حسين رياض رائد مدرسة الاندماج في السينما المصرية
«سينماتوغراف» ـ انتصار دردير
لم تكن نظرية اندماج الممثل في أداء دوره التي أطلقها المخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكى والتي تؤكد على ضرورة اندماج الممثل بكل جوارحه قد عرفت طريقها إلى السينما المصرية بعد، إلا أن الفنان حسين رياض يعد رائدها بحق فقد بلغ به الاندماج في أداء أدواره إلى حد أنه كان يمرض إذا أدى شخصية مريض ولا يغادر الشخصية حتى بعد الانتهاء من تصويرها إذ يظل مريضاً ومتوجعاً بها إلى أن يندمج في دور جديد.
يؤمن ستانسلافسكى بأهمية اعتماد الممثل على قدراته الداخلية التي تتمثل في العقل، والإرادة، والشعور، والتخيل، واستدعاء دوافعه الشعورية واللاشعورية، وافتراض الظروف والوقائع الممكنة المتشابهة لإسقاطها على المواقف الدرامية التي يؤديها، وهو ما طبقه بالفعل الفنان حسين رياض الذي تحل ذكرى رحيله الـ 59 في السابع عشر من يوليو، فقد توفى يوم 17 يوليو 1965.
حسين رياض المولود بالقاهرة لأب مصري وأم سورية في 13 يناير1897 تعلق بالتمثيل وهو لايزال طالباً المدرسة، وكان من حسن حظه أن تبنى موهبته اسماعيل وهبي شقيق الفنان الكبير يوسف وهبي، وكانت أول عروضه المسرحية “خلى بالك من امياى” أمام السيدة روزا ليوسف، وهكذا بدأت علاقته بالتمثيل من خلال المسرح قبل انطلاق السينما في مصر التي سرعان ما انضم إليها، وقدم أول أفلامه قبل دخول الصوت من خلال الفيلم الصامت “صاحب السعادة كشكش بك”، ومع السينما الناطقة جاء أول أفلامه “ليلى بنت الصحراء” عام 1931 أمام بهيجة حافظ، لتتوالى أفلامه التي وصلت إلى 320 فيلماً، ورغم تنوع أدواره ما بين الأرستقراطي والأب المطحون إلا أن أدوار الأب الطيب والحازم في آن واحد التصقت به لبراعة أدائه وتمتعه بملامح الطيبة والحنان، إضافة إلى تهدج صوته واخلاصه في الأداء كل ذلك جعل منه الأب الشرعي للسينما المصرية، وقد قال عن نجاحه في تجسيد شخصية الأب (أعيش دور الأب بكل جوارحي لأعوض به صباي بعد أن فقدت أبى وعمرى 11 سنة).
ثلاث وقائع تبرهن اندماجه الشديد في الأداء فتحت عليه أبواب المعاناة أولها فيلم “الأسطى حسن” للمخرج صلاح أبوسيف وإنتاج وبطولة فريد شوقي الذي كانت تربطه بحسين رياض صداقة قوية، أدى رياض في هذا الفيلم دور رجل أصيب بالشلل وكان يؤدى مشاهده على كرسي متحرك، وبعد انتهاء التصوير ظل حسين رياض يعاني من عدم قدرته على الحركة مما دفع زوجته لاستدعاء طبيب لعلاجه. وفى فيلم “واسلاماه” كان يؤدى دور سلامة الكفيف وأصر على أن يؤدى مشاهده وهو مغطى عينيه تماما مستنداً إلى عصاه، ولم تكن هناك وسائل آمنة لذلك كما هو الآن إلا أنه قام بوضع أشياء سميكة على عينيه حتى تحجب الرؤية عنه تماماً مما أصابه بالتهابات شديدة في عينيه خضع لعلاج طويل بسببها.
وبينما تعرض لمتاعب صحية خلال تصوير آخر أفلامه “ليلة الزفاف” الذي لم رحل قبل أن يستكمله حيث أصيب بذبحة صدرية لكنه أصر على عدم الراحة ورفض الاستسلام للمرض، وواصل تقديم أحد أدواره المسرحية وخلال العرض وبينما يقول في حواره “شيعوا جنازتي بعد 24 ساعة ” إذا به يقع على المسرح ليلفظ أنفاسه الأخيرة ويموت محققاً حلمه وهو يمثل.
كان الفنان الراحل قاسماً مشتركاً في ثلاثة من أفلام العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وهي على التوالي “لحن الوفاء 1955″، “شارع الحب 1959″، و”البنات والصيف 1960” وكانت شخصية المايسترو الشهير جاديليو الذي تخفى وسط فرقة حسب الله السادس عشر وتعهد ابن صديقه منعم ليصبح مطرباً من الشخصيات التي لا تنسى والتي أداها في فيلم “شارع الحب” ومن عباراته الشهيرة في الفيلم التي يتذكرها الجمهور قوله (انت اللي هتغني يا منعم).
ومن أهم أفلامه “بابا أمين 1950″ من اخراج يوسف شاهين ،”رد قلبي” 1957 والذى أدى فيه شخصية الريس عبد الواحد وكان أدائه لهذا الدور سبباً في إعجاب الرئيس جمال عبد الناصر به والذى بكى أثناء مشاهدته لفرط تأثره بصدق أدائه فمنحه وسام الفنون، وكذلك دوره في فيلم “في بيتنا رجل” الذى برع فيه في تقديم شخصية الأب الذى يتمتع بوطنية ويوافق على اخفاء زميل ابنه المناضل في بيته رغم الخوف الذى عبر عنه في مشاهد عديدة، وفيلم “الناصر صلاح الدين1963، و”بين الأطلال”، وزقاق المدق” بينما كان أخر فيلم له “أغلى من حياتي 1965” أمام صلاح ذو الفقار وشادية حيث كان الشاهد على قصة حب بطلتيه منى وأحمد.
وإذا كان الفنان حسين رياض قد آمن مبكراً بنظرية الاندماج فإن عشقه للمسرح هو الذي قاده إليها فقد بدأ وانتهى ممثلاً على خشبة المسرح وانضم لأشهر الفرق المسرحية من يوسف وهبي لفاطمة رشدي وعلى الكسار ونجيب الريحاني لتصل عدد مسرحياته إلى 240 مسرحية، بخلاف أعماله الاذاعية والتليفزيونية وبالطبع السينما التي خلدت اسمه كواحد من أساطين التمثيل في الوطن العربي.