بالصور: احتفالية مصرية تونسية في قرطاج علي شرف يوسف شاهين
تونس ـ انتصار دردير
كما لو كان موجودا بينهم، الكل تحدث عنه وكأنه لازال حيا، فرغم سنوات رحيله البعيدة الا ان ذكراه كانت حاضرة في قرطاج، الذي احتفي في خمسينيته بيوسف شاهين المخرج الكبير الحائز علي التانيت الذهبي قبل اكثر من اربعين عاما عن فيلمه الاختيار، كان الحضور قويا من ابطال افلامه وتلامذته واصدقائه، من بينهم جميل راتب، عزت العلايلي، محمود حميدة، خالد النبوي، سيف عبد الرحمن، جابي خوري، يسرا اللوزي، درة وتلميذه النجيب خالد يوسف، والناقد طارق الشناوي، المنتج محمد العدل، سيد فؤاد رئيس مهرجان الاقصر الذي اعد معرصا لصور وافيشات شاهين بالتعاون مع ايام قرطاج السينمائية.
ادار هذا الحشد الناقد اللبناني ابراهيم العريس الذي قال انني لست بحاجة لتقديم شاهين اليكم ولا لذكر فضله علي السينما العربية والمصرية فهو من اتاح للسينما العربية والشخصية المصرية الوصول الي العالم، واضاف: ان شاهين يهتم بالممثل قبل الكاميرا، وافلامه تمثل علامات في تاريخ السينما ونذكر منها باب الحديد الذي يعد اهم فيلم في تاريخ السينما قبل المومياء.
واعطي الكلمة للفنان عزت العلايلي الذي قال ان شاهين المخرج والانسان لاتكفيه جلسة واحدة، فلم يكن ظاهرة فقط بل كان في عمق الاحداث السياسية والفنية، وروي العلايلي قصة اختياره بطلا لفيلم الأرض التي جاءت بالصدفة ثم تجربتهما معا في فيلم الاختيار الذي جاء عقب نكسة 67 وكيف اساء الجمهور استقبال الفيلم في البداية، فقال ذلك ليوسف شاهين الذي طمأنه بأن الجمهور سيستوعب الفيلم فيما بعد، كما تحدث عن مشروعهما الذي لم يتم وكان فيلما من بطولة أم كلثوم، واضاف ان صداقة عميقة ربطت بينهما حتي اخر يوم في حياة شاهين.
وتحدث الفنان محمود حميدة عن علاقة شاهين بالممثل وتجربته معه في افلامهما الاربعة المهاجر والمصير والآخر واسكندرية نيويورك، وقال كنت اتعامل معه مثل ابي فهو مربي ومعلم وقد رحل في نفس الاسبوع مع ابي، وكثيرا ما اختلفت معه وكنت اقوم بتغيير جملة الحوار وكان يوافقني.
لكن يسرا اللوزي اعترفت بانها احبت السينما علي يد شاهين، وقالت ببساطة لا اعرف اذا كان ذلك شيئا جيدا ام لا احيانا اشكره واحيانا لا اعرف لان السينما لعنة نحبها ونتعذب بالعمل فيها ولانستطيع الابتعاد عنها، وروت اللوزي تجربتها معه في فيلم اسكندرية نيويورك قائلة كان عمري 16 سنة، وهو في السبعين لكنه كان اكثر حيوية ونشاط، وحدثني عن فيلمه وعن فيلمين اخرين وقال لي هناك قبلة في الفيلم فهل يعترض اهلك، لكن ابي استاذ المسرح كان متفهما وكان يدعوني واحمد يحيي لبيته يسألنا عن رأينا في الفن والسياسة.
وسأل ابراهيم العريس الفنان خالد النبوي هل كنت تدرك ان رام في المهاجر هو يوسف شاهين، فقال النبوي كان رام هو خالد شاهين، مزيج مني ومنه، وهو بالنسبة لي روح السينما، وسقفها العالي، وكنت اسأل كثيرا في فيلم المصير واقول له عن مشاهد غير مريحة لي فيقول انه يعرف ذلك لكنه يتركها حين تدور الكاميرا لابداع اللحظة عنده كمخرج، لذا كانت تجربة المصير اخطر واحلي تجربة سينمائية عشتها ثم وجه خالد حديثه لشاهين قائلا استاذ يوسف ستظل روح السينما وسقفها العالي.
وتحدث الفنان سيف عبد الرحمن مؤكدا انه محظوظ منذ التقي يوسف شاهين يونية 63 وربطتهما صداقة واخوة وابوة، وقد تعلمنا منه الحياة، فقد كان معلما حقيقيا وكان ضد القبح ومع الجمال، كان مصري لكنه عروبي قوي وانتج هنا في تونس السقا مات الذي اخرجه صلاح ابوسيف، كما حصل علي التانيت الذهبي من قرطاج وتعاون ايضا مع السينما الجزائرية، ورغم انه لم ينجب اولادا فقد اعتبرنا كلنا اولاده وكان يحب ممثليه لذا تجدهم معه في حالات لا تتكرر من الاداء.
