خيرية البشلاوي تكتب: «بترا بوابة الزمن» عمل سينمائي دعائي بامتياز
ـ خيرية البشلاوي
فيلم “بترا بوابة الزمن” عمل دعائي بامتياز. ويمكن أن تتحمس له الحكومة الأردنية باعتباره عملاً سينمائياً جيداً يروج بلغة جمالية تشد النظر لمكان أثري وتاريخي فريد يستحق أن يُحتفي به.
ولعل حماسي للفيلم ـ رغم انه في تقديري وحسب ما رأيت لم ينجح تجارياً ـ يعود إلي الجرعة الثقافية التي نقلها لي شخصياً بكاميرا مميزة جداً ولقطات بديعة ومشاهد نادرة لم أحظ بزيارة هذا المكان المدهش في المملكة الأردنية الهاشمية والمفروض انه ضمن المعالم التاريخية النادرة..
وصفة “دعائي” التي استخدمتها لا تقلل من قيمته. لأن الدعاية لها أصولها لكي تحقق الغرض منها.. وقد تفوق المخرج عثمان أبو لبن في استخدام روعة المكان كخلفية لحكاية خيالية وإن افتقدت الإحكام وكان من الممكن أن تتحول إلي مغامرة أو رحلة أسطورية في الزمان والمكان واجابة علي أسئلة فلسفية كونية ومع ذلك فلا أملك إلا الاعتراف بشجاعة المنتجة المؤلفة مي مسحال لاقدامها علي هذا العمل الجاد والتي قدمت من خلاله مجموعة من الممثلين الشباب غير المعروفين وهم كريم محجوب ومحمد جمال وميرنا نور الدين ونورا أبو سنينة وكلهم يمتلكون الموهبة والقبول ولا ينقصهم سوي التمرس والفرصة وقد أثبتوا في أولي تجاربهم خصوصاً الشخصيتين الرئيسيتين انهما يصلحان لأفلام الحركة وقادران علي ضبط إيقاع أدائهم وتعبيراتهم مع طبيعة المشاهد الخطيرة التي يؤدونها. ومع حالات الصعود والهبوط العاطفي في العلاقة المتوترة بينهما وحالات الصعود والهبوط المادي وسط الأحجار في منطقة جبلية ووسط صخور ووديان وعرة فقد استغل المخرج المكان أجمل استغلال وجعلنا من خلال الصورة والتكوين والزوايا الغريبة للكاميرا ـ صعوداً وهبوطاً ـ فمن داخل سلسلة من الجبال مدينة منحوتة في جوف الصخر وذات تضاريس مدهشة وألوان طبيعية خاصة وتمتد بتاريخها إلي آلاف السنين وقبل أن يبدأ التاريخ وهي الآن تعتبر ضمن عجائب الدنيا رسمياً وبتقييم من اليونسكو.
وعثمان أبو لبن مخرج سينمائي شاطر وشاب طموح “مواليد 1973” ومتفوق جداً في صناعة الفيديو كليب وفي هذا الفيلم يقدم أحد أجمل الكليبات وأعني أغنية سميرة سعيد التي أضفت حيوية وبهجة علي الفيلم وأمدته بجزء فني يمكن فصله وبثه منفصلاً علي جميع القنوات وهذا ما يحدث الآن بالفعل. وأعترف بأن صوت سميرة المنغم وأسلوبها الخاص المميز في الأداء أضفي علي الفيلم جواً أسطورياً وعمق الاحساس بالمكان وأثري الفرجة بما قدمته من مشاهد راقصة واستعراضية مع طاقم الممثلين.
جمع المخرج في هذا العمل الدعائي “بنداً” خاصاً لفرقة الرقص الشعبية الأردنية بملابسها القومية وطاف بالمتفرج وسط عبق التاريخ علي بعض تقاليد الحياة البدوية والشخصيات التي تسكن المدينة الأثرية “بترا” والمخرج أظهر تمرسه وتمكنه من خلال أعماق فنية سابقة وفي عدة مسلسلات “مولانا العاشق” و”صديق العمر” و”فرتيجو” و”المواطن إكس”.
وهذا الفيلم “بترا” يؤكد حسه الجمالي والفني ولغته البصرية المدهشة وتأثره بأفلام الحركة الأمريكية في مشاهد كثيرة.
وليس من المصادفة حسب ما أظن أن المنتجة مي مسحال وعثمان أبو لبن والاثنان من أصول فلسطينية أن يتحمسا لعمل تدور أحداثه في أجمل بقاع الأردن. وأن يختارا عملاً دعائياً ينتمي لأفلام الحركة فقد سبق لهذه المنتجة صاحبة شركة “دانا للإنتاج الفني” انتاج أفلام مثل “بنات وموتوسيكلات” و”أحلام الفتي الطائش” ثم هذا الفيلم الأخير الذي يعتمد علي الاثارة والتشويق والمغامرة وأمام خلفية طبيعية قوية تعتبر هي البطل الرئيسي في هذا العمل.
صحيح أن أغنية سميرة سعيد ليست في صلب الفيلم ولا تعتبر ضمن بنائه العضوي ولكنها جزء أساسي في قيمته الترفيهية وقد اختير لها عنوان في “أي عصر” تلحين محمد يحيي وكلمات محمد رمضان وأداء استعراضي لافت للفنانة المغربية.
من وظائف الفيلم أن يكون وسيلة للدعاية الثقافية وأن يصل بما يريد إيصاله للمتفرج وبأسلوب ناعم خفيف وسلاسة في الحكي ومن دون محاولة للتفلسف وقد بدا الفيلم بفرضية علمية أو حاول ذلك ثم تاهت هذه المحاولة في الانشغال بقصة حب وغيرة ومغامرات وتوهان في الصحراء ولدغة ثعبان وتهديد بالموت. وأحلام بالكنز المفقود.. وأشياء أخري خرافية انجذبت اليها المؤلفة مي مسحال متأثرة أيضاً بأفلام الأساطير والخيال العلمي.. وإذا كان الفيلم لم ينجح تجارياً إلا انه يصلح للعرض في التليفزيون ويستحق أن يصل برسالته “الدعائية” الثقافية إلي المتفرج العربي وأن يوفر الفرصة للمتفرج العربي لزيارة مكان عجيب وبديع من صنع الطبيعة ومدينة مرت عليها ممالك وحروب وامبراطوريات.