«زهرة حلب» التي أذبلها الإرهاب في تونس
الوكالات ـ «سينماتوغراف»: مليكة كركود
في أول عرض له ضمن فعاليات أيام قرطاج السينمائية قبل عرضه بالقاعات التونسية شهر نوفمبر المقبل، يضع فيلم “زهرة حلب” للمخرج التونسي رضا الباهي، صورا لليأس المطلق لأم تكافح لوحدها من أجل إنقاذ ابنها الوحيد، الذي سقط في مستنقع الأصولية والتطرف، ليهجر حياته بحثا عن مثالية افتقدها في المحيطين به، ويذهب للجهاد في سوريا حيث الطريق نحو الشهادة والجنة. قصة مؤثرة تحكي واقع آلاف الشباب التونسي الذين غرر بهم باسم الدين.
قصة “زهرة حلب” التي تبدأ جميلة وتنتهي بسقوط جميع أوراقها، تدور أحداثها داخل أسرة تونسية من الطبقة المتوسطة، تعيش كحال العديد من العائلات التونسية “صراع” طلاق حتمته ظروف وحسابات اجتماعية. امرأة مطلقة، تعمل كممرضة مسعفة تؤدي دورها الفنانة التونسية التي غابت عن الساحة السينمائية طيلة سبع سنوات هند صبري، أب يسري الفن في دمه، ليصير العائلة التي يستأنس الجلوس معها برفقة قارورة نبيذ، وابن، حاله كحال أي شاب تونسي أو عربي في مثل سنه، يعشق الموسيقى، يحب رفقة فتاة جميلة ويحن لذكريات بفرنسا بلد الحريات والفن، تميز في أداء دوره التونسي الشاب، باديس الباهي.
الفيلم الذي يغيب عن المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية برغبة من مخرجه، لأنه يريد أن يكون جماهيريا، هو من إنتاج تونسي سوري، يتناول على مدار 105 دقيقة، الآثار الإنسانية التي يخلفها رحيل شاب تونسي للجهاد من دون الدخول في متاهات وتجاذبات الحسابات السياسية لما يحدث على أرض الواقع في سوريا، وذهاب والدته إلى أرض الجهاد لاسترجاع ولدها الوحيد فتعبر الحدود التركية نحو الأراضي السورية مخفية هدفها الحقيقي تحت قناع مناضلة إسلامية.
وبعد أحداث متتالية، تقوم سلمى (البطلة) بالانخراط في جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة حيث تجد نفسها بين المصابين والمحظيات يظل ثباتها والتزامها على قدر هوسها باسترجاع ابنها ..
وفي مشاهد صادمة، نكتشف من خلالها مكانة المرأة في الجماعات الجهادية، يتيه فيها المشاهد بين بشاعة تنظيم “الدولة الإسلامية” وجبهة النصرة، ليتساءل للحظات أيهما أقل بشاعة وجرما؟ تجيب البطلة بنظرات تعكس حرقتها من فقدان ابن لم تعرف كيف تحميه: كلاهما عملة واحدة، الدم.
وبلهجة تونسية، تحضر فيها اللغة الفرنسية كثيرا، فضل “زهرة حلب” أن يعالج الموضوع من نظرة مجتمعية، تكشف الحالة النفسية التي تجعل الشخص ينطوي عن نفسه ويبحث عن أسئلة لأجوبة وجودية كثيرة، ومثالية لم يجد لها أثرا في المقربين منه، وتفضح البيئة التي يصطاد فيه الأصوليون والمتطرفون فريستهم لتقديمها قربانا للإرهاب وتعري الآثار التي يتركها في كل من يحيطون به.