«الأفلام الإماراتية في دبي السينمائي».. قصص واقعية صادمة ومؤلمة
دبي ـ إبراهيم الملا
ضمن مسابقة المهر الإماراتي الذي تتنافس على جوائزه 13 فيلماً قصيراً وطويلاً ووثائقياً، احتضنت شاشة مهرجان دبي السينمائي الدولي، مساء أمس الأول، ثلاثة أفلام قصيرة بتوقيع المخرجة شذى مسعود، والمخرج ياسر النيادي، والمخرجة نايلة الخاجة، واشتركت هذه الأفلام في طرح قضايا نفسية واجتماعية متوارية خلف طبقة سميكة من الصمت والتجاهل، وإن اختلفت أساليب المخرجين الثلاثة في المعالجة الفنية المتراوحة بين السرد والتوثيق، وبين استعادة صور وذاكرات من الطفولة، واللجوء كذلك لقصص واقعية صادمة ومؤلمة، ومتطلعة في الوقت ذاته لتجاوز هذا الألم، من خلال القفز فوق حواجز عالية من التستّر والانزواء والخجل، ومن خلال تنفيذ مشاهد تعمل على تحويل الإسقاطات الرمزية إلى حالات مكشوفة وقابلة للنقاش والجدل والتفكيك.
في عملها الوثائقي الأول بعنوان: «ممسوس»، تقدم المخرجة الإماراتية الشابة شذى مسعود شريطاً تسجيلياً يستنطق التجارب النفسية الصعبة لثلاث شخصيات اختارت أن تواجه الكاميرا، وكأنها تقف أمام مرايا هائلة من القلق والخوف والاكتئاب، من دون أن تضع أقنعة بديلة تداري بها خلل الاضطراب الداخلي والمعاناة الطويلة من الرهاب والحصر والملانخوليا.
وتلجأ المخرجة شذى مسعود عند الفصل بين المشاهد للرسوم المتحركة واللقطات الأرشيفية القديمة باللونين المحايدين: الأبيض والأسود، وإلى أغانٍ شرقية، وموسيقا أوركسترالية صاخبة، كنوع من القطع الحاد بين حوارات المتداخلين، وكأنها تشاركهم أيضاً في التعبير عن كوابيسها وخيالاتها السوريالية المخيفة، بحثاً عن علاج حقيقي وجدي لمعاناة المرضى النفسيين بعيداً عن دجل المشعوذين، والنظرة الاجتماعية المريبة حول أوهام السحر والطلاسم والخرافات الشعبية.
وقدمت المخرجة نائلة الخاجة في فيلمها المعنون بـ :«حيوان» صيغة روائية محكمة وخانقة أيضاً، تتناول فيه قصة أب شرس يسبب الكثير من المشاكل والويلات في بيته الذي يضمّ زوجته الأجنبية وابنة في السابعة من عمرها وطباخاً آسيوياً، يتحول العنف الأسري هنا إلى حالة مقلقة للجميع، فردّات الفعل القاسية من الأب لا يمكن توقع نتائجها، كما لا يمكن فهم دوافعها، أو حتى تبرير هذه الدوافع، وتعزز المخرجة هذا الجوّ المشحون بالتوتر، من خلال توزيع بالإضاءة بين مناطق الخفوت والسطوع، واختزال الحوارات إلى ما يشبه الصمت الضاجّ بغضب عميق.
واتبعت الخاجة تكنيكاً إخراجياً موفقاً لتصوير معاناة هذه الأسرة الصغيرة، بإضفاء الغرابة على ما هو مألوف، وبتركيزها على اللقطات المقربة لرصد ردّات الفعل الفردية، وتوسيع كادر المشهد عند اجتماع العائلة على طاولة الطعام في خاتمة الفيلم، وكان هذا التنويع المشهدي موزعاً بدقة بين اللقطات المحايدة والتمهيدية، والأخرى اللصيقة بالحبكة الأساسية أو الفكرة العامة للعمل، المتمثلة هنا في الجنون المتحفّز داخل الأب والقابل للانفجار في أي لحظة.
أما المخرج ياسر النيادي فقدم في فيلمه الروائي القصير بعنوان:«روبيان» مجموعة من الحكايات المتفرقة شكلاً والمتداخلة موضوعاً، ابتداءً من حكاية عامل النظافة الهندي في أحد الفنادق، والذي يعاني من الكبت الحسّي، ويترجم هذا الكبت إلى تصرفات شاذة، مستغلا مهنته في سرقة شرائح الهواتف الخاصة بالنزلاء، واستعراض ما تخبئه من أسرار وفضائح، بينما تنتقل بنا الحكاية الثانية في الفيلم إلى الوضع المتوتر بين الزوج وطليقته، بعد أن يهجرها في الليلة الأولى من الزواج، ويرميها عند منزل أسرتها، حيث نرى عبارة معلقة علي باب منزلها تقول : «البضاعة المباعة لا تردّ ولا تستبدل».
لجأ النيادي في فيلم «روبيان» إلى المعالجة التهكمية، المعتمدة أساساً على التضخيم والمبالغة، ومن دون إقحام أي حوارات بين شخصيات العمل، ورصد خلال الفيلم العديد من الظواهر السلبية التي نراها حولنا ولا نعيرها اهتماماً، مثل انتشار ظاهرة الوجبات السريعة والملوثة، وزيادة نسبة التخمة، ومظاهر التشتت والتفسخ الاجتماعي، وتشوش المعايير الأخلاقية، وكانت المشاهد الجريئة التي اعتمدها النيادي في الفيلم مقصودة لطرق أكثر من جرس إنذار، قد يشير أحدها وبقوة إلى خطورة هذه التحولات، وإلى تأثيرها السلبي الفادح على الجيل الحالي والأجيال القادمة.