«آخر ديك في مصر».. محمد رمضان من البلطجة إلي التمييز الجنسي!
القاهرة ـ سارة فودة
يُمثل فيلم الممثل المصري محمد رمضان الجديد “آخر ديك في مصر”، تلك اللحظة التي يحاول فيها الفنان الذي كرر نفسه، الخروج من أدوار البلطجة والعنف، ليجد نفسه ساقطاً في براثن الذكورية والتمييز الجنسي!
إذ يحاول الممثل ذو الشعبية الكبيرة أن يتجه نحو الكوميديا ليُثبت أنَّ موهبته لا تقتصر على أدوار البلطجة، وأنَّ لديه من القدرات ما يساعده على أداء أدوار متعددة، إلّا أنَّ تلك التجربة قد تحمل بعض الإخفاقات على غير ما كان مُنتظراً.
ففي الوقت الذي حاول فيه صُناع الفيلم الترويج له على أنَّه جاء مُدافعاً عن المرأة، وأنَّه يساهم في توضيح دورها في المجتمع، إلا أنه بعد مُشاهدة الفيلم يتبادر إلى الذهن سؤال: إذا ما كان هناك فيلم يسعى للحط من شأن المرأة، فماذا كان عساه أن يفعل أكثر من هذا؟
مدة عرض “آخر ديك في مصر” تقترب من ساعتين إلا ربع الساعة، منها ساعة ونصف الساعة لا نسمع خلالها سوى عبارات ذكورية وتهكّمٍ على جنس النساء عامةً، تتخللها “إفيهات” مكررة لم يستطع محمد رمضان من خلالها أن ينتزع سوى بضع ضحكات من الجمهور، ثم يحاول الفيلم في الربع ساعة الأخيرة إصلاح ما روّج له طوال الفيلم بالاعتراف بدور المرأة.
ويبدو أنَّ رمضان لم يعد يكتفي بأداء دور واحد في سياق الدراما التي يقدمها سواء سينما أو تليفزيون، ويظهر ذلك في هذا الفيلم بوضوح، حيث يقوم في الدقائق الأولى بأداء دور الأب الذي انفصل عن زوجته “هالة صدقي”، وعليه يُفضل ابنهما علاء (محمد رمضان أيضاً) أن يبقى مع والده فيما تبقى أخته مع والدتهما.
ولم يكتف رمضان بهذا الدور الثاني (دور الأب)، حيث ظهر في أكثر من دور إضافي خلال الدقائق الأولى من الفيلم، فخلال حديث والده معه عن مشاكل النساء ووصفهن بكل الألفاظ والاتهامات التي تقلل من شأنهن، كقوله -على سبيل المثال: “الستات يصحوا الصبح يقولوا حاجة واحدة.. أنا عايزة” أو، “سلاح الست الفتّاك البوز”، وخلافه من العبارات التي يقولها الأب لابنه.
ومن خلال تلك العبارات يأخذ المخرج المتفرج مع كل عبارة يتلفظ بها الأب، إلى مجموعة مشاهد لرجال من ثقافات وأماكن مختلفة في العالم يحاولون التعامل مع زوجاتهم المتذمرات، اللاتي يمطرونهم بالطلبات والجُمل الدالة عن عدم الرضا تارة، والشكوى الدائمة من الزوج تارة أخرى، في محاولة لإثبات أن النساء في جميع بقاع العالم صنف واحد لا يختلف.
والممثل الذي يقوم بدور الرجال في هذه المشاهد المختلفة هو بالطبع “محمد رمضان”، فتأتي الدقائق الأولى من الفيلم ممتلئة بمشاهد يحاول خلالها، على الأغلب، أن يستعرض براعته التمثيلية.
ينتهي دور رمضان كأب باستيقاظ الابن من النوم، في غياب الأب، ويظهر الابن “علاء” في دور الشاب المستهتر الذي يعيش بعد وفاة والده، في منزله الذي تعمه الفوضى ويمتلئ بأصدقائه المستهترين مثله.
وتظهر الأم هالة صدقي وسط ذلك؛ لتوبخه على هذه الحياة وتلومه بسبب بُعده عنها، ثم تبدأ مجموعة من المفارقات الكوميدية التي تدور جميعها في فلك السخرية من النساء وتصرفاتهن.
فحتى إن تغاضينا عن العنصرية والتمييز الفج وتحدثنا فقط عن مستوى كوميدية هذه المشاهد، ففي الواقع كانت المشاهد غير مضحكة على الإطلاق، حيث جاءت عبارة عن مجموعة من الكليشيهات المحفوظة؛ مثل السخرية من قيادة المرأة السيارة والتي ظهرت خلال قيادة الأم (هالة صدقي) سيارتها، وكانت لا تستطيع التحكم في السيارة أو ركنها بشكل جيد.
تظهر بعد ذلك تريزا (شيماء سيف) في دور مديرة رمضان بالبنك الذي يعمل فيه، وكتكملةٍ للكليشيهات لم ينس صُناع الفيلم أن يستغلوا جسد شيماء الممتلئ لإلقاء بعض الكلمات المضحكة.
وعلى سبيل المثال في أول مشهد تظهر فيه، تقول للبطل إن هناك العديد من الشكاوى المقدمة ضده من النساء سواء من صديقاته الموظفات أو من العملاء، فيرد عليها بأن النساء مخلوقات لا تطاق، وعندها تُذكره بأنها أنثى وأن لها الفضل عليه في قبوله موظفاً بالبنك، يرد عليها قائلاً:” إنتِ واحدة ست متأفوريش بس قال ست قال، ده إنتِ زنقة الستات كلها”.
هذا بالإضافة إلى التقليل من عمل المرأة عندما كان يتحدث مع أخته (إنجي وجدان) وينتقدها لإهمالها زوجها وتسبب ذلك في طلاقهما، واصفاً عملها في مجال حقوق المرأة بالعمل “الأهبل”، وأن رعايتها منزلها أهم.
وقد لا يكون الفنان محمد رمضان فناناً كوميدياً من الدرجة الأولى، ولكنَّه يمتلك الحس الكوميدي الذي يجعله يعتمد على كوميديا الموقف وينجح فيها في كثير من الأحيان، كما ظهر في كثير من المسلسلات، وقد توقع البعض منه أن يعتمد على ذلك في هذا الفيلم.
ولكنَّه ركّز بشكل أكبر على “كوميديا الإفيه” التي تعتمد على إطلاق بعض العبارات المضحكة، والتي جاءت هنا بشكلٍ مستهلَكٍ ومكرَّرٍ، فشل رمضان من خلالها في إضحاك جمهوره.
فعلى سبيل المثال عند دخوله منزله يقوم بغناء مقطع من “كيفك إنت” للمغنية فيروز يقول فيه: “كيفك قال عم بيقولوا صار عندك ولاد، أنا والله كنت مفكرتك محبوس يا عماد”، في الواقع لم يكن ما سبق “إفيهاً” مُضحكاً على الإطلاق لأغلب الحاضرين بالعرض.
وتتوالى محاولات رمضان في إضحاك جمهوره من خلال مجموعة من العبارات المهينة للمرأة جاءت في سياق فيديو قام بصنعه هو واثنان من أصدقائه؛ هما: (محمد سلام) في دور الشاب الذي يكره الزواج، ولكنه يحب السهر، والعلاقات النسائية المتعددة، و(محمد ثروت) الزوج الذي يخشى زوجته ودائماً ما يخونها دون أن تعلم.
وقد أتت تلك العبارات مُهينة بشكل مستهلك وغير مضحكة، مثل عبارة “تحت المكياج الخادع يا إما قمر ساطع يا نوع من أنواع الضفادع”، أو “امسح مكياج صاحبتك تلاقي سيد ابن عمتك”، أو “عزيزي المتزوج، احتفظ في محفظتك بصورة لزوجتك وكلما واجهتك مصيبة انظر إلى الصورة وتذكر أن لديك مصيبة أكبر”.
وفي سياق درامي غريب وغير مفهوم يفتقد إلى الحبكة والمنطق، يذهب جميع رجال العائلة بلا استثناء، ومن ضمنهم رمضان “علاء الديك”، في رحلة إلى مدينة أسوان ويذهب معهم بواب العمارة “سليمان عيد”، الذي يكره زوجته ويقول لها بدوره في أحد المشاهد إن الكلاب الخاصة بالحراسة لها قيمة عنها.
وتأتي أغنية “بشرة خير” في الخلفية لتلك الرحلة بشكل غير مفهوم؛ ربما لأن ضمن كلماتها عبارة “اللمة دي لمة رجال”! وفي أثناء رقصهم على الأغنية بأحد المراكب النيلية، يصطدمون بمجموعة من الصخور وينقلب المركب بالكامل في منطقة مليئة بالتماسيح، حيث تأكل التماسيح رجال العائلة بالكامل ويخرج “علاء” وحيداً دون أن يصاب بأي أذى دون مبرر درامي منطقي لذلك.
غَير أنَّ “المخرج عايز كده”. يظهر رمضان في المشهد التالي قائلاً: “راحت كل رجالة العيلة وما فضلش غيري آخر ديك في مصر”.
ثم تتوالى مجموعة من المشاهد الكوميدية التي تظهر فيها نساء العائلة يبكين رجالهن وتحدث حالات إغماء وصُراخ، يحاول علاء أن يستوعبها بما أنه الرجل الوحيد بالعائلة في هذا الوقت.
يبدأ “علاء الديك”، بسبب ما حدث، في التعرف على نساء العائلة بشكل أفضل وتتغير نظرته للنساء، حيث يكتشف فيهن الجوانب الجيدة؛ مثل الطيبة و”الجدعنة” وغريزة الأمومة التي تدفع الأنثى للتضحية بكل حياتها من أجل أبنائها.
ولكن، لم تأت تلك الرسالة في جرعة مناسبة أو متوازنة مع كل ما حمله الفيلم من تحامل ضد المرأة التي كان من المفترض أن يقوم بتكريمها.
ولم ينفِ الفيلم كل الكلمات التي قيلت في بدايته والتي كانت تمتلئ بالعنصرية والتمييز ضد المرأة، وجاء الفيلم كمحطة جديدة ينتقل خلالها رمضان من مرحلة تعليم المراهقين كلمات العنف والبلطجة، إلى تعليمهم كلمات التحرش اللفظي والتمييز العنصري تجاه المرأة.
وفي نهاية الفيلم يقول علاء الديك حكمة من المفترض أنه يُعبر من خلالها عن تقديره للنساء وينهي بها الأحداث قائلاً: “المرأة كالمظلة لن تنفعك إلا إذا وضعتها فوق رأسك”، فأنتَ كرجل إذا أردت أن تنتفع من المرأة يجب أن تضعها فوق رأسك، ولكن بخلاف ذلك ضعها حيثما تريد! فلخص قيمة المرأة في جماد، لا إرادة له، يخضع لسلطان الرجل.