«سينماتوغراف» ترصد انطلاقة جديدة للسينما التونسية في قرطاج 2016
تونس ـ انتصار دردير
شهدت أيام قرطاج السينمائية في نسختها الـ27 انطلاقة جديدة وحضور قوي للسينما التونسية، ليس فقط بعدد الأفلام المشاركة في فاعلياتها المختلفة وانما ايضا بنوعية هذه الأفلام لمخرجين شباب يخوضون تجاربهم الأولي أو مخرجين مخضرمين حققت أفلامهم رسوخا لدي الجمهور، ومن الطبيعي والمهرجان يحتفل بخمسينيته ان تفرز تلك السنوات حصادا سينمائيا ملائما، فالمهرجانات الي جانب دورها في اطلاع الجمهور علي ثقافات سينمائية متعددة المشارب والاتجاهات، تساهم ايضا في الدفع بالانتاج المحلي والمخرجين الموهوبين بتسليط الضوء علي اعمالهم.
وخلال الدورة27 التي تنتهي اليوم برزت أفلام تونسية بشكل كبير بمستواها الفني وفي جرأة ما تطرحه من أفكار وفي صورتها التي طالعناها علي الشاشات، بعضها يعزف علي نغمة السياسة وينطلق من الثورة التونسية التي اسقطت الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وقادت بها ثورات الربيع في المنطقة العربية وبعضها فضل ان يهرب من السياسة الي قضايا اجتماعية أو علاقات عاطفية شائكة.
في مسابقة الأفلام الطويلة مثلت تونس أربعة أفلام هي (شوف، تالا حبيبتي، غدوة خير، و زينب تكره الثلج) الأخير للمخرجة المعروفة كوثر بن هنية صاحبة أفلام الأئمة يذهبون للمدرسة، يد اللوح، شلاط تونس والأخير افتتح تظاهرة السينما المستقلة بمهرجان كان قبل عامين، وفي فيلمها “زينب تكره التلج” المصنف وثائقيا في لائحة المهرجان واراه روائيا بامتياز، فأبطال الفيلم تلك الأسرة التونسية التي تتبع المخرجة رحلتهم من تونس الي كندا التي استقروا بها وتعاملهم مع مجتمع جديد ومختلف خاصة لبطلته الطفلة زينب، كلهم يؤدون أدوارهم كممثلين محترفين، برغم انها تتركهم علي راحتهم في تعاملهم مع الكاميرا فكثيرا ما يتحدثون وهم ينظرون اليها، لكنها في نفس الوقت اعطت تجربتها عفوية كبيرة حين لم تضع حوارات محددة ولاسيناريو ملزم وهذا ان كان يستلزم مجهودا في التصوير للاختيار بين مئات اللقطات في المونتاج لكنه يكسب الفيلم حيوية، وقد ظلت تعمل علي الفيلم لخمس سنوات وهي ترصد علاقة الابنة بطلتها تكبر وتفهم اكتر في علاقتها بالأم وصديقاتها بالمدرسة حتي صارت تحب ثلوج كندا وتتآلف معها بعد ان كانت تكرهها، فيلم كوثر هيكل يسلط الضوء بشكل آخر علي المرأة التونسية في موجهة المجتمع.
بينما يأتي فيلم المخرج مهدي هميلي tala Mon amour ليتخذ من ثورة تونس نقطة انطلاق، اذ انه في ذروة الأحداث التي تعصف بنظام الرئيس المخلوع بن علي يهرب بطله السجين السياسي من السجن ويعود متخفيا لمسقط رأسه، مدينة تالا ليجد مدينته في أوج انتفاضاتها وبرغم كل مايجري وبرغم سعادته بهذه الثورة الا انه يكون مشغولا اكتر بالبحث عن خطيبته حورية عاملة المصنع التي دفعت ثمن موقفه السياسي ونكل بها نظام بن علي انتقاما منه وانتهك حريتها، يتميز الفيلم بايقاعه السريع المستمد من الأحداث المتلاحقة التي شهدتها تونس خلال ثورتها واستطاع مخرجه ان يقدم شريطا جاذبا من البداية للنهاية، ويعد مهدي هميلي الذي انتج فيلمين بالأبيض والأسود حول الحب والمنفي، ليلة البدر واكس مومنت واحدا من المواهب القادمة في السينما التونسية.
