هاني أبو أسعد: لا فصل بين السياسي والإنساني في فيلم «عمر»
«سينماتوغراف» ـ انتصار دردير
رغم أن جائزة الأوسكار أعلن عنها في نهاية عشرينات القرن الماضي وكانت معنية في الأساس بالسينما الأميركية، ولكن بعد عقدين وتحديداً في الفترة من (1947 ـ 1955) من انطلاقها وسعت من نشاطها وأصبحت تمنح جائزة شرفية لأفضل فيلم أجنبي عرض في الولايات المتحدة، وأخيراً أضحت تمنح الجائزة لأفضل فيلم أجنبي يترشح للجائزة على مستوى العالم، وخلال سنوات توزيعها حصدت أوروبا وحدها 52 جائزة من أصل 66 جائزة، وشهدت جائزة الأوسكار السادسة والثمانين حدثاً استثنائياً تمثل في حضور عربي مميز ضمن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية، حيث خاض الفيلم الفلسطيني (عمر) للمخرج هاني أبوسعد منافسة شرسة في سباق الجائزة بعد أن انضم للقائمة النهائية التي ضمت 5 أفلام (من أصل 76 فيلماً)، وصحيح أنه لم يفوز بالأوسكار، إلا أن الفيلم كان التجربة الثانية للمخرج أبو أسعد بعد سابقة فيلمه (الجنة الآن) الفائز بالغولدن غلوب كأفضل فيلم أجنبي عام 2005.
وإذا كان فيلم (عمر) الذي تم تصويره بالكامل داخل الأراضي الفلسطينية، شارك في منافسة صعبة مع أربعة أفلام أجنبية أخرى من بلجيكا، الدنمارك، ايطاليا، وكمبوديا، إلا أنه تناول موضوعاً إنسانياً عن الصداقة والخيانة بعد قتل ثلاثة فلسطينيين لجندي إسرائيلي، وسلط الضوء في ثنايا أحداثه على معاناة الفلسطينيين بسبب ظروف الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وكانت هذه الوقفه مع الفيلم ومخرجه:
ـ أعاد وصول فيلم “عمر” إلى القائمة النهائية لترشيحات جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي الذكريات الجميلة لمخرجه الفلسطيني هاني أبو أسعد، الذي عاش هذه التجربة المثيرة مرة سابقة مع فيلمه «الجنة الآن» عام 2005، وهو بذلك أدخل اسمه في تاريخ السينما العالمية كأحد المخرجين الذين ترشحوا لجائزة الأوسكار أكثر من مرة.
وقال هاني أبو أسعد، عن هذا الترشح لـ «سينماتوغراف»: “الأمر يعني لي الكثير على الصعيد الشخصي، لأنه أعطاني مزيداً من الفرص لتمويل مشروعاتي”، وحول مباشرته في طرح القضية الفلسطينية أكد قائلاً: في رأيي أن القضية عندما تكون أكبر من القصة المحكاه، تموت القصة، وبالتالي لابد أن تكون القصة هي الأساس القوي الذي يحمل القضية كلها، واعتقد إن بقيت القصة في التاريخ تبقى معها القضية، وإن غرقت تكون مثل السفينة يغرق معها كل ما فيها وما عليها، وبنظري فيلم عمر يحكي عن مفاهيم إنسانية تلامس الإنسان في كل مكان، ومن ثم أخذت معها القضية الفلسطينية إلي أبعد مدى.
ـــ يقدم هاني أبو أسعد في فيلمه “عمر” قصة التشوّه الأخلاقي الذي طال الشخصية الفلسطينية بسبب بطش الاحتلال الإسرائيلي، حيث لم تعد العلاقات بين أفراد الشعب الفلسطيني طبيعية، وتبدأ الحكاية بالشاب “عمر” الذي يعيش في المنطقة الإسرائيلية على حافة الجدار العازل فيما تعيش حبيبته في الجانب الآخر، الفلسطيني، حيث الفقر والعشوائية، وحيث لا سبيل للوصول لحبيبته إلا بصعود الجدار العازل متسللا جيئة وذهابا.
