رحلة «آليس عبر المرآة» لبلاد العجائب.. كابوس
«سينماتوغراف» ـ محمد جابر
في النصف الأول من عام 2010، حققت شركة “ديزني” أكبر نجاحاتها في شباك التذاكر، حين جلب فيلم Alice in Wonderland، وبشكلٍ غير متوقّع، أكثر من مليار دولار حول العالم كعائدات، ما دفع الشركة لشراء حق تحويل رواية الأديب، لويس كارول، الثانية عن الفتاة “آليس”، من أجل إنتاج جزء ثان يحمل اسم Alice Through the Looking Glass.
في الفيلم الجديد، تعود “آليس” لبلاد العجائب مرة أخرى، ولكن عبر مرآةٍ سحريَّة هذه المرَّة، وليس عبر جحر الأرنب، لتدخل في صراع مع شرير الفيلم الذي يسمى “الوقت”، وهو اسم شخص وصفته بشكل لحظي وآني ومباشر، حيث سيقوم بتحريك الساعة بطريقة سحريَّة، فتتحوَّل “أرض العجائب” إلى مكان بور، ويُهلَك كل من فيها، ويصبح على “آليس” أن تستعين بأصدقائها من أجل منع ذلك المصير.
هناك شيءّ أساسيُّ مفقودٌ في هذا الفيلم، وهو الشيء نفسه الذي منح الجزء الأوَّل نجاحه الساحق، هذا الأمر هو: الدهشة. “آليس في بلاد العجائب” لم يكن فيلماً جيداً، تقييماته بالنسبة للجمهور والنقَّاد مُنخفضَة، بشكل مُقارب حتى للجزء الحالي. ولكن، هناك عدّة ظروف ساعدت على ارتفاع عائداته في شباك التذاكر، منها، مثلاً، أن، جوني ديب، بطل الفيلم، كان في قمَّة تألّقه، ومنها، أن التنفيذ البصري، لـ”عالم العجائب” الذي نعرفه جميعاً منذ الطفولة، ورأيناه مراراً في مسلسلات كرتونيّة، ورسومات أطفال، جاء مثيراً للانتباه. وكذلك، فإنَّ فكرة تحويل القصص الكلاسيكيَّة لأفلام ذات ميزانية ضخمة لم تكن مطروقة.
وفي كل ذلك، كان الشيء الأساسي، هو: الدهشة. دهشة الكائنات والتفاصيل والألوان التي لا تنتهي، والعالم ثلاثي الأبعاد، تلك الدهشة، جعلت ملايين حول العالم يذهبون لمشاهدة “آليس”، وهي تذهب إلى بلاد العجائب. في المقابل، وبعد 6 سنوات، لم يذهب أحد مرة أخرى لمشاهدتها. حقق الفيلم الجديد فشلاً كبيراً (لا يقارن فشله إلا بنجاح الجزء الأول!) في شباك التذاكر. لأنه لو كان، جوني ديب، قد فقد جزءاً من جاذبيّته ونجوميّته، وصارت القصص الكلاسيكية بميزانيات ضخمة موجودة بكثافة كل عام، ولو كانت الدهشة قد فُقدت أيضاً، بعد مشاهدتها في فيلم سابق، فلماذا سيذهب الناس إلى بلاد العجائب مرة أخرى؟ أليست رحلة واحدة كافية؟
رحلة واحدة كانت كافية تماماً، لأن الجزء الجديد “آليس عبر المرآة”، لا يَعِد المشاهد بأكثر من مشاهدة نفس الكائنات التي يعرفها. “ماد هاتر” أو “الملكة الحمراء” أو “الملكة البيضاء”، أو حتى القطة التي تختفي، والكائنات الأخرى.
هناك تعويلٌ كبيرٌ على نفس عوامل نجاح الجزء الأول، بدون مراعاة أن تلك العوامل قد استُنفِدت فعلاً، ومرَّت ست سنوات كاملة، تغير خلالها الكثير من مزاج الجمهور، والأفلام التي تجذبه. وحتى حين يحاول الفيلم تحقيق مغامرة، أو صراع مع “الوقت” من أجل إنقاذ بلاد العجائب، يحدث ذلك أيضاً بشكل كاريكاتيري تماماً، لا يملك شرير الفيلم “ساشا بارون كوهين”، أي جاذبية أو قدرة على تهديد عالم العجائب بشكلٍ يُصدّقه المشاهد، كي يتماهى مع الصراع.
ومع كل تلك العوامل، وضعف الكتابة، والتعويل الإخراجي على المؤثرات والإبهار التقني الذي لا يتضمَّن أي تجديد، فإنه لم يسبق، ربما، لكل ممثّل في هذا الفيلم، أن كان مقيداً كما كان في هذا الفيلم. فكلَّ ما كان مطلوباً منهم، هو استنساخُ التفاصيل التي أعجبت المشاهدين في شخصيّاتهم خلال الجزء الأول. فيظهر، جوني ديب، بالمكياج المُكثَّف وهو متردِّد وقلق، وتظهر، آن هاثاواي، بريئة وملائكيَّة وساذجة، وهيلينا بونهام كارتر، غاضبة ومزعجة وعالية الصوت، ولا شيء أبعد من ذلك، للدرجة التي بدوا فيها أحياناً مقلدين وليسوا ممثلين، فيكملوا بدورهم عناصر الفشل المختلفة التي تضافرت في هذا الفيلم، لتصبح رحلة “آليس” الثانية لبلاد العجائب مجرد كابوس.