Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
كتاب الموقع

فيلم «بكالوريا».. ضبابية وسواد القهر والبؤس والألم في رومانيا

 

المخرج الروماني كريستيان مونجيو، يمتلك موهبة مدهشة وتجاربة السينمائية تجد ترحيباً كبيراً من النقاد والجمهور الأوروبي، وكانت انطلاقته مع فيلم «يومان وثلاثة أسابيع وأربعة شهور» ثم فيلم «ظلال التلال»، ويأتي فيلمه الجديد «بكالوريا»، ليؤكد منهجه المبدع شكلاً ومضموناً، أفلامه تزخر بالدلالات البليغة والتي يسوقها ويقدمها في قوالب بسيطة دون أن يهدم البنية الحكائية ومساراتها السردية الواضحة والشيقة.

 حكايات أفلام مونجيو من الواقع المعاش والحي للمجتمع الروماني وهي ليس مجرد عكس هذا الواقع، ولكنه يذهب أبعد من ذلك ليضعنا أمام حقائق مفجعة وصرخات مدوية تنتقد سلبيات اجتماعية وسياسية، ولا يتورع للتعرض للخطاب الديني وتلمس مكامن الخلل والوجع لحياة الشعب الروماني.

في بداية فيلم «بكالوريا»، نرى ضاحية شعبية متعبة وعمارات سكنية وعمال الطرق أو المجاري يزعجوننا بضجيج حفرهم، ثم ننتقل مباشرة إلى بيت الطبيب «روميو»، حيث يرمي أحدهم بحجر ليكسر زجاج نافذة الشقة، يخرج «روميو» مباشرة ويركض للبحث عن الفاعل ولا يجده، هكذا كريستيان مونجيو، فهو يختار مجموعة صغيرة من الشخصيات ويتابع مصائرها ويصور لنا معاناتها وقلقها وبؤسها، وهذا المشهد يعني أننا في ضيافة هذه العائلة ولديها ما تقوله وتحكيه لنا.

1129

«روميو» يعمل طبيبا وعلاقته سيئة مع زوجته وله عشيقة شابة وجميلة، ابنته مُقبلة على امتحان البكالوريا ويجب أن تتجاوزه بتقدير متفوق لتتمكن من الحصول على منحة دراسية والسفر للإلتحاق بجامعة بريطانية، قبل أيام قليلة من الإمتحانات، تتعرض الفتاة لحادت إعتداء وإغتصاب من مجهول، هنا سيصاب الأب بصعقة مربكة ويرى حلمه بسفر إبنته يتعرض لصدمة مدمرة لذلك يركض للبحث عن حلول ووساطات تساعد اإبنته بالحصول على الدرجات المطلوبة، ثم نغوص في تفاصيل ألم الواقع والعلاقات داخل هذه العائلة.

يقدم مونجيو حكايات بسيطة من الحياة ولا يذهب لزخرفة شخصياته أو البحث عن إثارة ولا تعقيدات متشعبة، وهو يميل إلى حكايات تحدث في مدة زمنية قصيرة وتدور في أمكنة قليلة وبشخصيات معدودة، لكن شخصياته وأمكنته تظل منحوتة في أذهاننا ونخرج من الفيلم ونحن نعرفها ونُحسُّ بها، وهو لا يحرك الكاميرا إلا لهدف معين ويتهرب من الموسيقى التصويرية، لكنه يتفنن في استخدامات المؤثرات الصوتية وخصوصا نباح الكلاب وصوت هبوب الريح وسقوط المطر، يزج بشخصياته ويقبض عليهم داخل إطارات مغلقة ويحاول تصوير الدواخل الإنسانية وما يعصف بها من شك وبؤس واضطرابات مقلقة. 

graduation_01

يبتعد كريستيان مونجيو عن التورية والمفاجأة ولا ينسخ الواقع فهو يؤكد على عنصر الشعور بالذنب والتضحية، الأب هنا محبط ومقتنع كغيره أنه لا يوجد مستقبل في رومانيا، لذلك يرى أن إبنته ليزا ستعيش حياتها وتحقق أحلامها بسفرها إلى بريطانيا، كما أن الفيلم يصور الهوة بين الشباب والكبار، في المشهد الافتتاحي هناك من يحفر على مقربة من المبنى حيث حياة عائلة «روميو»، الكاميرا تظل بعيدة ونعجز عن رؤية تلك الحفريات، و«روميو»، هنا هو البطل المركزي للفيلم والذي يسعى إليه كل شيء ويتقاطع معه، يصبح الحفار لقبره الخاص به دون وعي.

1483201448-51694-465

السيناريو على طريقة كريستيان مونجيو تعني مسيرة دون تراجع ولا هوادة فيها، وجميع الطرق الملتوية والثغرات التي سيسلكها «روميو» من أجل تغيير مصير إبنته فأنها ستؤدي إلى حدوث إنغلاقات واحدة بعد الأخرى في فيلم أسود وضبابي.

تحرص الكاميرا على تأطير «روميو»، كما أننا لم نشاهد لقطة تجمع هذه العائلة ونلاحظ دائما سرعة خروج أحدهم من الكادر مما يوحي بتعقيدات العلاقات والخلل فيها، «روميو» لديه هوس ويقارع المستحيل لتسفير إبنته ويتمني أن تنفصل عن صديقها ومع أي علاقة لها برومانيا، «روميو» يجسد رومانيا المعاصر وما فيها من فضائع وخيبة الأمل والمستقبل المجهول.

still_2-h_2016

رسالة كريستيان مونجيو واضحة، ولكن المسألة لا تتوقف عند خيبة أمل، فهناك الفساد في أغلب المؤسسات كالشرطة والتعليم  وهناك المافيا ورجال السياسة وفي القاع العاهات أي غالبية الشعب، الشباب والصغار لديهم رغبة وتصميم على تغيير وجه رومانيا، البنت لا ترى هذه الضبابية رغم ما تعرضت له من عنف، فهي تحب رفيقها وبلادها ويبدو أنها لن تكون امرأة ضعيفة ومستسلمة كأمها أي أن هناك متغيرات اجتماعية جديدة سيقودها الشباب، وربما يتحرك هؤلاء لخلق ربيع يحمل كل الألوان الزاهية ليمحو ضبابية وسواد القهر والبؤس والألم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى