المشاركة العربية في مسابقة «أيام قرطاج»
قبل إعلان الجوائز، «سينماتوغراف» تسلط الأضواء على الأهم والأحدث وما بينهما
«سينماتوغراف» : أحمد شوقي ـ تونس
يمتلك مهرجان أيام قرطاج السينمائية طبيعة خاصة تميزه عن باقي المهرجانات العربية، لسببين أولهما سينتهي بدءا من العام المقبل، إقامة المهرجان كل سنتين، مما يوسع قاعدة الإختيارات التي يستخلص المهرجان برنامجه من بينها. أما ثاني الأسباب فهو عدم التزام المهرجان بامتلاك العرض العالمي أو الإقليمي الأول للأفلام المشاركة في مسابقته، وهو ما يحرره تلقائيا ويجعله أكثر قدرة على اتخاذ قرارات فنية حرة.
وبنظرة عامة على المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، والتي تضم هذا العام 15 فيلما من بينها عشرة أفلام عربية وخمسة أفلام أفريقية (وهو تقسيم أثار حفيظة البعض ممن رأوا المهرجان يفقد هويته كمتابع ومكتشف لجديد المواهب في السينما الأفريقية). النظرة على العشرة أفلام العربية المشاركة ستجعلنا ندرك أن المهرجان اختار الموازنة في برنامجه بين الأحدث والأهم، بحيث يقوم بعرض بعض الأفلام الحديثة لينال سبق عرضها مبكرا، بالإضافة لأفلام عرضت منذ شهور طويلة لكنها متواجدة لأهميتها الفنية.
ذيب الأحدث والأهم
من الأردن يشارك فيلم “ذيب” للمخرج ناجي أبو نوار، الفيلم الذي يجمع بين الحداثة والأهمية، فالفيلم هو الأسم الأكثر طرحا في عالم المهرجانات خلال الشهور الثلاثة الأخيرة منذ عرضه في مهرجان فينسيا، ومن وقتها وهو متواجد في كل مهرجانات المنطقة العربية، بل يخرج دائما بجائزة من كل مهرجان، ومن المتوقع أن تزيد هذه الجوائز واحدة أخرى في نهاية أيام قرطاج.
فيلم آخر يجمع بين الحداثة والأهمية هو “الوادي” للبناني غسان سلهب، الذي عرض من قبل في مهرجاني تورنتو وأبوظبي ثم حل ضيفا على قرطاج. وفيه يواصل غسان رحلته في عوالم غريبة ومربكة، مستخدما طريقة سرده التي قد لا يهضمها الكثير من الجمهور المعتاد على الأفلام التجارية، في طرح أسئلة حول الهوية والوجود، وإن كان الفيلم يبدو بعيدا عن ترشيحات الحصول على جائزة هنا.
اختيارات فلسطين وسوريا والعراق
إذا كان اختيار الفيلمين الأردني واللبناني قد جمع بين الحسنيين، فإن الأفلام الفلسطيني والسوري والعراقي تم اختيارهم على أساس الأهمية الفنية فقط لا غير، فكل منهم مر على عرضه الأول أكثر من عام (ما عدا الفيلم السوري المعروض منذ 11 شهرا)، ولكن يمكن اعتبار كل فيلم فيهم واحد من أهم أعمال دولة إنتاجه خلال الفترة من قرطاج 2012 وحتى الآن.
الفيلم الفلسطيني “عمر” هو الأهم على الإطلاق بالطبع، بفوزه بجائزة قسم نظرة خاصة في مهرجان كان 2013 وترشحه لأوسكار أحسن فيلم أجنبي، وهو مرشح لجائزة هنا لن يستلمها مخرجه هاني أبو أسعد الذي اعتذر عن الحضور لانشغاله بتصوير فيلمه الجديد، والذي تعطل قليلا بسبب رفض السلطات المصرية السماح لمدير التصوير بدخول مصر لإتمام اللقطات التي يفترض أن يتم تصويرها هناك.
من العراق اختار المهرجان عرض فيلم “قبل سقوط الجليد” للمخرج الكردي هشام زمان، المعروض للمرة الأولى في مهرجان تريبكا 2013، والذي ظل من وقتها ليومنا هذا الفيلم الأبرز في السينما العراقية، خاصة بعدما جاء الفيلم الجديد لشوكت أمين كوركي “ذكريات منقوشة على حجر” عند عرضه الأول في أبو ظبي أقل بكثير من المتوقع. أما “أرواد” الفيلم السوري الكندي، للمخرجين سامر نجاري ودومينيك شيلا، فهو أيضا اختيار ذكي بعيد عن الأسماء الرنانة، ينحاز للقيمة الفنية العالية للفيلم الذي أقيم عرضه الأول في مهرجان روتردام في بداية العام الحالي.
