ـ انتصار دردير
لو لم يكن فيلم «أحمر شفاه تحت البرقع ـ lipsteak under my burkha» ناطقا بالهندية لاعتقدنا لأول وهلة انه فيلما عربيا، لأنه يطرح قضية عربية بامتياز عن حرية المرأة التي هي جزء لايتجزأ من حرية المجتمع، ليس فقط في عنوانه المثير الذي يكشف العالم السري لبطلاته، وانما في تفاصيل أحداثه وأزماته التي لاتختلف كثيرا عنا.
الفيلم من تٱليف واخراج امرأة هي ألانكريتا سريفاستافا، وعرض ضمن قسم مهرجان المهرجانات بالقاهرة السينمائي في دورته الـ38.
أحداث الفيلم تدور في ريف الهند ويعرض نماذج متباينة لنساء يعانين كبتا يولد انفجارا كما يقول المثل، أربعة نساء هن بطلات الفيلم لاتجتمعان ولكن يجمع بينهما طموح وتمرد ورغبات مكبوتة لايجدن سبيلا لتحقيقها سوي كسر التابوهات والقوالب الجامدة، انهن باحثات عن الحرية.
فتاة جامعية تعيش مع أسرتها المحافظة، الأب الذي يقوم بحياكة الملابس وتساعده الابنة التي تتمتع بجمال وحيوية لاتكشف عنها الا حين تغلق غرفتها لترقص وتغني وترتدي الملابس العصرية، وتشارك في مظاهرات مع شباب من الجنسين يؤكدون حريتهم في إرتداء الجينز الذي ترفضه القرية المحافظة، وهي تتطلع لكي تصبح مغنية بوب وتخوض المسابقات لذلك، تنتظر الليل لتخرج متخفية بعد ان يخلد افراد اسرتها للنوم وترتاد الملاهي لتعود مع آذان الفجر، ( يتردد الآذان في اكثر من مشهد )، ثم تواصل عملها مع أبيها في الحياكة حيث البيت الذي تتصنع فيه الالتزام الشكلي دون أن تعرف الأسرة شيئا عن فتاتها.
الليل أيضا هو الذي تجد فيه امرأة في الستين سلواها، فتخرج رغباتها المكبوتة عبر مكالمات تليفونية، حين تذهب لتعلم السباحة مع مدرب شاب، وخلال دروس السباحة تتعلق به وتحصل علي رقم تليفونه، وتبدأ في مكالمته ليلا دون ان تفصح عن شخصيتها، وتبثه الشوق والاعجاب، لتتطور علاقتهما من خلال التليفون، وتلتقيه بشخصيتها الحقيقية خلال دروس السباحة بينما هو يغازل الصغيرات ويعتقد ان واحدة منهن هي من تحادثه ليلا، في المقابل هناك عاملتا تجميل تطمحان في الخروج من النطاق الخانق لبلدتهما الصغيرة ويسعيان للسفر الي احدي المدن الكبري، ويترقبان تحقيق ذلك بشتي السبل، وأم لثلاثة أطفال تعمل بائعة وتتعرض لأزمات متتالية في حياتها مع زوجها، لكن عليها أن تراعي اأطفالها رغم كل الاحباطات والهزائم التي تتعرض لها خلال عملها وفي علاقتها الخاصة مع زوجها، أو في علاقة المصور الفوتوغرافي بزوجته التي تحاول الترويج لعمله في تنظيم حفلات شهر العسل.
ان أحمر الشفاه الذي تضعه بطلات الفيلم، وتتكرر مشاهد بطلاته وهن يتفنن في وضعه يعد رمزا للحرية كما الجينز الأمريكي من وجهة نظر الفيلم، لكنه ليس هو كل شئ، فالفيلم ينطلق منه الي هموم اكبر تواجهها المرأة الهندية في ظل تقاليد مجتمعية خانقة يدفع ثمنها المجتمع في النهاية.
فيلم أحمر شفاه تحت البرقع، ينحاز للمرأة بالتأكيد لكن الرجل يظل موجودا في احداثه سواء من خلال الأب المتزمت أو الزوج الحاضر الغائب أو الحبيب الذي تتطلع اليه ولاتناله.
مخرجة الفيلم ولدت في مدينة مومباي وهي مغرمة بتقديم العالم الداخلي المعقد للنساء وقد قدمت في فيلمها الروائي الأول «اكملت ثلاثين عاما» مشاعر النساء في تلك المرحلة العمرية، كما قدمت عدة أفلام وثائقية عن النساء في الهند.
وتقدم لنا في أفلامها وجها آخر يتحول بمرور الزمن الي وثيقة تعبر عن ملامح زمنها، وفيلم «أحمر شفاه تحت البرقع» يكشف ماوراء الستار وماتحت البرقع، وأزمات النساء في المجتمع الهندي، لكنه ايضا ومع خروج الكاميرا الي الشارع في كثير من مشاهده يكشف عن تفاصيل الشارع من زحام التوكتوك، والمرور والبنايات وحركة الناس في الأسواق، وهي مشاهد اأضفت حيوية بعيدا عن الجدران الباردة.
