سجناء في تونس «هربوا» من زنزاناتهم.. بفضل «أيام قرطاج السينمائية»
تونس ـ الوكالات: «سينماتوغراف»
يعتبر السجين الملقب “النمس” أن “لا شيء أجمل من أن يكون المرء حراً ولو لبعض الوقت” بعدما حصل على إذن بـ”الهروب” من سجنه التونسي لبضعة أيّام لتصوير مقاطع لفيلم وثائقي في “أيام قرطاج السينمائية”.
للمرة الأولى في تونس، غادر ثلاثة سجناء زنزاناتهم دون قيود وتحت رقابة غير ظاهرة للشرطة لتغطية المهرجان وإنتاج هذا الفيلم الوثائقي الذي عُرض السبت الماضي خلال اختتام الدورة الثانية والثلاثين لهذا اللقاء الثقافي المهم في تونس.
وقال أحد السجناء في تعليق صوتي في الفيلم الوثائقي “هنا اكتشفنا قيمة الحياة، قيمة الفن وقيمة الحرية”. تنقل السجناء طوال أسبوع المهرجان في قاعات العرض وأجروا حوارات بالفيديو مع الجمهور والتقطوا مقاطع خلال عرض فيلم لنحو أربعين مراهقا جاؤوا من خمسة مراكز لإعادة تأهيل القصر المنحرفين في تونس.
وجاءت مبادرة إشراك السجناء في هذه التظاهرة من ادارة المهرجان بالشراكة مع “المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب” وادارة السجون والاصلاح في البلاد.
وكشف المكلف بالبرامج الثقافية والرياضية في الادارة العامة للسجون والاصلاح طارق الفاني، أن اختيار المساجين استند على “السلوك السوّي والموهبة” في عملية الانتاج السمعي البصري.
كذلك تلقى المساجين تدريباً لمدة ثمانية أشهر داخل سجنهم في محافظة المهدية (شرق) على عملية انتاج الأفلام في اطار أنشطة النوادي الثقافية في هذا الحبس الذي يعد من أكبر المراكز السجنية في البلاد.
وانبهر”النمس” بما شاهده في هذا العالم الجديد بالنسبة له، وبدا فرِحاً “بالخروج من السجن والمشاركة في تظاهرة ثقافية” خلال تصويره مقاطع فيديو للوثائقي.
ويتابع هذا السجين البالغ ثلاثين عاما قضى عشر سنوات منها وراء القضبان “أتساءل كيف سأعود إلى السجن بعدما عشت لحظات السعادة هذه”.
ويعكف على تعديل الكاميرا واختيار زوايا التقاط الصور وهو يكتشف للمرة الأولى المبنى الكبير “لمدينة الثقافة” الذي شُيّد في العام 2018.
يشاركه في ذلك سجين آخر ثلاثيني يرتدي سروال جينز وحذاءً رياضيا.
وأوقفت قوات الأمن هذا الطالب السابق في اختصاص الهندسة المعمارية في نوفمبر 2016 بتهمة المخدرات وكان حينها خارجا للتو من قاعة عروض أفلام في دورة سابقة لأيام قرطاج السينمائية. ويعلّق مبتسما “الظاهر أن اللحظات القوية في حياتي مرتبطة بأيام قرطاج السينمائية” مضيفاً “يمنحنا هذا الخروج انطباعا بحياة عادية”.
أما السجين الثالث البالغ أربعين عاماً والذي قضى خمس سنوات في السجن فيرى أن هذه التجربة تحولت مشروع حياة وحفزته على التفكير في انشاء شركة للانتاج السمعي والبصري عندما يغادر السجن بعد سنتين.
ويقول “منذ أن دخلت النادي لمتابعة التدريب قبل أن أكون مؤطرا، قلّت الضغوط النفسية وأصبحت لديّ أهداف اريد بلوغها وهذا الأمر يجعلني أشعر بالحرية حتى بين جدران السجن”.
ويؤكد أن التدريب الذي تابعه “كان له تأثير ايجابي كبير على سلوك المساجين” آملاً في “أن تعمَم (هذه التجربة) على كل المؤسسات السجنية والاصلاحية”.
ويرى أن ذلك يدخل في إطار”يتيح تطوير العلاقة الإيجابية بين موظفي السجن والمساجين”.
ويعتبر الفاني ايضاً أنها “وسيلة مهمة للإصلاح وتُمكّن من تحسين ظروف السجن”.
وتوجد في تونس 28 مؤسسة سجنية تضم نحو 24 ألف سجين، حسب المنظمة العالمية للوقاية من التعذيب.
وتمكن المساجين في تونس للدورة السابعة توالياً من مشاهدة عروض أفلام داخل السجون خلال تظاهرة أيام قرطاج السينمائية وأفاد هذا العام 14 ألف سجين من هذه المبادرة.
وتشرح المسؤولة عن المنظمة العالمية للوقاية من التعذيب غابرييل ريتير، أن الهدف “إشراكهم في نشاط ممتع حقا. تونس بأكملها تكون سعيدة بأيام قرطاج السينمائية، والأمر نفسه ينطلق على السجن”