كان 71: «قماشتي المفضلة» و«صوفيا» فشلا في كسر الأشكال النمطية للأفلام العربية
كان ـ «سينماتوغراف»: مها عبد العظيم
تناولت السورية غايا جيجي في فيلمها “قماشتي المفضلة” والمغربية مريم بن مبارك في “صوفيا”، وهما ضمن قسم “نظرة ما” في مهرجان كان، مسألة حرية المرأة مع خلفية اجتماعية وسياسية تبحث الحقوق الفردية بصفة عامة.
غايا جيجي ممثلة ومخرجة سورية شابة تعيش في باريس وولدت في دمشق، في رصيدها ثلاثة أفلام قصيرة. “قماشتي المفضلة” هو فيلمها الروائي الطويل الأول ويخوض مسابقة قسم “نظرة ما” ضمن الاختيارات الرسمية لمهرجان كان 2018.
كانت غايا جيجي قد شاركت في ورشات “مصنع السينما” Cinema fabrique du عام 2014 في مهرجان كان. وعام 2016 كانت غايا جيجي من بين الفائزات الثلاث، مع المخرجة التونسية ليلى بوزيد والإيرانية عايدة بناهندي، بجائزة “مواهب شابة” لبرنامج “نساء في الحراك”. و”نساء في الحراك” جائزة تخصصها مؤسسة كيرينغ ومهرجان كان تكريماً لمساهمة النساء في دعم السينما.
يسرد “قماشتي المفضلة” قصة الفتاة نهلة (تجسد هذا الدور اللبنانية منال عيسى) التي تعيش في إحدى ضواحي دمشق مع أمها وأختيها لين ومريم.
تدور الأحداث في مارس/ آذار 2011، أي مع بداية الاحتجاجات في سوريا، لكن الفيلم صور العام الماضي في إسطنبول.
وتنظر المخرجة من زاوية نسوية للمعايير المزدوجة التي تطبق على الحياة الجنسية وسط مجتمع أبوي وذكوري. بين متجر الملابس الجاهزة الذي تعمل فيه بائعةً وبيت العائلة، تسعى نهلة إلى الهروب من واقعها الذي تعيشه في وسط محافظ وخانق يراقب عن كثب سلوك البنات. فتتعلق تدريجيا نهلة بجارتها “مدام جيجي”، من أداء علا طبري الرائع، حيث تجتمع وتعمل بائعات الهوى في شقتها التي تحولت إلى ماخور سري.. وتبني نهلة عالماً من الأحلام “الحية” والفانتازما الحميمية مع رجل خيالي. لكن حين تسعى عائلتها إلى تزويجها من مهاجر سوري-أمريكي أملاً في اللجوء إلى الولايات المتحدة، تقابله الفتاة بالبرود.. إلى درجة أنه قرر لاحقاً الزواج من أختها !
إلى جانب الحروب النفسية الباطنية والعائلية، ترسم غايا جيجي في الخلفية ملامح العنف الدائر في الخارج. فالإضاءة والاسترجاع المنتظم لصور أرشيف للاحتججات (ولا سيما في درعا) تجعلنا نقرأ قصة نهلة التائقة إلى الحرية كمرآة تعكس وضع سوريا. فضجيج القصف وصوت بشار الأسد وحيرة الناس تمتزج بالحبكة الرئيسية.
لـ”قماشتي المفضلة” طموحات كبيرة، وهو خطأ يقع فيه العديد من المخرجين في فيلمهم الأول. صحيح أنه يحمل بصمة السيرة الذاتية والرواية في محاولة لنقل واقع مأساوي لكن للأسف الإكثار من الحكايات المتفرعة، وسط مرجعية كثيفة (شهرزاد، النبي يوسف… إلخ)، أضفى عليه إجمالا صبغة مسلسل “مائع”.
أما”صوفيا” وهو الفيلم الأول للمغربية مريم بن مبارك فقد عرض أيضاً في قسم “نظرة ما”. كان الترقب كبيرا لهذا الفيلم، ولا سيما أن الحضور العربي هذا العام في كان قوي ويجلب الاهتمام. فكان حجم الخيبة بقدر التشوق الذي سبقها.