الفيلم المصري طزاجة وقيمة خاصة
الفيلم المصري المشارك “ديكور” هو واحد من أحدث الأفلام المصرية، لم يليه منذ أن عُرض للمرة الأولى في مهرجان لندن سوى عرض عنوانين أو ثلاثة جدد، ولم يعرض سوى في مهرجاني لندن والقاهرة. لكن بعيدا عن طزاجة الفيلم الذي يجرب فيه المخرج أحمد عبد الله تقديم حكاية بالأبيض والأسود تحمل حسا من الحنين للسينما المصرية الكلاسيكية، فإن الفيلم يحمل قيمة خاصة بالنسبة لمهرجان قرطاج، الذي نال أحمد عبد الله تانيته الذهبي ـ أكبر جوائز المهرجان ـ قبل دورتين عام 2010 عن فيلمه “ميكروفون”، أي أن المهرجان يعيد النظر لمخرج توّج بجائزته الكبرى في فيلم جديد يواصل فيه التجريب.
وبشكل عام وقياسا على الآراء التي سمعتها من الكثيرين، يمتلك الجمهور التونسي إعجابا كبيرا بسينما أحمد عبد الله، وكان عرض فيلمه الجديد حدث حقيقي انتظره محبي السينما التونسية، مما يجعله واحدا من الأفلام المرشحة بشدة لنيل جائزة الجمهور التي يحسمها تصويت الحاضرين في كل فيلم.
مشاركة مغاربية مثيرة للتساؤل
أما أكثر المشاركات إثارة للجدل، فكانت مشاركة الفيلم التونسي “بيدون 2” للجيلاني السعدي بالمسابقة، بعد اعتراض عدد من صناع السينما والصحفيين في تونس على اقتصار المشاركة التونسية في المسابقة على فيلم وحيد، بينما يعتقدون أن فيلمين أو ثلاثة كانوا رقم أفضل لدعم وتسويق السينما المحلية. المشكلة تفاقمت مع المستوى المتواضع الذي ظهر عليه الفيلم الذي تم تصويره بالكامل بكاميرا “جو برو” محدودة التكلفة والجودة، بما زاد من حدة الانتقادات لا سيما وأن كونه العرض العالمي الأول للفيلم ليس مبررا للمستوى، في ظل وجود عدد من الأفلام التي عرضت لأول مرة خارج المسابقة الرسمية.
الانتقادات طالت الفيلم الجزائري “لوبيا حمرا” للمخرجة ناريمان ماري، الفيلم ذو الحس التجريبي الخالي من الحكاية، والمعتمد على مشاهد مكررة معظمها لا يضيف معنى أو قيمة جمالية، بالإضافة إلى كونه عمل قديم مر على عرضه الأول أكثر من عام، وأنه يمثل الجزائر مع فيلم ثاني متميز هو “الوهراني” لإلياس سالم، أحد الأعمال المرشحة لنيل جائزة في مساء اليوم. كلها أمور جعلت وجود الفيلم الذي لا يعد جديدا أو مهما في المسابقة أمرا لم يرض الكثير من الجمهور التونسي، الذي عاقب فيلم “لوبيا حمرا” بأكبر معدل لمغادرة القاعة في المهرجان، فقد بدأ الفيلم والمسرح البلدي ممتلئ عن آخره، وانتهى والمقاعد المشغولة لا تتجاوز ربع القاعة.
آخر الأفلام العربية في المسابقة ينتمي للأفلام التي تواجدت نظرا لأهميتها، وهو “هم الكلاب” للمخرج المغربي هشام العسري، ممثل المغرب الوحيد والذي لم يختلف أحد على قيمة تواجده في المسابقة كعمل طليعي على الصعيدين الفني والسياسي. وهو أيضا ـ مع ذيب وديكور والوهراني ـ من الأعمال المطروحة بشدة في قائمة الترشح للجوائز.
المسابقة تضمنت مع العشرة أفلام المذكورة خمسة أفلام من جنوب أفريقيا والسنغال وبوركينا فاسو وكينيا ونيجيريا، لتكتمل صورة المسابقة العربية الأفريقية التي طالما منحت مهرجان قرطاج طابعه المميز.