كان 71: تنافس اليابان والصين وكوريا الجنوبية على السعفة الذهبية
كان ـ «سينماتوغراف»: مها عبد العظيم
تشارك أربعة أفلام من القارة الآسيوية في المسابقة الرسمية لمهرجان كان 2018، نصفها من اليابان وهي لهريكازو كوري إيدا ورويوسوكي هاماغوشي. فهل ينجح اليابانيون الحاضرون بقوة من حيث العدد في إعادة روح السينمائي العظيم إيمامورا الحائز على سعفتين ذهبيتين إلى الكروازيت؟
ينتمي هريكازو كوري إيدا إلى حلقة المخرجين المعتادين على تقديم أفلامهم في كان السينمائي، وهذه هي المرة السادسة التي يشارك فيها الياباني في المسابقة الرسمية لمهرجان كان بفيلم “مسألة عائلية”. وكان فيلمه “مثل الأب مثل الابن” قد أحرز جائزة لجنة التحكيم في 2013، في حين فاز بطل فيلم “لا أحد يعلم” بجائزة أفضل ممثل عام 2004.
يشكل كوري إيدا مع مواطنيه كيوشي وأيوما وكوازي جيل سينمائيين خلفوا “الموجة الجديدة” اليابانية، ولم يكن الأمر هينا فأعمال أوشيما وإيمامورا ويوشدا كانت بدورها قد شكلت قطيعة مع الأفلام الكلاسيكية بجماليتها الصاعقة. وكوري إيدا وريث جدير بهذه الثقافة.
في “مسألة عائلية”، تعترض طريق أوسامو وابنه طفلة مهملة في الشارع. بعد تردد في تبنيها، تقبل زوجة أوسامو التكفل برعاية البنت لا سيما حين تدرك أن الصغيرة كانت تتعرض للتعنيف داخل عائلتها. عائلة أوسامو تنتمي للطبقة الفقيرة، ولأن معاشاتهم ضعيفة، يعتمد أفرادها على عمليات سرقة صغيرة وتحيل لتوفير حاجياتهم. رغم الفقر، تبدو العائلة سعيدة لكن حادثة تفجر أسرارها الرهيبة.
نجد في الفيلم هوس الفنان بفكرة الربط بين عالمين، فتطغى على أغلب أعماله صبغة الميلودراما العائلية. يختبر كوري إيدا بمسافة رقيقة علو مشاعر القلب على روابط الدم، وينسج على نفس منواله ضرورة ترميم صدع قديم في عالم الأحياء الذي يدين لعالم الأموات. فلسفة يابانية مسكونة بهواجس دروس الإرث العائلي قد تحرز في كان جائزة أفضل سيناريو.
يحيي كوري إيدا مع مواطنه رويوسوكي هاماغوشي الذي يشارك أيضاً في المسابقة الرسمية بفيلمه “في النوم أو اليقظة” (أزاكو I وII ) أمل إحراز سعفة ذهبية “يابانية”، وفي حال تحقق ذلك ستكون خامس سعفة في تاريخ اليابان. وكان آخر من فاز بها هو السينمائي العظيم شوهاي إيمامورا، الذي حاز السعفة الذهبية في مهرجان كان لمرتين، الأولى في 1983 عن فيلم “جولة نارايما” والثانية في 1997 عن “سمك الجريث” بالتساوي عامها مع الإيراني عباس كيارستامي عن فيلم “طعم الكرز”. وعرفت أفلام إيمامورا ببحثها مواضيع العشق والشهوة الجنسية والخيانة.
في فيلم هاماغوشي، أزاكو هي شابة في العشرين من العمر تعيش في مدينة أوزاكا، تقع في حب “باكو” وتعشقه بقوة. لكن في يوم من الأيام، يختفي باكو. بعد سنتين، تستقر أزاكو في طوكيو وتلتقي الشاب “ريوحي” وهو يشبه باكو كتوأم. رغم أن شخصية ريوحي مختلفة تماماً عن شخصية باكو، فتنساق وراء إغراء حب يشابه حبها الضائع.
فارق السن بين هاماغوشي وكوري إيدا يقدر بـ15 عاماً، لكن مسيرة هاماغوشي المهنية بدأت قبل 10 أعوام. وإن كان على عكس مواطنه ليس من المتعودين المجيء إلى الكروازيت، تبقى المتعة في مهرجان كان اكتشاف مواهب صاعدة والتأكد من أن اليابانيين مع اختلاف الأجيال يتميزون بأسلوب يعنى بقدر الإنسان ويركز على شعرية الشخصيات.