فبعد أن تشاهد فيلم بن مبارك يكاد يبدو لك فيلم جيجي غايا تحفة، فالمخرجة السورية على الأقل تبحث مسألة حرية المرأة عبر طرق غير معهودة رغم كل شيء في محاولة لإدراج عالم مواز، هو عالم الخرافة والخيال. أما بن مبارك فقد قيدتنا بالقضايا التي طفح كيلنا من تكرارها بهذا الأسلوب في السينما العربية.
الشخصية الرئيسة “صوفيا” تنتمي إلى عائلة بورجوازية. نرى أفراد العائلة مجتمعة حول مائدة الغذاء والفتاة تقدم لهم مختلف الأطباق. عدم انسجام السيناريو مع الكاستينج يجعلنا نفكر في الأول أن “صوفيا” هي العاملة المنزلية. وفي بضع لحظات نجد أنفسنا مع صوفيا وابنة خالتها لينا في رحلة بحث عن مستشفى أو عيادة يقبل بمساعدة صوفيا على الولادة.
بداية أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها غير منطقية.. طبعاً تفسر هذه الولادة المفاجأة بأن صوفيا، وهي غير متزوجة، كانت تعيش أعراض نفي غير واع لحملها. نية المخرجة تبدو فضح نفي المجتمع المغربي ككل لحمل امرأة غير متزوجة. رسالة الضغوط والقيود الاجتماعية واضحة منذ الصورة الأولى التي تنقل على الشاشة نص القانون الذي يعاقب العلاقات الجنسية المقامة خارج الزواج.
فكرة الدفاع عن الحريات جيدة، لكن طريقة صياغتها سينمائيا بالية ومجترة. تكشف صوفيا أنها حملت من عمر، شاب من الأحياء الفقيرة. ترغم عائلتها الشاب على الاعتراف بالمولود الجديد وبالزواج من ابنتها للتستر على “الفضيحة”، كما تدفع رشوة لرئيس مركز الشرطة حتى لا تتورط صوفيا في قضية جنائية.
الفساد والتفاوت الطبقي في المغرب من المسائل التي تطرحها مريم بن مبارك، فنمر في جولة على متن مرسيدس لينا من الأحياء الفقيرة في الدار البيضاء إلى فيلاتها الفخمة المطلة على البحر. جولة سطحية لا تسبر أغوار البؤس الذي ينهش حياة المهمشين..
ثم في تطور “درامي” سهل، نكتشف أن عمر ليس أب المولود ولم يقم علاقة جنسية مع صوفيا، فقط رضي بالصفقة لتحسين مستواه المعيشي. ربما هذه هي إحدى الخطوط القوية للفيلم، فكأن عمر هو المغتصب، ونرى في مشاهد نادرة في السينما المغاربية رجلاً يبكي أمام الخيار المفروض عليه بدوره والذي يقبله بسبب وضعه المتردي. الشباب المغربي ضائع بين أيدي مجتمع جائر ومحكوم بالماديات يسلبه حريته ويرغمه على الرضوخ لقدر عبثي. حالما يحصل عمر على بعض المال يقرر زيارة “بائعة هوى”، تشير مريم بن مبارك بدورها إلى البؤس الجنسي الذي يعانيه الشباب على غرار ما جاء في فيلم “ولدي” للتونسي محمد بن عطية (والذي عرض في قسم “أسبوعا المخرجين”).
الحقيقة هي أن صوفيا تعرضت للاغتصاب من أحمد، شريك والدها في مشروع فلاحي واعد. كذبت صوفيا بشأن عمر من أجل “الحفاظ على شرف العائلة” وعدم تعطيل مشاريع والدها. “الرجل” عمر ضحية، وصوفيا شاركت في الخديعة. المرأة تساهم في توثيق القيود عوض الكفاح من أجل حريتها، هذا التغيير في زاوية النظر التي عادة ما تصور المرأة على أنها مظلومة مهم ويبرز أنها، على عكس ما تفكر الأغلبية، جزء من النظام الصدأ/الصدئ… وتنتهي القصة بزواج بهيج كما جرت العادة.
وهكذا كانت الأفلام العربية التي تتناول مسألة حقوق المرأة والفرد بصفة عامة مترددة في الذهاب أبعد مما يجب لكسر الأشكال النمطية.