى جانب سينما أخرى في أبوظبي، هذا بخلاف بعض الأجهزة الخاصة لعرض الأفلام السينمائية والموجودة عند الشيوخ وبعض التجار، وكان الناس تتسابق إليها لمشاهدة الأفلام العربية والهندية والتي كانت متداولة في ذلك الوقت أكثر من الأميركية.
أما في العصر الحالي فالوضع اختلف فهناك عشرات المراكز التجارية وفي كل منها عشرات صالات السينما، وأصبحت الأفلام تعرض في توقيت طرحها عالمياً، وهذا انعكس على مفاهيم الناس التي تغيرت وتغير تبعاً لها المجتمع، وبالتالي أصبحنا نرى أن شريحة جمهور السينما مركزة فقط في الشباب، في حين كان كبار السن قديماً هم من يواظبون على مشاهدة الأفلام، واختلفت تبعاً لذلك معايير انتقاء الأعمال، فمثلاً الإقبال الحالي على الفيلم الأميركي يرجع أساساً إلى شيوع اللغة الإنجليزية كمادة دراسة وتدريس والتي أوجدت نوعاً من الثقافة لهذه اللغة.
ثقافات مختلفة
(الأفلام السينمائية حديثة الإنتاج ذات مستوى فني مرتفع، ولكن أفلام زمان كانت تترك أثراً عند الكبار والصغار، وعندما نشاهدها نجد أن مواضيعها وقضاياها تستحق التأمل والرصد).
بتلك الجملة عبر بلال البدور عن نوعية الأفلام التي تشكلت من خلالها عواطفه وميول أبناء جيله في المرحلة الشبابية أيام الدراسة، حيث اطلع على كثير من الثقافات المختلفة، ومنها كما يقول: الأفلام والموسيقى والأغاني الهندية وكان أولها فيلم «سانجام» وبعدها «سوراج» وحتى «ماسح الأحذية» و«من أجل أبنائي» و«الشقيقان» وأيضاً «الفيل صديقي».
يشير البدور إلى أن الأفلام الكلاسيكية القديمة للسينما المصرية مازالت تسيطر علي عقل وعين وذهن المشاهد العربي، وعندما يعرض أفلام الأبيض والأسود على الشاشة الصغيرة ـ ينجذب لها كل الأجيال ـ سواء جيل الكبار من الذين تعايشوا عصر إنتاج تلك الأفلام أو اقتربوا من سنوات عرضها أو من جيل الشباب الصاعد والذين تتراوح أعمارهم في العشرينات، ما يؤكد أن أفلام «الأبيض والأسود» هي الأبقي والأفضل والأكثر انتشاراً.
الأيدي الناعمة
(إذا راجعنا أفلام الريحاني الكوميدية سنجد فيها طابعاً مميزاً مختلفاً له مذاق طيب، وسط أفلام زمان، وهو يمثل ادواراً مثل الأستاذ حمام مع ليلى مراد في «غزل البنات» أو «سي عمر» مع ميمي شكيب).
بهذا التحليل الموجز يقول بلال البدور: إن مهمة التمثيل في حياة الشعب العربي حتى الخمسينات كانت مقتصرة على جانب واحد ألا وهو الترفيه والتسلية ، إما عن طريق الفيلم الكوميدي وإما الفيلم الغنائي ـ سينمائياً ـ أو عن طريق المسرح بجانبيه الكوميدي والاستعراضي، فقد أمتعتنا ليلى مراد وأسمهان وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم وصباح ونور الهدى وتحيه كاريوكا وشادية ومحمد فوزي بالكثير من الاستعراضات الغنائية الممتعة والتي لم نعد نحس بوجودها فيأفلام هذا الزمان.
والشيء الجدير بالتنويه أن التغييرات بدأت في مضمون القصة السينمائية أواخر الخمسينات والتي استوجبتها بعض الإجراءات في الهيكل الاجتماعي والسياسي بحياة شعوبنا العربية، حيث بدأ الارتباط بين الأدب القصصي والمسرحي بشكل عام وبين الفن السينمائي والمسرح، وكانت ابرز القصص الأدبية التي عولجت سينمائياً في تلك الفترة قصة توفيق الحكيم «الأيدي الناعمة» التي تحكى قصة «برنس قديم» على وشك الإفلاس يعاني من عقدة العاطلين بالوراثة ويتصرف مع اقرب المقربين إليه على ذلك الأساس، حتى يقع في حب فتاة من بنات الطبقة المتوسطة فتغير كل طباعه القديمة وتجعل منه إنساناً جديداً يعمل مثله مثل الآخرين ويأكل لقمته من عرق جبينه.
إسماعيل يس
(مازالت أفلام إسماعيل يس هي المادة المفضلة لي ولدى قطاع عريض من الجمهور في مصر والعالم العربي، لأنه استطاع أن يرسم البسمة على شفاه الجماهير بفضل ملكاته ومواهبه المنفردة).
يشير بلال البدور إلى أن 30% من الأفلام التي قدمها نجم الكوميديا كان وراءها المخرج فطين عبد الوهاب، وكانت تحمل أغلبها اسم إسماعيل يس، حيث أنتجت له الأفلام باسمه بعد ليلى مراد، ومن هذه الأفلام إسماعيل يس في متحف الشمع ـ إسماعيل يس في الجيش ـ إسماعيل يس في البوليس ـ إسماعيل يس في الطيران، ولازمه في هذه الأفلام الممثل رياض القصبجي الشهير بالشاويش عطية.
حيث كانت مشاهدهما ـ ولا تزال إلى الآن ـ محطة مهمة في تاريخ الكوميديا والتي يستمتع بها الجمهور حتى الآن.
ولإسماعيل يس مشاهد لا ينساها البدور سواء في أفلام قام ببطولتها أو قدم الدور الثاني فيها، ومنها فيلم «دهب» الذي أخرجه أنور وجدي والذي قدم فيه مشهداً صامتاً من فن «البانتوميم»، عندما يندمج في أكل »المكرونة» الوهمية، وشرب الشوربة التي لا وجود لها.
وكذلك فيلم «الآنسة حنفي» لفطين عبد الوهاب الذي يكتسب قيمة فريدة سواء بكشفه عن سلبيات الرجل «الشرقي» المصر على حقه في الهيمنة على المرأة ـ إسماعيل يس قبل أن يتحول إلى الآنسة حنفي ـ أو بكشفه عن إصرار المرأة على انتزاع حقوقها ـ إسماعيل بعد تحوله إلى آنسة ـ وبلمسات إسماعيل يس الساحرة وبأدائه الكاريكاتوري خصوصا في مشاهد الحمل والولادة، ما زال الفيلم قادرا على إثارة الضحك حتى الآن.
محاكاة الأدب
(الإجابة التي قد لا يتفق البعض عليها حول الأفلام العربية الحالية، تتخلص في أن ضعفها يعود أولاً وقبل كل شيء إلى ابتعادها عن محاكاة الأدب من ناحية، وابتعادها عن الواقع ومشاكله من ناحية أخرى).
رؤية أكد من خلالها بلال البدور ضرورة العودة إلى الروايات الأدبية مثلما كانت قديما في أعمال نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس والتي لعبت دورا مؤثرا في قيم المجتمع، معبرا عن رفضه للأفلام الأميركية التي تحمل قيما وعادات لا تتناسب مع مجتمعاتنا العربية، لذلك يطالب بضرورة تفعيل دور الثقافة من أجل توعية الجمهور وصنع حالة حراك سينمائية.