«الفرقة الانتحارية».. يفتقر إلى الحبكة وعلاقات الشخصيات ببعضها
«سينماتوغراف» ـ محمد جابر
قبل عدة أعوام، قررت شركة “DC كوميكس” منافسة شركة “مارفيل كوميكس”، وخلق عالمها الخاص من الأبطال الخارقين، إذ أظهرت الأرقام أن أفلام الأبطال الخارقين هي النوع الأكثر رواجاً وجلباً للإيرادات في شبابيك تذاكر السينما حالياً.
وفي مقابل Avengers وشخصيات “مارفيل” مثل “الرجل الحديدي” و”كابتن أميركا” و”هالك” وغيرهم، كان لدى “دي-سي” شخصيات أكثر شهرة وتاريخاً، فبدأت السلسلة الممتدة والموصولة ببعضها في عدة أجزاء عام 2013 بفيلم Man of Steel، قبل أن تعود في عام 2016 بفيلمين ينتميان لنفس العالم، وهما Batman v Superman: Dawn of Justice الذي عرض في مارس/ آذار الماضي، وفيلم Suicide Squad (الفرقة الانتحارية) الذي يعرض حالياً في دور السينما.
وارتبطت الأفلام الثلاثة ببعضها البعض من ناحية الأجواء القصصية. وتم بناء أسطورة “سوبر مان” في الفيلم الأول، وهو بطل خارق قادم من السماء يخوض صراعاً أرضياً مع عدو غير أرضي. وفي الفيلم الثاني، يدخل “باتمان” إلى نفس العالم، ويتحديان معاً، أي هو و”سوبر مان”، “ليكس لوثر”، والوحش الخارق الذي صنعه. وأخيراً، فيلم Suicide Squad الذي يبدأ من حيث انتهى فيلم Dawn of Justice، وذلك بعد وفاة “سوبرمان”، وخوف الحكومة الأميركية من قدوم عدو فضائي خارق، وعدم قدرتهم على مقاومته. ولذلك، تقترح العميلة “أماندا والر” الاستعانة بحفنة من المجرمين الخطرين الذين يمتلكون قوى خارقة، من أجل أن يكوِّنوا فرقة انتحارية هدفها الدفاع عن الأرض. وحين يبدأ الهجوم الخارق على الأرض، يتعين على كل بطل أو مجرم من الشخصيات الستة في المجموعة أن يقرر إن كان سيكمل أم سيهرب.
هناك مشكلة واضحة في هذا الفيلم، وعالم “دي سي” بشكل عام، وهي عدم شعور المشاهد بأي جهد حقيقي مبذول من أجل خروج الأفلام في أفضل صورة. واعتمدت الشركة فقط على جاذبية الشخصيات والأفكار المثيرة من قبيل: ماذا لو جمعنا “باتمان وسوبرمان” في فيلم واحد؟ أو ماذا لو كان الأبطال الخارقون مجرمين بالفعل؟ ولكن لم يُبذل أي مجهود حقيقي لتحويل هذه الأفكار الجديدة إلى منجز سينمائي مكتمل. وتشاركت الأفلام الثلاثة في هذه الخصيصة دون استثناء، وربما يكون فيلم Suicide Squad أسوأها على الإطلاق.
اعتمد فيلم Suicide Squad بشكل كامل على صفات الشخصيات دون الاهتمام بأي شيء آخر، سواء الحبكة أو التفاصيل أو تعميق شخصية العدو الشرير أو حتى علاقات تلك الشخصيات ببعضها. استُغرِق حيز كبير من أحداث الفيلم في تقديم الشخصيات الستة الرئيسية المكوّنة للفرقة. ولأن مدة الفيلم محدودة، ولأن هذه الإطالة في التقديم، في عالم “دي سي”، هي بالدرجة الأولى أجل استخدامهم في أفلامٍ لاحقة، فإن كل شيء يحدث بارتجال وارتباك شديد، واعتماد على “فلاش-باك” من ماضي الشخصيات. جرى كل هذا على الشاشة بشكل ضعيف جداً، ودون أي رابط حقيقي بين التفاصيل. وبالمقارنة مع “مارفيل”، وهي مقارنة منطقية طوال الوقت، فإن تقديم شخصيات Avengers استغرق بالفعل 4 سنوات، و4 أفلام كاملة، وذلك من أجل لحظة جمعهم في فيلم واحد، ثم التأسيس لسلسلة ممتدة. فأصبح المشاهد يعرفهم ويرتبط بهم. وحاولت الأفلام المنفردة أن تضع مجهودها في صياغة حبكة وروابط بين الشخصيات، وليس مجرد تقديمهم. أما في هذا الفيلم المشترك، فتم تقدم تاريخ وحاضر 6 شخصيات كاملة دون وجود أي تركيز على علاقاتهم مع بعضهم البعض.
وبدا هذا الأمر واضحاً عند النظر لشخصية “الجوكر” التي أداها الممثل الحاصل على الأوسكار، غاريد ليتو. ونالت شخصية “الجوكر” حظاً كبيراً من التقديم في دعايات الفيلم، قبل أن تظهر الشخصيّة في الفيلم باهتة جداً، ليس فقط بدورها الصغير الذي يحاول استغلال شهرة ونجاج “الجوكر”، وتحديداً بعد هيث ليدجر في فيلم The Dark Knight عام 2008، ولكن أيضاً، بدورها الذي لا يؤثر في الأحداث، والذي يمكن حذفه بالكامل دون أن يتغير المسار شيئاً، وهي المشكلة الحقيقية التي تختصر أزمة الفيلم.
ولم يتعلق هذا الضعف فقط بمرحلة في الفيلم تخصّ تقديم الشخصيات، ولكنه ظل يؤثر على كل الخيارات اللاحقة بلا استثناء، فالحبكة سطحية جداً، وتصرفات الشخصيات داخلها ممتلئة بالثغرات و”الكليشيهات” المتوقعة. وتصميم الشخصيّة الشريرة الفيلم، سواء من الناحية التقنية على صعيد الشكل والحركة، أو من الناحية القصصية التي لها علاقة بالكتابة، لم تنل أي قدر من الاهتمام، وذلك لأن صناع الفيلم، وعلى رأسهم الكاتب والمخرج ديفيد آير، مهتمون فقط بالصورة السطحية لستة مجرمين يكوّنون فرقة تدافع عن الأرض. وكان هذا الأمر سيفلح قبل 10 سنوات على الأقل، وربما كان سيضع الفيلم في مستوى فيلم ضعيف مثل Fantastic Four (2005) مثلاً، ولكن حتى أفلام الكوميكس والأبطال الخارقين تطورت بمراحل عن كل هذه التفاصيل.
ومع نهاية الفيلم، لا يبقى منه شيء. وبدت التجربة بالكامل وكأنهم فعلاً “6 شخصيات تبحث عن مؤلف”، كتطبيق حقيقي لاسم المسرحية الإيطالية الشهيرة، إذ إن كل ما في Suicide Squad، هو شخصيات يتم تقديمها، ولكن دون وجود مؤلف أو مخرج يضمهم بشكل حقيقي في قصة وحبكة وفيلم.
وإن كان العمل قد حقق نجاحاً تجارياً، فإن التقييمات المنخفضة جداً من النقاد والجمهور، على حد سواء، ستضرّ بأفلام “دي-سي” على المدى الأبعد. وفي حين أصبحت “مارفيل” هي علامة جودة وإتقان ومجهود، ستصبح “دي-سي” وشخصياتها علامة على الاستسهال وأفلام الأبطال الخارقين التي تجاوزها الزمن.