هل يحقق فيلم «أسطورة طرزان» النجاح المنشود؟
الوكالات ـ «سينماتوغراف»
يبرهن فيلم “أسطورة طرزان”، وهو أحدث عمل سينمائي مأخوذ عن تلك القصة ذات الطابع المناصر للاستعمار التي كتبها إدغار رايس بوروز، على أنه من غير الممكن إجراء تعديلات ذات طابع حداثي على تلك القصة، كما يقول الناقد السينمائي سام آدامز في تحليله للفيلم والذي يقول فيه.
يمثل فيلم “أسطورة طرزان” أحدث فيلم يتناول شخصية طرزان؛ ذاك البطل الشجاع قوي البنية الذي يتأرجح من شجرة لأخرى، والذي ابتكرته قريحة الكاتب إدغار رايس بوروز.
ويشكل العمل محاولة مخلصة وحسنة النية للتعامل مع مسألة الإرث الاستعماري الأوروبي في أفريقيا. وهو كذلك فيلم نرى فيه رجلاً يلكم غوريلا ويصارعها. وبوسع المرء هنا القول، إن الفيلم في حالة حرب مع نفسه.
ولكنها حربٌ تشتمل على جنودٍ، ليس بمقدورهم أن يدركوا تماماً هوية من يقاتلونه، أو أن يعلموا من يُرجح أن يسقط في الوحل ويُدق عنقه، ومن سيستطيع أن يُطلق النار دون وجود عوائق أمامه.
العمل الجديد من إخراج دافيد ييَتس، وكتبه آدام كوزاد وكريغ برور. وقد كان من الأدق، وإن أقل اقتصاداً في استخدام الكلمات، أن يحمل الفيلم اسم “أسطورة أسطورة طرزان”.
وبمتابعة قصته التي تدور أحداثها في القرن التاسع عشر، نجد أن بطله جون كلايتن (يجسد دوره الممثل ألكساندر سكارسغارد) هو بالفعل بطل شعبي ذو صيت دولي، فهو نبيل إنجليزي؛ تولت القردة تنشئته وتربيته قبل أن يعود إلى موطنه الأصلي.
هناك يقابل كلايتن جندياً أمريكياً، يُدعى جورج ويليامز (يجسد دوره صمويل إل جاكسون)، لا يمانع في القتال تحت أي راية، من أجل جني المغانم وحب المغامرة. وقد جاء ويليامز لإقناع بطل الفيلم بالعودة إلى الكونغو البلجيكية، وهو الاسم الذي كان يُطلق على المنطقة التي باتت تسمى الآن جمهورية الكونغو الديمقراطية، إبان استعمار بلجيكا لها.
ويبرر الجندي الأمريكي هذه الدعوة بالقول إن كلايتن هو “ابن أفريقيا المفضل”. ولا تخفى في غمار أحداث “أسطورة طرزان”، السخرية الكامنة في هذا النعت، الذي يخلعه على كلايتن؛ الذي يجسد دوره ممثل أسود البشرة، طالما ظهر في سلسلة أفلام الأبطال الخارقين التي تنتجها شركة مارفل.
وفي واقع الأمر، ولفترة ما، يبدو أن ييَتس ورفاقه نجحوا في فهم كيفية إعادة صياغة هذه القصة الخيالية المناصرة للاستعمار، التي كتبها إدغار رايس بوروز، بحيث تتلائم مع مقتضيات العصر الحديث.
ويبدأ الفيلم بمشهد يُظهر قائداً بلجيكياً صعب الإرضاء، يتقدم جنوده وهم يسلكون جميعاً طريقهم وسط الضباب المخيم على الغابة. ويحفل المشهد بلقطات موحية وعابقة بروائح شتى: جثث لجنود مُعلقة على صلبان ُمرتجلة، نُصبت باستخدام بنادقهم هم أنفسهم.
ويظهر في ذلك المشهد كذلك، أحد أبناء القبائل الأفريقية، وهو يحدق في عدسة الكاميرا، بشكل لا يمكن للمرء مقاومة تأمله، بينما تجثم على رأسه، وعلى نحو يثير الاستغراب، قبعةٌ تخص أحد المستعمرين من بيض البشرة.
