ينافس على السعفة: نهاية غير سعيدة في فيلم «النهاية السعيدة» لمايكل هانيكه
كان ـ عبد الستار ناجي
يعتبر المخرج مايكل هانيكه أحد أبرز رموز السينما الأوروبية والفرنسية والنمساوية على وجه الخصوص وقد صنع أغلب أعماله السينمائية في فرنسا حتى بات الكثير يعتقدون بأنه فرنسي كما فاز بجائزتين للسعفة الذهبية وهو إنجاز لم يحققة اإلا القلة في السينما العالمية ونشير هنا إلى أفلامه الفائزة ومنها “حب” و”الشريط الأبيض” وفي رصيده كم عامر من الأعمال السسينمائية الكبيرة التي رسخته مخرجاً كبيراً عميقاً هو الأقرب إلى أن يكون مخرج فيلسوف.
في أحدث أفلامه “النهاية السعيدة ـ Happy End” يذهب إلى حكاية أسرة أرستقراطية تعيش مرحلة حرجة من تاريخها في شمال فرنسا حيث مدينة كالية تزدحم باللاجئين ولكننا لا نرى اللاجئين إلا في المشاهد الاأخيرة .
الحكاية ترصد لنا انهيار الأرستقراطية من خلال حكاية العائلة حيث الوالد يعيش أيامه الاخيرة وهو يرقب السقوط المتتالي لتلك الأسرة، ويبدأ الفيلم مع مشروع عمراني يتم التحضير له. حيث الكاميرا ثابتة على مشروع كبير يتم إعداد أساساته وفجأة تهوي إحدى زوايا تلك الحفرة العميقة كإشارة لما هو قادم من أحداث .
ننتقل بعدها إلى جوانب من حكايات تلك الأسرة التي تقودها الابنة الكبيرة التي تريد أن تسيطر على كل شيء في تلك الأسرة، مع وجود آخر فاشل في علاقاته الزوجية مطلق ويحضر للارتباط بأخرى ويقيم علاقة ثالثة، تزوره ابنته من زوجته الأولى للإقامة في المنزل الفخم ولكنه لا يستطيع صنع علاقة مع ابنته بمعنى أن العلاقة تبدو مقطوعة من الابناء. بينما الأخ الثالث الأصغر غارق في المشاكل ضائع فوضوي ينتقل من مشاجرة إلى أخرى ومن مشكله إلى ثانية وهكذا وتمضي الأحداث على هذا المنوال حتى اليوم الذي يخرج به الأب إلى الشارع ليجد أن كل شيء قد تغير وهناك عدداً من اللاجئين الأفارقة يتجولون في المدينة ولا تعرف ماذا يدور بينهم من حوار.
إلى المشهد قبل الأخير حيث تقيم الأسرة حفل لعدد من الأسر الصديقة وفي منتصف الحفل يقوم الأخ الأصغر باحضار عدد من اللاجئين إلى المنزل في مشهد يذكرنا بأحد أعمال لويس بونويل حيث يدخل عدد من الفقراء المعدمين إلى إحدى الاأسر الأرستقراطية الثرية.
عندها يخرج الأب مع حفيدته التي وصلت إلى المنزل والتي تقضي طيلة وقتها مع جهاز الهاتف ومخاطبة الأصدقاء على المواقع الاجتماعية، وتقوم الحفيدة بدفع جدها إلى إحدى الزوايا حتى ينزلق الكرسي المتحرك لعرض البحر وكأنه يتجه إلى الغرق.. بينما تقوم هي بتصوير المشهد وبثه على الهواء من خلال حسابها في أحد المواقع الخاصة بالتواصل الاجتماعي. في تلك اللحظة تأتي الابنة الكبرى وشقيقها الأوسط من أجل محاولة إنقاذ الأب وحتى هذه اللحظة تبدو نهاية سعيدة ولأننا أمام مخرج فيلسوف فإن النهايات لا تبدو كما هو في الصورة الظاهرة لأن كل التفاصيل تشير إلى نهايات غير سعيدة بالذات لتلك الأسرة الأرستقراطية بل للأرستقراطية بشكل عام حيث انهيار المشروع ومشاكل الأسرة وعجز الأب وسيطرة الابنة وسطوتها وفشل العلاقات الزوجية للابن الأوسط وعزلة الأجيال وانشغال الأبناء كل ذلك عبر إشارات تتطلب كثيراً من التحليل العميق لأننا أمام مخرج ذي كعب عالي الصورة عنده لا تأتي عنده مجانية بل عميقة ثرية تثير الدهشة بعمقها وثرائها مع مايكل هانيكه عدد بارز من نجوم السينما الفرنسية تتقدمهم ايزابيل هوبير ومعها القدير جان لوي ترنتيان الذي كان قد شاركه في بطولة فيلم حب. سينما من نوع آخر سينما تذهب اإلى عمق المجتمع وقضاياة وإشكالياته المصيرية الكبرى أما عن اللاجئين فإنهم يبقون في الهامش ولكنهم يدخلون الكادر من أجل المشاركة بقضاياهم والمهم معاناتهم.. لأنه مصير مشترك. النهاية السعيدة.. لم تكن سعيدة في فيلم المخرج مايكل هانيكه لأنها تأتي مزدحمة بالهم الإنساني والغد المظلم.