“عمر” الذي يعمل في مخبز وتبدو حالته المادية مقبولة، يحلم بالزواج من فتاة أحلامه، وفي الوقت ذاته لا ينسى هاجس المقاومة، لذلك يؤسس مع صديقه “طارق” شقيق حبيبته، وصديقه الثاني أمجد، فريقا لاقتناص الجنود الإسرائيليين، وبعد أول عملية ناجحة لهم تتفجر أبواب الجحيم في وجوههم، ويتحول الفيلم إلى منصة لاختبار أخلاق أبطاله ومبادئهم.
إن أي فلسطيني يقع أسيراً لدى السلطات الإسرائيلي سيتحول إلى عميل بالضرورة، ليس لسوء في طبعه، أو رغبة في العمالة، إنما بحكم الضرورة وقسوة الواقع واليأس الذي يغلف حياة الفلسطينيين. ويقول هاني أبو أسعد هذا دون أن يحكم على شخصياته أو يدينها. إنه ينظر لها بعين الإشفاق والتفهم للوضع المأساوي الذي تعيش تحت وطأته والذي صنعه الإسرائيليون بمهارة بوليسية تفوق أعتى الديكتاتوريات.
وفي ظل هذا الواقع، يسجن عمر ثم يخرج، وتتنازعه شكوك حول الخائن الذي كشف سر عمليتهم الأولى، ومع ذلك فإنه يغرق أيضاً في عمالته الخاصة التي سمحت له بالخروج من السجن، وشكوكه التي تكاد تحرقه من الداخل تطال أيضاً حبيبته التي بدأ يشعر أنها هي الأخرى تخونه، وفي هذه الأجواء الملبدة بالخيانة، يعرض هاني أبو أسعد حكايته بأسلوب مشوق يكون فيه المسؤول الأمني الإسرائيلي محركا فاعلاً للأحداث وسبباً في تدمير الشخصيات الفلسطينية.
وإذا كان الجدار الإسرائيلي العازل قد فصل الفلسطينيين جغرافيا، إلا أنه ـ وقبل ذلك ـ كان الاحتلال الإسرائيلي يفصل الفلسطينيين نفسياً ويدمرهم أخلاقياً ويشوههم تشويها عنيفاً إلى درجة نزع ثقة الفرد الفلسطيني في كل المحيطين به، وهكذا نرى “عمر” حائراً مشتتاً غير واثق من الجميع ويتناهشه إحساس بأنه يعيش داخل خديعة كبرى، وليس هو من يعاني فقط، بل حتى أصدقاؤه وحبيبته ومجمل الشعب الفلسطيني.
لهذا المعنى الذي يقدم صورة مغايرة للواقع الفلسطيني المأزوم والمدمر بفعل الاحتلال الإسرائيلي البشع، كان الفيلم جذاباً ومغرياً في تقديم وجهة النظر المغيبة عن الجمهور الغربي، كما أنه من الناحية الفنية، وتحديداً السيناريو بأفكاره ودلالاته وتحولاته، يشكل إبداعاً مدهشاً بالنسبة للسينما العربية، حيث الفيلم في نهايته، ليس مجرد أفكار حول الخيانة وبشاعة الاحتلال، بل هو أيضاً بناء فني مشوق ومثير يكشف عن أفكاره الصادمة بذكاء وتلقائية.
ورداً على ماجاء في آراء النقاد بأن فيلم “عمر” لم يحمل بالسياسة كما حُمل فيلم “الجنة الآن” أجاب هاني أبو أسعد قائلاً: فيلم “عمر” فيه نضج سياسي أكثر، وليس هذا لأنه لا يحمل توجهات سياسية، فالعمليات الانتحارية التي ناقشها فيلم “الجنة الآن” أداة للمقاومة كان عليها نقاش سياسي كبير، لكنها في النهاية دراما إنسانية، وفي فيلم “عمر” المقاومة لها ثمن، وهذا نقاش سياسي مع أنه نقاش إنساني أي لا فصل بين السياسي والإنساني تحت مشروع صهيوني ظالم.