في “غدوة خير” والتي تعني ان غدا سيكون أفضل، تتكاثر مشاهد العنف في الشارع التونسي وتتوالي الانفجارات بشكل مرعب ليبحث ابطاله عن لحظة امان، فيما يتفجر العنف بينهم علي مستوي العلاقات ايضا، فالعنف لا يفرز الا مزيدا من العنف، تقع احداث العنف في الحاضر لكن تعود جذوره الي 14 يناير ليلة هروب بن علي، غدوة خير يعيد رسم المصائر المتداخلة لأبطاله الثلاثة في تونس ما بعد الثورة، لكنه يبقي متمسكا بالأمل ان الغد سيكون افضل، فيعطي للجميع طوق النجاة الذي يمنحهم أملا في الاستمرار، وكان لطفي عاشور قد شارك بفيلمه السابق علوش ضمن المسابقة في دورة كان الـ69 .
أما كريم الدريدي يجنح الي طرح قضية تبعد عن السياسة، وتدخل عالم تهريب المخدرات من خلال بطله الطالب الجامعي المتفوق الذي يقتل اخاه علي يد عصابات تهريب المخدرات فيقرر الانتقام لاخيه وينخرط في هذا العالم الذي يقوده الي الهاوية، فيتخلي عن عائلته ودراسته ويوشك ان يكرر تجربة اخيه، وتعد كلمة “شوف” التي يتخذها المخرج عنوانا لفيلمه هي اسم لمراقبي شبكات تجارة المخدرات في مارسيليا، وكان المخرج قد شارك بافلامه في مهرجاني البندقية وكان.
الي جانب هذه المشاركة التونسية القوية في مسابقة الأفلام الطويلة تدفع بفيلمين في مسابقة الطاهر شريعة للعمل الاول وهما “نحبك هادي” لمحمد بن عطية الذي حصل بطله مهدي مستورة علي جائزة التمثيل بمهرجان برلين الأخير، وهو ممثل شاب يؤكد موهبته بأداء بسيط بعيد عن الافتعال فهو الشاب هادي الذي يبدو انه بلا شخصية، ويترك لامه التي تقرر تزويجه من فتاة تعرفها ليخضع لزواج تقليدي، يتقاطع ذلك مع لقائه بناشطة شابة يفاجئ بجرأتها وتقتحم حياته فوجد نفسه معها يتمرد لاول مرة علي رغبة امه واخيه، ولا يذهب لحفل زفافه ويقرر البقاء معها لكنهما يفترقان في النهاية مع قرارها بالسفر وان كان يشعر بأنه اكثر حرية، وقد اخرج بن عطية افلاما وثائقة قبل هذا الفيلم.
والفيلم الثاني هو “آخر واحد فينا” الذي يقدم مخرجه علاء الدين سليم رحلة مليئة بالإثارة لبطله نون المهاجر الذي يعبر الصحراء للوصول الي شمال افريقيا بشكل غير قانوني ويتعرض لعملية سطو، ويحاول الهروب الي اوروبا في قارب بطريقة غير شرعية ويتعطل القارب في عرض البحر ليجد نفسه في غابة كثيفة في مواجهة قوي الطبيعة، يلتقي بكائنات غريبة في رحلة الأهوال، وقد قدم مخرجه عدد كبير من الاأفلام الوثائقية وحصل بهذا الفيلم علي جائزة أسد المستقبل وجائزة احسن اضافة تقنية بمهرجان البندقية 2016 .