لكن للأسف، فرضت الأهمية الملحة التي تكمن في إنتاج فيلم قادرٍ على تحقيق إيرادات كبيرة في شباك التذاكر، نفسها على النوايا النبيلة لـ”أسطورة طرزان” في كل الجوانب.
فنحن – كمشاهدين – نُدفع للشعور بالاستهجان حيال القائد البلجيكي الذي يُدعى رَم (يجسد دوره كريستوف وولتز)، وهو القائد الذي يُظهره أول مشاهده في العمل، وهو ينتزع زهرة أفريقية بعنف من ساقها. وهو كذلك من يستخدم مسبحة مجدولة من خيوط العنكبوت كسلاح هجومي، وذلك في لمسة تحمل طابع طراز “الروكوكو” الفني الذي ظهر في القرن الثامن عشر.
وفي مشهد آخر، يقف رَم على ضفة الماء، بينما يثب مسلحو القبائل الأفريقية خارجين منه من تحت قدميه؛ في لقطات متفاوتة السرعات، تدور كلها بأسلوب التصوير البطيء، الذي يتعسف المخرج في استخدامه على مدار أحداث العمل. وبفعل هذا المؤثر البصري، يبدو الرجل أسمى من مرتبة البشر، بينما يظهر المسلحون الخارجون من الماء، أدنى من هذه المرتبة مكانة.
لكننا نلتقي في وقت لاحق بشخصيات أفريقية أكثر كرماً ولطفاً، يتمثلون في هؤلاء القرويين ذوي الوجوه البشوشة، الذين يوفرون المأوى لجون كلايتن، بعد العثور عليه جريحاً ومضروباً في الغابة.
رغم ذلك، فإن فتاة بيضاء ابنة مبشر أمريكي، هي التي تُمرِضُه وتعتني به حتى يسترد صحته، قبل أن يتزوجها في ما بعد. وتُدعى الفتاة جين (تجسد دورها مارغو روبي). ورغم أننا هنا، بصدد قصة تتداخل بشكل لا ينفصم مع تاريخ علاقة أوروبا بـ”القارة السمراء”، فإن الأفارقة الحقيقيين، يُنحون خلالها جانباً باستمرار.
كما يعاني الفيلم من مشكلات أخرى، مثل عجزه عن تحديد ما إذا كان يريد تقديم كلايتن، على شاكلة أقرب إلى شخصية جيمس بوند، أم أشبه بشخصية “أكوامان” (الرجل المائي)، وهو من بين الأبطال الخارقين للقصص المصورة.
ولو أن “طرزان” كان سيصبح في أفضل حالاته إذا ما قُدم بنفس الطريقة، التي جسد بها مايكل دوغلاس شخصية مهرب طيور أمريكي غريب الأطوار، يخوض مغامرات في الغابات ضمن أحداث فيلم “رومانسينغ ذا ستون” (مغازلة الصخرة) الذي أُنتج عام 1984.
على أي حال؛ فإن طرزان في فيلمنا هذا لا يستطيع فقط التحدث إلى الحيوانات، وإنما بوسعه إصدار أوامر لها أيضا، بل إن عبارة آمرة مثل “أقدِموا على الغزو”، تُستخدم في مخاطبة هذه الحيوانات، دون أن يبدو في ذلك الاستخدام سخريةً ما.
بل إن المطاف ينتهي بـ”طرزان” إلى أن يحشد جيشاً يضم أنواعاً حيوانية متباينة، لصد تدفق القوات التي يقودها “رَم”، إذ أن اجتياح هذه القوات من شأنه أن يؤدي فعلياً إلى جعل الكونغو البلجيكية بأسرها بقعة مُستعبدة.
وربما ينتظر المشاهد عبثاً وبفارغ الصبر أن تنكشف حقيقة “رَم”، وأن يظهر أنه ليس سوى “إرنست ستافرو بولفِلد”، تلك الشخصية الشريرة التي تظهر في أفلام وروايات جيمس بوند.
من جهة أخرى، بمجرد بدء كلايتن التقافز من شجرة لأخرى، والحديث مع التماسيح، يبدو ما جاء في مستهل الفيلم من مؤشرات تظهره على أنه عمل ذو طابع واقعي، أمراً خادعا، إن لم يكن أحمقَ بكل ما في الكلمة من معنى.