المشاهد الأولى ذات قيمة سينمائية عالية، تحضر أزاكو معرضاً للمصور الفوتوغرافي الشهير شيغايو غوشو، يمر باكو بجانبها مردداً أغنية فتتبعه خارج المتحف ثم في الشارع، بعد لحظات تكون النظرات الأولى المتبادلة بينهما منطلقاً
لمقطع مذهل وعاصف ترافقه موسيقى وبطئ في الصورة مليء يتماشى بدقة ورقة مع نشوء الحب. مقطع ذات جمالية فائقة تكاد تكون كوريغرافية لكن رفع المستوى الفني إلى درجة أننا انتظرنا كامل الفيلم أن تتكرر مثل هذه التأثيرات ولم يحدث ذاك. تدريجياً تحول الفيلم إلى قصة غرامية مألوفة شاهدنا المئات منها في السينما، فيحاول هاماغوشي دون عمق ولا كثافة رصد تردد قلب فتاة رومنطيقية وفتاها الجميل المثالي وأصدقائهما المرحين. لا شيء يقطع أو يقلب الحبكة. فلا حدث درامي يكسر نسق الشريط لتفاجئنا، كتابة هاماغوشي ظلت سطحية تتقفى سكة واحدة وتفتقد لزاوية نظرة قوية، سواء كانت رومنطيقية أو اجتماعية، يتحول فيها الطول مللاً.
وتهدد قصة حب أخرى من القارة الآسيوية، صورها الصيني جيا زان كي، بسرقة السعفة الذهبية من اليابانيين. يشارك جيا زان كي بفيلم “الخالدون” (الرماد هو الأبيض الأنقى) في المسابقة الرسمية لكان، وهو من رواد المهرجان الدولية وحائز على عديد الجوائز. وكان جيا زان كي قد عين مؤخراً نائبا في الجمعية العامة الصينية، وهو أمر غريب لأن المخرج اعتاد المشاكل مع الحكومة الصينية التي كثيراً ما عرقلت عمله ومنعت بعض أفلامه لا سيما “كساو وو” عام 1997. وكان “كساو وو” الذي تم تصويره في السرية قد ساهم إلى إطلاق مسيرته المهنية دوليا لكنه قوبل في بلاده بغرامة مالية باهظة. من جهة أخرى، يعرض خارج إطار المسابقة في الدورة 71 من مهرجان كان فيلم “النفوس الميتة” للمخرج الصيني وانغ بيغ المحظور عرضه في بلده.
وعلى غرار “ما وراء الجبال” الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان 2015، يروي “الخالدون” على مدى عشر سنوات قصة حب على وقع التحديث الراديكالي للاقتصاد في الصين. في بداية السنوات 2000، الشابة “كياو” (الممثلة زاو تاو) تقع في حب “بين” قائد عصابة مافيا محلية في مدينة داتونغ بمدينة محافظة شانكزي المتحدر منها جيا زان كي. حين يتعرض بين إلى هجوم مجموعة عدوة، تدافع عنه كياو فتطلق النار عديد المرات وتنتهي محكوما عليها بالسجن لخمس سنوات ويتخلى عنها حبيبها. تخرج كياو من السجن وتبحث عنه لكن بين أصبح في هذه الأثناء رجل أعمال ثري وله حياة جديدة مع امرأة أخرى. تعود كياو لمدينتها الأصلية وتعيد ربط العلاقات مع المافيا فتدير فندقا يلتقي فيه عناصرها. بعد عشر سنوات، يعود بين بدوره إلى داتونغ مصاباً بإعاقة بعد تعرضه لجلطة، فتعتني به كياو. القصة جميلة لكن يفتقد “الخالدون” لعبقرية “لمسة الخطيئة” و”ما وراء الجبال”.
أما الفيلم الآسيوي الرابع الذي يترقبه جمهور كان هو “ملتهب” للمخرج الكوري الجنوبي لي شانغ دونغ الذي يشارك للمرة الثالثة في المسابقة الرسمية للمهرجان بعد أن قدم “شعر” (2010) و”بزوغ شمس سري” (2007). يخرج شريطه الأخير عن نهج المواضيع العائلية ليتناول قصة إثارة، بين الفيلم البوليسي والفيلم العاطفي مع الإبقاء على سبر أغوار العواطف وتقلباتها.
https://www.youtube.com/watch?time_continue=24&v=3zJ3_JZnH_Q