كان 71: «الحرب الباردة».. الحب في الزمن المستحيل
كان ـ «سينماتوغراف»: عبدالستار ناجي
كلما حضر المخرج البولندي بافيل باوليكوسكي حمل معه نتاجاً سينمائياً ثرياً وعمقاً ومشبعاً بالفعل الإبداعي العالي المستوى الذي يليق باسمه وبتاريخ السينما البولندية العامرة بالأسماء الكبرى مثل أندرية واجدا ورومان بولانسكي وغيرهم.
ضمن عروض مهرجان كان السينمائي لعام 2018 قدم المخرج بافيل باوليكوسكي فيلمه الجديد (الحرب الباردة) الذي يذهب إلى المرحلة الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأميركية وبالتالي الدول الحليفة للاتحاد السوفييتي والأخرى الحليفة للولايات المتحدة ومن بينها أوروبا.
الفيلم يبدأ عبر رحلة يقوم بها فريق من المتخصصين بجمع التراث الشعبي الغنائي والموسيقى البولندي لعدد من مناطق بولندا وسط ظروف مناخية قاسية وصعبة.. هناك يلتقي الموسيقار فيكتور توماس كوت مع الصبية الجميلة زولا جوانا كلوج التي يتبنى موهبتها ويحرص على أن تشارك في فرقة تم تأسيسها تقدم العروض الغنائية والإستعراضية الشعبية البولندية. وتمضي تلك الفرقة في رحلة النجاحات . ويفرض عليها لاحقاً تقديم الأغاني السياسية التى تمجد بـ ستالين، وأيضاً قيادات الحزب الشيوعي البولندي وأخرى التي تروج للشيوعية والاشتراكية وغيرها . عندها سيشعر فيكتور بأنه لا مفر من الهروب إلى أوروبا ويتواعد مع زولا على الهرب، ولكنها لا تأتي على الموعد ويفر إلى باريس حيث يواصل عمله وإبداعاته.
وبعد سنوات من عمل زولا مع الفرقة تقرر السفر إلى باريس ولكنها بعد الإقامة هناك لا تجد نفسها خصوصاً وهي تظل تشعر بأنها ليست بتلك الموهوبة وأن فيكتور هو من يظل يدعمها وتقرر العودة إلى بولندا.
وبعد أيام من القلق والوحدة يقرر فيكتور اللحاق بـ زولا إلى يوغوسلافيا السابقة حيث كانت تقدم عروضها مع الفرقة ضمن زيارة رسمية، وفور وصوله تشحنه المخابرات اليوغسلافية المتحالفة مع البولندية وقتها إلى وارسو عاصمة بولندا حيث يعذب ويتم قطع أحد أصابعه حتى لا يعزف من جديد.
رحلة مشبعة بالموسيقى والصور العالية البهاء وكتابة درامية ثرية بالأحداث والشخصيات والمواقف السياسية الصريحة الرافضة للشيوعية وسطوة الدولة والحزب وغيرها من تداعيات الحرب الباردة وانعكاسها على تلك العلاقة التي جمعت بين موسيقار مبدع وصبية شابة.
إنها حكاية الحب المستحيل في الزمن الصعب.. ووفق تلك المعطيات اشتغل بافيل باوليكوسكي فيلمه منذ لحظات الكتابة بالتعاون مع جانيس جلوسكي وبوتير بوركويسكي، مع إنتاج سينمائي عالي الجودة على صعيد البحث الموسيقي والبناء الدرامي والمشهدية السينمائية، والأداء الرقيق الذى قاده نجوم العمل في مباراة عالية المستوى على صعيد التمثيل بالذات بين الثنائي جوانا كلويج وتوماس كوت حيث يتوقع لهما والفيلم حصة كبيرة من الحصاد ليس على صعيد مهرجان كان بل لربما أبعد من كل ذلك.
سينما عالية المستوى مقرونة بالبحث الفني على جميع الأصعدة إعتباراً من الموسيقى إلى العروض الاستعراضية مروراً بالأزياء والإدارة السينمائية والتصوير والاضاءة والصوت وغيرها من مفردات الفعل الإبداعي السينمائي، وبطريقة كلاسيكية متكاملة لا يمكن تجاوزها إلا بحصة وافرة من الحصاد وهكذا هو شأن الإابداع والاحترافية السينمائية.
فيلم (الحرب الباردة) مرحلة متجددة من تاريخ السينما البولندية والأوروبية من توقيع المتميز بافيل باوليكوسكي .. وهي دعوة للاحتفاء بمبدع سينمائي.