«أفراح صغيرة» يبوح بأسرار نساء المغرب في «القاهرة السينمائي»
ـ محمد هاني
«أفراح صغيرة» فيلم للمخرج محمد الشريف الطريبق الذي يرجعه من جديد إلى أسوار مدينة الحمامة البيضاء تطوان، نفس المكان الذي احتضن عمله الأول «زمن الرفاق» (2008)، عاد الطريبق هذه المرة كي يصور تطوان وتاريخ النساء في تطوان، وعندما نسلط الضوء على محمد الشريف الطريبق فاننا نتوقف أمام الكفاح والنضال في السينما المغربية وباعتباره شخصية متفرده تعمل في هدوء، خصوصا ان حبه لسينما جاء قبل كل شئ من النوادي السينمائية، واكتسب خبرته من جعبه أفلام قصيرة متعددة قبل أن يرسم «زمن الرفاق» و«أفراح صغيرة» بتألق.
«أفراح صغيرة» فيلم يستحق التصفيق أكثر من مره، يحكي ببساطة قصّة أرملة تدعى زينب، تضطرّها ظروف الحياة للجوء إلى بيت سيدة ميسورة ماما عينو «الجدة»، وتجلب معها ابنتها نفيسة، وعند إقامتهما في بيت جدتها تبدأ علاقة حب حميمية بين نفيسة وفطومة حفيدة صاحبة البيت.
لم يستطع أحدا ان ينتبه إلى ما كان يحدث بين فطومة ونفيسة، لأن الجميع مشغول بترتيبات زفاف أم كلثوم الحفيدة الثانية للجدة، وبعد الزفاف تعود أم كلثوم للبيت لان الزوج كان يعتقد أنه تزوّج أختها، حيث كانت التقاليد تحرّم على الخطيب رؤية خطيبته قبل الزواج، وتدخل علاقة فطومة ونفيسة في نوع من الشد والجذب بعد انكشاف التزويج المدبر، وهنا يعالج الفيلم، بطريقة سردية، وحبكة جذابة، قصة أخرى لا تقل شغفا، فلا تدخر سيدة البيت جهدا في إسعاد ضيفتها واستطابة خاطرها كلما هَمَّت أو هددت بالمغادرة أو الرحيل.
تدور أحداث الفيلم ووقائعه في فضاءات وأمكنة مغلقة نوعا ما باستثناء بعض المشاهد واللقطات في الشارع، والتي تم تصويرها من زوايا غير مفتوحة، لأن الفيلم يركز على حقبة تاريخية أرغمت صناعه على تجنب الانفتاح على كل ما يمكن أن يشوه الحكاية، وبالذات مع التركيز على عوالم النساء المسكوت عنها والمحظورة خلال تلك الحقبة من التاريخ الاجتماعي للمغرب، ومافيها من ممارسات ممنوعة، نظرا لتعارضها مع الدين أو التقاليد، لكن الفيلم ينقب في ادق التفاصيل ليعرضها باقل قدر من خدش الحياء.
وينتقد الفيلم الأسرة التقليدية بشكل لافت ويكشف عن بعض القضايا مثل حرية المرأة والمساواة وتقاسم الأدوار بين الرجل والمرأة وموقع الأبناء فيها، كاشفا عن اخلفيات اجتماعية وثقافية وتاريخية تفسر ما وصل إليه المجتمع المغربي من تحولات، وتحلل بعض سلوكياته وأفعاله خصوصا في علاقة الرجل بالمرأة.
وتظهر مدينة تطوان من خلال بيت مغربي تقليدي كبير، تسكنه عائلة جُلّها من النساء، هذا الفضاء المُغلق لم يمنعهن من معرفة ما يحدث خارج أسواره، ويظهر ذلك في ثنايا أحاديث النُسوة، كما يمكننا اعتباره امتداداً لباقي بيوت المدينة في تلك الفترة. وأغلب مشاهد الفيلم كانت تجري داخل نفس المكان، حيث انتقل الطريبق إلى الخارج في مشهدين فقط، حينما تذهب العائلة في أحداهما إلى السينما لحضور فيلم لفريد الأطرش.
وإذا كان الفيلم يسلط الضوء على نموذج اجتماعي معين تتحكم فيه المرأة داخل البيت، فإن الظهور الخفي للرجل ينبئ بتصوّر تاريخي للعلاقة بينهما، واستطاع المخرج محمد الشريف الطريبق اتباع تقنيات وأسلوب الإخراج مع مضمون الفيلم ليقدم عملا فنيا كلاسيكيا على المستوى البصري، والأكيد أنه بذل مجهودا كبيرا في إدارة الممثلات اللاتي يُعتبر هذا العمل الأول والأهم بالنسبة لهن، ويظهرن واثقات أمام الكاميرا منسجمات مع أدوراهن.
هذا الفيلم الى جانب فيلم سعيد خلاف «مسافة ميل بحذائي» يشكلان حالة استثنائية لسينما المغربية في المهرجانات العالمية، فبعدما أكتشف من جانب مهرجان تطوان السينمائي، انطلقت الحياة لـ «أفراح صغيرة» في المهرجانات المحلية والدوالية حاصدا العديد من الجوائز، التي كانت في كل مرة تشكل دفعة جديدة جديدة كي يستمر تألقه، وهاهو يحط الرحال هذا الأسبوع في «القاهرة السينمائي» ويشارك في مسابقته التي تحمل عنوان «أفاق السينما العربية».