وتحدثت درة عن تجربتها معه في فيلم “هي فوضي” قائلة: كانت تجربة ودور صغير لكنه فتح لي افاقا كبيرة وجعلني اتخذ قرارا مصيريا بالمجئ الي مصر والعمل بالسينما المصرية بعد ان حصلت علي جواز مرور مهم من اكبر مخرج بها، فهو كما الاهرامات في مصر.
وقال الناقد طارق الشناوي ان شاهين قام بالتدريس له في معهد السينما، وروي كيف انه كتب نقدا عن فيلم سكوت هنصور بعنوان سكوت هنهرج، وتوالي عليه الهجوم بسبب ذلك، وحين التقي شاهين بعد سنوات وسأله في حوار تليفزيوني ماهو اردأ افلامك فقال سكوت هنصور، واضاف ان شاهين كان جريئا في اعترافه، ووصف شاهين انه كان موسيقارا وان الملحن الكبير كمال الطويل قال للشناوي ان شاهين كان يطلب تغييرا في جمله الموسيقية ويرفض كمال وحينما يعود لبيته ويهدأ ويجرب ما طلبه شاهين يكتشف انه الافضل وينفذه، لذا فشاهين أحال أفلامه الي سيمفونية عظيمة، وهو ما اكده جابي خوري ابن شقيقة شاهين ومنتج افلامه الذي روي كيف اختلف شاهين مع الطويل حول جملة موسيقية وركب كل منهما رأسه وكاد كمال الطويل ان يدخلهما السجن، واشار الي ان شاهين كان دقيقا للغاية في عمله وكان يقول حينما اشعر بالجملة الموسيقية صحيحة فان شعر يدي يقف، وعن شاهين المخرج قال كان افضل مخرج يعمل معه المنتج لانه يعمل بالضبط حسابا لكل مشهد ويعرف مايريده منذ مرحلة كتابته للفيلم.
وربما كان الفنان الكبير جميل راتب اقل الحضور كلاما اذ اكد انه لم ينس ابدا ان شاهين كان الاخ والصديق والفنان العظيم، وكان اخر المتحدثين المخرج خالد يوسف الذي قال: عرفته كاستاذ وصديق وابن احيانا وكنت واحدا ممن يستطيعون تهدئته في قمة انفعاله وأسترسل قائلا: يوسف شاهين هو من اكتشفني وازعم انني المخرج الوحيد الذي لم تكن السينما من احلامه وقد كنت احلم ان اكون رئيس جمهورية ونحرر القدس، وحينما دعوته لعرض فيلمه العصفور وكنت رئيسا لاتحاد طلاب الجامعة سألني من انت وكان علي ان اتحدث باستفاضة عن نفسي واسرتي، فقال لي موافق علي الحضور، وبعدما حصلت علي موافقة الجامعة لحضوره عادوا وتحججوا يوم الندوة بظروف القاعة فأخبرته، وقال انا في طريقي اليك المهم عندك رجالة، فقلت نعم، فجاء وهتف معنا حتي اخلوا القاعة وعقدت الندوة وصرت اتردد عليه، فقال لماذا لا تفكر في السينما انت تحكي بصورة مرئية، وبعد تخرجي ذهبت اليه فقال تعالي وحقق احلامك النضالية بها وفعلا تحقق حلمي وقامت الثورات العربية، وانطلق الربيع العربي من تونس الشقيقة ورغم ان اغلب الثورات لم تحقق اهدافها لكني علي ثقة انها ستحققها لانها منطلقة من ارادة الشعوب، واختتم كلامه بقوله مازال شاهين هو باب السينما العالي الذي وضع السينما العربية علي الخريطة العالمية، وفي نهاية الندوة كرم السينمائيون المصريون ابراهيم اللطيف مدير ايام قرطاج وقال المنتج محمد العدل ان شاهين الذي كرمته خمسينية مهرجان كان تكرمه ايضا خمسينية قرطاج التي نقدم لها الشكر نيابة عن نقابة السينمائيين، وقال ابراهيم اللطيف، نحن ابناء شاهين الذين احببنا افلامه وتأثرنا بها ولن نتوقف عن مشاهدتها داعيا الي ترميمها، وموجها شكره لمهرجان الاقصر لمعرض صور افلام شاهين الذي اعده مع قرطاج، واشرف عليه د. محمد حسين بكر الاستاذ بمعهد السينما ويضم لقطات نادرة من افلامه التقطتها عدسه الفنان حسين بكر.