في لحظة ما، تتركز الكاميرا لبعض الوقت، على عربة قطار بضائع، أشبه بشاحنة مغلقة، تكتظ بأنيابٍ للأفيال، ثم نرى لاحقاً عربة قطار أخرى، تحمل هذه المرة رجالاً أفارقة مُكبلين بالأغلال. ولكن الكاميرا تنتقل بعد ذلك، لترصد مشهد مطاردة سطحياً يفتقر للحماسة، أو إلى مواجهة ما؛ بين القائد البلجيكي الشرير ذي الشارب الكث، و”جين” رهينته المفعمة بالتحدي.
وبطبيعة الحال، يأخذ هذا الرجل بطلة الفيلم رهينة: ولكن في ظل كل اللمسات المعاصرة التي يتضمنها الفيلم، فإن حبكته تبدو كما لو كانت مأخوذة من أحد أفلام السينما الصامتة ذات الطابع الميلودرامي.
وهنا يمكن القول إن اللقطات التي يتضمنها الفيلم، وتظهر فظائع هائلة لدرجة تجعل من العسير تفسيرها، تبدو أشبه بأوراق صحف تُدس لسد الصدوع التي يعاني منها العمل، وكأنها زركشة جديدة أُضيفت على ثوب باهت وبالٍ.
وفي بعض الأوقات، يبدو المخرج ييَتس بحاجة شديدة ومستميتة لإضفاء طابع حيوي ومثير على الأحداث، عبر أساليب إخراجية، من قبيل تصوير محادثة بين كلايتن والجندي الأمريكي ويليامز، في سلسلة لقطات ذات طابع يجعلها أشبه بالدوامات المائية المتلاطمة.
وهو ما لا يضيف شيئاً يُذكر للمشهد نفسه، بل يجعل المشاهد يشعر بشيء من “دوار الحركة”، وهو ذلك الشعور بالغثيان الذي ينتاب البعض عند ركوبهم وسائل المواصلات أحياناً.
وربما تشكل مثل هذه الأساليب الإخراجية وسيلةً لتعويض المشاهد مقدماً عن مشاهد الحركة في العمل، التي تتمثل في مزيجٍ باهت، بين لقطات عديمة التأثير أُعدت باستخدام الكمبيوتر، وعضلات منحوتة وبارزة في بطن بطل العمل، فرغم أن عضلات جذع الممثل سكارسغارد، الذي يجسد شخصية طرزان مثيرة للإعجاب بالفعل، فإنها لا تبدو بحق بنية جسم محتملة لرجل كان يعيش في تسعينيات القرن التاسع عشر.
وهكذا، تبدو شركات الإنتاج السينمائي الكبرى قد باتت – وعلى نحو متزايد – تهتم بالحفاظ على كيانها وعلامتها التجارية من خلال الأفلام التي تنتجها، وتولي مضامين وقصص هذه الأفلام اهتماما أقل.
وما “أسطورة طرزان” سوى أحدث حلقة في هذه السلسلة البالية. فقد تم إنتاج الفيلم عن طرزان، لأنه دوماً ما كانت هناك أعمال سينمائية تتناول هذه الشخصية، وليس بفعل وجود سبب مقنع يوجب إضافة عمل جديد لسلسلة الأفلام التي جرى إنتاجها بالفعل على هذا الصعيد.
فالفيلم الجديد يبقى في جوهره مجرد قصة شخص أوروبي أبيض البشرة، يؤكد ويفرض سيطرته، وإن بإحسان، على كائنات أفريقية برية ووحشية. ورغم وجود متسع على الدوام لتعديل مثل هذه القصص، ولو بغير براعة، كما حدث مع فيلم “كتاب الأدغال” المأخوذ عن قصة الكاتب روديارد كِبلينغ، فإن جوهرها يظل باقياً دون تغيير.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن الناس دائما ما تحتاج لقصص تقرأها أو تشاهدها، لكن طبيعة القصص التي نحتاجها تتغير، وأحيانا يختفي بعضُ ما هو قديمٌ منها، نظراً لأن الاحتياجات التي يعالجها أو الأفكار التي يتضمنها لم تعد قائمة، لذا ربما يكون الوقت قد حان لأن ندع طرزان يتلاشى عائداً إلى قلب غابته.